كاتبة لبنانية: ما يحدث في غزة ارتداد جديد لسياسة الهيمنة القائمة على منطق القوة وطمس إرادة الشعوب

یشهد قطاع غزة اليوم “أسوأ سيناريو للمجاعة”، إذ يعاني عشرات الآلاف من الأطفال من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم. ويواجه نحو 500 ألف شخص خطر المجاعة في وقت يستمر فيه العدو الصهيوني في منع دخول المساعدات الغذائية والحيوية إلى القطاع.

فما يزال أهالي قطاع غزة يقبعون تحت رحمة مستويات غير مسبوقة من الجوع، حيث تحذر المنظمات الدولية من تفشي المجاعة وارتفاع أعداد الشهداء الذين يقضون نحبهم بسبب انعدام وسوء التغذية، خاصة بين الأطفال والمرضى وذوي الإعاقة. وتقول التقارير بأن بعض العائلات باتت تقتات على الأعشاب ومياه البحر أو بعض أرغفة الخبز، وسط غياب شبه كامل للمساعدات الإنسانية منذ أشهر، وإذا توفرت بعض المواد الغذائية يكون سعرها باهظ جداً.

لا يخفي على أحد أن الاحتلال الاسرائيلي يرتكب جريمة نادرة من نوعها في القرن الـ21، جريمة لم تتوقف عند حدود ارتكاب مجازر عسكرية فحسب، إنما تجاوزها ليرتكب جرائم إبادة تعتمد طرقاً وأساليباً وحشية.

وسط هذه الكارثة التي ستظل لطخة سوداء على جبين المجتمع الدولي الذي وقف عاجزا عن فك الحصار عن أهالي قطاع غزة التي بدأت أجسادهم تتهالك بسبب الجوع، أجرت الجريدة العربية الاوروبية للأنبلاء حوارا مع الكاتبة والصحفية جيهان دلول، تحدثت خلاله عن حالة التجويع الممنهج التي يعيشها قطاع غزة، وعن أهداف العدو الصهيوني من هذا الأمر.

  • ارتداد جديد لسياسة الهيمنة

وفي ردّ منها على سؤال بشأن إعلان العدو الصهيوني بشكل رسمي تطبيق مشروع احتلال غزة. وتبعات هذا الأمر على المنطقة، قالت دلول:  إنّ ما يقوم به العدو الصهيوني من محاولات لتكريس مشروع احتلال غزة ليس حدثاً عابراً، بل هو ارتداد جديد لسياسة الهيمنة القائمة على منطق القوة وطمس إرادة الشعوب. التبعات ليست محصورة في غزة وحدها، بل هي ارتجاجات تصيب المنطقة بأسرها.

وأكملت: فعلى المستوى السياسي، سيؤدّي ذلك إلى إعادة خلط الأوراق في الشرق الأوسط، إذ إنّ غزة تمثل اليوم آخر الجبهات التي لم تُسقط رايتها، وبالتالي فإن استهدافها يعني استهداف روح المقاومة العربية والإسلامية. أما على المستوى الاجتماعي، فإن الشعوب ستشعر أكثر من أي وقت مضى أنّ مصيرها معلّق بموازين قوى ظالمة، ما يعزز حالة الغضب الشعبي ويُعيد إنتاج حركات احتجاجية واسعة.

وأردفت موضحة: أما فلسفياً، فإن احتلال غزة ليس مجرد جغرافيا تُستباح، بل هو محاولة لاحتلال الوعي وإفراغ الذاكرة الجمعية من قيم الحرية. وهذه المحاولة، وإن بدت في ظاهرها تقدماً للعدو، إلا أنها تحمل في جوهرها بذور سقوطه، لأن كل احتلال يولّد مقاومة، وكل استبداد يستحضر لحظة عدالته الآتية.

وعن تبعات المشروع على المنطقة أوضحت الكاتبة اللبنانية: إن تبعات المشروع على المنطقة ستكون مزدوجة: تصعيد أمني وعسكري يفاقم التوتر، وفي المقابل ولادة وعي جديد أكثر صلابة، يجعل من غزة رمزاً لا يُحتل ولو تكالبت الجيوش..

  • المجاعة جريمة مركّبة

وبشأن جريمة المجاعة الجماعية في غزة من قبل الاحتلال، أوضح دلول:  إنّ ما يحدث في غزة من مجاعة مصطنعة هو جريمة مركّبة تتجاوز حدود الحرب التقليدية لتتحوّل إلى حرب على الوجود الإنساني ذاته. فالاحتلال يستخدم التجويع كسلاح صامت يقتل الروح قبل الجسد، ويهدف من خلاله إلى كسر إرادة الناس وتحويلهم من أصحاب قضية إلى باحثين عن لقمة نجاة.

وأردفت: لكن فلسفياً، ما يغيب عن وعي المحتل أنّ الجوع لا يقتل الهوية، بل يعمّق الشعور بالانتماء ويعيد تعريف معنى الصمود. فالتجويع الذي أراده وسيلة للتركيع قد يصبح في الذاكرة الجماعية للشعب عنواناً للتحدي والبقاء.

وقالت: إنّ كيان الاحتلال يسعى من خلال هذه السياسة إلى إخضاع غزة وتحويلها إلى مساحة خالية من القدرة على المقاومة، لكنه يغفل عن حقيقة أنّ الشعوب التي اعتادت أن تحيا بكرامة، تستطيع أن تحوّل حتى أقسى صور الألم إلى وقود للحرية..

  • انعكاس لأزمة أعمق في منظومة القيم العالمية

كما تناولت الكاتبة اللبنانية معضلة العجز الدولي امام ما يحدث، قائلةً: العجز الدولي أمام ما يحدث في غزة ليس وليد اللحظة، بل هو انعكاس لأزمة أعمق في منظومة القيم العالمية. فالمجتمع الدولي اليوم محكوم بموازين قوى لا بمبادئ عدل، وبمصالح الدول الكبرى لا بمواثيق حقوق الإنسان. لذلك، يتخذ هذا العجز صورة الصمت الممنهج، أو الاكتفاء ببيانات لا تُسمن ولا تُغني.

وقالت: فلسفياً، يمكن القول إن العالم يعيش مفارقة قاسية: يتغنّى بالإنسانية في الخطاب، لكنه يتخلى عنها في الممارسة حين تصطدم بالمصالح. غزة تكشف لنا أنّ القانون الدولي بلا قوة هو مجرد نصوص معلّقة، وأن العدالة التي لا تجد من يحميها تتحوّل إلى شعار أجوف. إنّ هذا العجز ليس ضعفاً تقنياً، بل هو تواطؤ مقنّع، يهدف إلى إبقاء ميزان القوى مائلاً لصالح الاحتلال. ومع ذلك، فإنّ الشعوب – لا الحكومات – هي التي تعيد باستمرار إحياء الضمير العالمي، وتثبت أنّ الحق وإن غاب عن المنصات الرسمية، فإنه لا يموت في وجدان الأحرار..

  • الشعوب الحرة وحدها قادرة على فرض معادلات جديدة

وبشأن الطريقة الأمثل لردع جرائم الاحتلال في غزة، أوضحت:  الحل لا يمكن أن يكون آنياً أو سطحياً، لأنّ ما يجري في غزة ليس أزمة عابرة بل تجلٍّ لصراع وجودي طويل. ردع جرائم الاحتلال يتطلّب أولاً إعادة الاعتبار لإرادة الشعوب قبل إرادة الأنظمة، فالمعادلة أثبتت أنّ الشعوب الحرة وحدها قادرة على فرض معادلات جديدة مهما كانت موازين القوة مختلّة.

وأوضحت: على المستوى العملي، لا بد من بناء جبهة إقليمية ودولية حقيقية تُحاصر الاحتلال سياسياً واقتصادياً، لأن الاحتلال يستمد قوته من شبكة مصالح عالمية أكثر مما يستمدها من دباباته. وعلى المستوى الفلسفي، الحل يكمن في كسر وهم “اللاعقاب”، أي أن يدرك العدو أن جرائمه لن تمر بلا ثمن، وأنّ ذاكرة الشعوب أطول من أعمار قادته. إنّ ردع الاحتلال يبدأ من المقاومة بأشكالها كافة، العسكرية والشعبية والثقافية، ويتعزز بضغط دولي شعبي يفضح جرائمه ويُسقط عنه القناع الأخلاقي الذي يتخفى وراءه. فالقوة قد تفرض واقعاً مؤقتاً، لكنها لا تصنع شرعية، والشرعية لا تُولد إلا من العدل..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *