لبنان: دولة مؤجّلة بانتظار قرار

لبنان: دولة مؤجّلة بانتظار قرار. /رنا وهبة


لبنان لا ينهار فجأة، بل يُستنزف ببطء وبوعي كامل. ما نعيشه ليس أزمة طارئة ولا سوء حظ تاريخي، بل نتيجة مباشرة لنظام اعتاد الهروب من الحقيقة وتدوير الفشل باسم “الاستقرار”. دولة تُدار كأنها تفصيل، فيما القرار الحقيقي مؤجّل أو موزّع أو محجوب، والشعب يُطلب منه الصمت لأن البديل هو “الأسوأ”.

المشكلة في لبنان ليست في كثرة الشعارات، بل في غياب الجرأة على الاعتراف: لا دولة من دون قرار، ولا قرار من دون مرجعية واحدة. كل ما عدا ذلك هو تلاعب بالكلمات. حين تصبح السلطة موزّعة بين مصالح داخلية وحسابات خارجية، وحين تُفرغ المؤسسات من معناها، يتحوّل الوطن إلى ساحة انتظار، لا مشروع حياة.

في هذا المشهد، يُستَخدم كل ملف خلافي كأداة تعطيل لا كموضوع نقاش. تُرفع عناوين كبرى بلا نقاش وطني، وتُقدَّس خيارات من دون مساءلة، ويُخوَّن كل من يطرح سؤالًا. ليست المشكلة في القضايا نفسها، بل في تحويلها إلى محرمات سياسية، خارج أي رقابة أو محاسبة، وكأن الدولة ضيف ثقيل على أرضها.

الدولة اللبنانية اليوم لا تُحكَم، بل تُدار بالحد الأدنى: رئيس مؤجَّل، حكومة بلا قرار، برلمان يشرّع العجز. الجميع يعرف ذلك، والجميع يتعايش معه. أما المجتمع الدولي، فلا يعاقب لبنان لأنه قاسٍ، بل لأنه يرى دولة ترفض أن تكون دولة. لا إنقاذ بلا مسؤول، ولا دعم بلا عنوان.

والأخطر أن هذا الواقع يُقدَّم للبنانيين كقدر. يُقال لهم: هذا هو التوازن، وهذه هي الواقعية، وهذه هي حدود الممكن. لكن أي واقعية هذه التي تنتج فقرًا، هجرة، عزلة، وانهيارًا شاملًا؟ وأي توازن يقوم على تعليق الدولة وترك الناس يدفعون الفاتورة؟

اللبنانيون لم يعودوا يسألون عن الشعارات، بل عن النتيجة. ماذا بقي من البلد؟ ماذا حُمي؟ ماذا بُني؟ الإجابة قاسية، ولهذا يُمنع طرح السؤال. لأن المشكلة ليست في النقد، بل في أن النقد يكشف أن الجميع شركاء في إدارة الانهيار، بالصمت أو بالتبرير أو بالعجز.

لبنان لا يحتاج مزيدًا من الخطب، بل لحظة مواجهة. إما دولة بقرار واضح ومسؤولية واضحة، أو استمرار في هذا المسخ السياسي الذي لا هو دولة ولا هو مقاومة ولا هو استقرار. نصف الدولة ليس حلًا، ونصف الحقيقة خيانة، وتأجيل الحسم لم يعد حيادًا بل مشاركة فعلية في السقوط.

الاستفزاز الحقيقي اليوم ليس في الكلام، بل في الصمت. والصمت في بلد ينهار… جريمة مغطّاة بالوهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *