مابين علاجٍ وهوس ملامح مزوّرة

مابين علاجٍ وهوس
ملامح مزوّرة

علم التّجميل هو علم قديم يرجع قدمه إلى آلاف السنين – المصريون القدماء والرومان وغيرهم من الحضارات القديمة – كانت الغاية الأساسية منه؛ هي إجراء عمليات ترميمية أو ترقيعية ضرورية تقتصر على إصلاح الإجراء المتضررة من جسم الإنسان نتيجة الحوادث أو الحروق ويضاف إلى ذلك حديثاً التشوهات الخَلقية، والغاية من ذلك عودة الإنسان إلى طبيعته واندماجه في مجتمعه مجدداً، و ساهمتْ في ذيوع هذه العمليات وانتشارها الحرب العالمية الأولى بعد نجاة بعض الجنود من نيران الحرب المستعرة أصيبوا بتشوهات وعاهاتٍ بسببها، كان لابد من مساعدتهم على الانخراط مجدداً في مجتمعهم عن طريق إصلاح التشوهات التي أصابتهم بواسطة عمليات التجميل ومن أشهرها تلك التي قام بها الطبيب النيوزيلندي هارولد جيليز عام
-١٩١٧- للطيار والتر يو ، لأنه أُصيب إصابة خطيرة في وجهه أدت إلى فقده فكه العلوي والسفلي، فرمّم الطبيب تلك الأجزاء من خلال الاستعانة بخلايا وأنسجة باقي أجزاء الجسم، فكان التجميل وقتها يُجرى لفائدة الإنسان وصحته.
التجميل ما بين الوعي والجنون وردهات التزوير وصالات الغش! نعم، بعدما كانت الغاية من التجميل إنقاذ حياة الناس، أصبح الآن موضة وهوساً أصيب به الرجال والنساء خاصة! أصبح المجتمع مجتمع الشاشة والأضواء والتقليد الأعمى ومن أحد ابتكاراته غير العقلانية تنميط صورة الجمال وجعله في إطار محدود ومقارنة جمال المرأة الطبيعية بتلك الإعلاميات والممثلات اللائي يظهرن ليل نهار على الشاشات مما أدى إلى الهرع إلى ردهات الغش والتزوير لمواكبة الموضة! نعم لقد أصبح التجميل موضة والبعض تعتبرها ضرورة من ضرورات المجتمع ومواكبة العصر بعدما كُنّا نميز هذه عن تلك بشكلها الطبيعي الذي يناسبها كما خلقها الله أصبحنا نرى زيّاً موحداً في الأشكال ضاعت ملامح الجمال الحقيقي، ناهيكم عن خطورة تلك العمليات والأضرار الجانبية التي من الممكن أن تُسببها… نحن في عصر التطور المادي والتدهور الفكري أو النفسي أصبح البعض يُدخل نفسه مراتٍ عديدة في ردهات الخداع والتزوير ويقامر بها كي يرضي الغير! من له الحق في- إدخالكِ أو ادخالك- تلك الصالة المظلمة. على الإنسان أن يتقبل نفسه كما هي بجماله الطبيعي الذي صنعه البديع بيده الكريمة. التجميل طب عظيم أُكتشف لخدمة البشرية لمعالجة أولئك الذين يحتاجون حقيقة إلى تدخل جراحي ينقذهم مما هم فيه، لا أولئك المرضى النفسيين الذين اعتبروه موضة ونوع من أنواع الرفاهية والترف الذين اعتدوا على خلق الله وشوهوه وغيروا الملامح الأصيلة . ومن أجمل ماقرأت قول الشاعر :
بناتُ حواءَ أعشابٌ وأزهارُ فاستلهمِ العقلَ وانظرْ كيف تختارُ
ولا يغرَّنكَ الوجهُ الجميلُ فكم في الزهرِ سمٌ وكم في العُشْبِ عقارُ
وأُذكركم واذكر نفسي بمداخل الشيطان وضحكه على العقول ومن هذا ماذكره الله في كتابه الكريم:
{ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (١١٩(}

دنيا عزيز الحيالي/العراق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *