“إيست ميد” في مواجهة “السيل التركي” سلسلة الدب الناعم (4)

يعرض الملف الاستراتيجي للمحور الثالث من سلسلة ” الدب الناعم” : روسيا والشرق الاوسط . حيث يناقش الباحثون الخمسة السؤال التالي : ما هو موقف روسيا من خط إيست ميد للغاز من شرق المتوسط إلى اوروبا ؟ هل يؤثر الخط على تحكم روسيا ببرد الشتاء الأوروبي ؟ وكيف ستتعامل مع ذلك؟ . هذا الملف بدأ يتفاعل الحديث حوله بعد أن توصلت اليونان وقبرص وإسرائيل إلى إتفاق بشأن خط الأنابيب “إيست ميد”، الذي ظل قيد التخطيط لعدة سنوات. وتستهدف تلك الدول التوصل إلى قرار إستثمار نهائي بحلول 2022 والإنتهاء من المشروع البالغة تكلفته ستة مليارات يورو بحلول 2025. وسيساعد الخط في تنويع موارد أوروبا من الطاقة بدلا من الاعتماد على الغاز الروسي. وفي ظل ترجيح العديد من علماء الطاقة أن يغلق مشروع “ميد إيست” ” الطريق أمام مشروع “السيل التركي” بين موسكو وأنقرة، يبقى الأكيد أن هذا الخط ( المشروع الاول ) يحظى بدعم أمريكي، حيث أن لواشنطن مصلحة في تقليل إعتماد العواصم الأوروبية على الغاز الروسي. حيث تسعى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة للخروج من هذا الوضع والاحتكار الروسي بتوريد الغاز، من خلال فكرة مد خط أنابيب يتم تمويله من أوروبا، حتى أن الدراسات تم تمويلها من الاتحاد الأوروبي، ويكون هذا المشروع ضمن إتفاقية بين إسرائيل والقبرص واليونان وإيطاليا. (بيار الخوري)
ألكسندر زاسبكين، السفير الروسي السابق في لبنان
على ما يبدو، فإن مستقبل هذا المشروع غامض، وهناك عدد من المشاريع قد يتحقق، ومن الصعب جداً حتى أنه من المستحيل اليوم، أن نتصور خريطة الغاز في اوروبا بعد سنوات وماهية دور الغاز السائل ومصادر الطاقة البديلة وما شابه . أما روسيا فهي تتمسك بمبدأ اساسي وهو عدم تسييس الموضوع قدر الامكان، لكن للأسف فإن التسييس يحصل دائماً من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وشركائهما، وهناك محاولات مستمرة لوضع عراقيل أمام الغاز الروسي، وفي ضوء ذلك تمارس روسيا سياسة تنوع الانابيب وتحقق مشاريع الغاز السائل وهي حريصة على تحقيق منافسة عادلة وتوازن بين مصالح المصدرين والمستهلكين .

اندريه أنتيكوف، المحلل السياسي الروسي
– قبل كل شيء لا بد من القول إن انابيب الغاز “ايست ميد” لم تبن بعد. ولا تتوضح الصورة عن موعد دخول هذا المشروع حيز التنفيذ. فقد شكلت دول شرق المتوسط في شهر سبتمبر “المنظمة الجديدة “التي يجب أن تجري تحضيراتها لتصدير الغاز إلى أوروبا. ولكن لم تتجاوز تلك الدول الخلافات مع تركيا وهي بكل تأكيد تسعى الى حصول على حصتها من هذه الكعكة الضخمة. وجدير بالذكر أن انقرة قد وقعت في شهر نوفمبر عام 2019 مذكرة التفاهم مع حكومة الوفاق في طرابلس حول ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا.
وهذا ادى بدوره الى تصعيد غير مسبوق في المنطقة، ونرى ان الخلافات قد خرجت من المجال السياسي، وهناك لعبة عضلات في شرق المتوسط، اما ليبيا حيث نلاحظ فيها الهدنة الهشة فأصبحت ساحة القتال لتصفية حسابات الدول المختلفة. ولا يعلم أحد كيف ومتى سيتم التوصل الى حل النزاعات وتجاوز الخلافات بين الدول المشاركة في برنامج “إيست ميد “وتركيا في ليبيا وشرق المتوسط.
و برأيي هذا هو الشرط الرئيسي لنجاح بناء هذه الأنابيب الغاز. من ناحية اخرى ليس صحيحا أن روسيا تسيطر على سوق الغاز الأوروبي. واوروبا تستورد الغاز المسال بكميات الكبيرة حتى من الولايات المتحدة. ما يعني أن المنافسة موجودة وعلى ما يبدو فإن دول شرق المتوسط ستبدأ عاجلا ام اجلا تصدير الغاز إلى أوروبا ولكنها لن تكون منافسة اولى لروسيا على هذا السوق.
واود ان اذكر أن روسيا لا تجلس مكتوفة الأيدي، بل تبذل كل جهودها لإدخال أنابيب الغاز السيل الشمالي-2 حيز التنفيذ بالرغم من ان الولايات المتحدة تقوم بالإجراءات المختلفة بما في ذلك العقوبات الاحادية ضد المشاركين في هذا البرنامج لعرقلته. وعلى كل حال روسيا جاهزة للمنافسة في سوق الغاز الأوروبي. وما تهتم به موسكو هو أن يختار المستهلك الاوروبي موردا مبنيا على سعر وليس بسبب وجود من يمارس الضغط السياسي على هذا المستهلك او يهدده بالعقوبات. وبالعودة الى الازمة في شرق المتوسط ليس سرا أن روسيا اقترحت ان تساهم في إيجاد حل لهذه القضية. هذا ينص على عدم وجود اي المخاوف لدى موسكو بأنها قد تخسر سوق الغاز الأوروبي. وما يقلق روسيا أكثر هو سياسة الضغط والاجبار التي تمارسها الولايات المتحدة.

يوسف مرتضى، إعلامي وكاتب، ناشط في المجال السياسي والاجتماعي. منسّق الإعلام في جمعية الصداقة اللبنانية الروسية
روسيا ستكون أكثر المتضررين من خط إيست ميد للغاز من شرق المتوسط ، لأنه سيشكل منافساً قوياً لروسيا في تزويد أوروبا الجنوبية بهذه المادة، وسيقلص حجم صادرات روسيا من الغاز إلى أوروبا ويفقدها جزءاً مهماً من وارداتها، خصوصاً وأنها تعتمد بأكثر من ٦٠٪ في دخلها القومي على صادراتها من النفط والغاز، ولن يكون خط الأنابيب الذي تبنيه روسيا مع تركيا الى اليونان أفضل سعراً لأوروبا من غاز شرق المتوسط .

د. خليل حسين. أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
من بين الاهداف الاستراتيجية الرئيسة لدخولها المباشر في الازمة السورية هو حجز مقعد لها في بين اللاعبين في هذه الازمة اي تقاسم النفوذ في الشرق الاوسط لجهود موارد الطاقة . ومن بين اهدافها محاولة وضع اليد على صادرات الطاقة الى اوروبا التي تعتبر بعض مواقعها مجالا حيويا لامنها القومي بالتالي رغبتها القوية برسم وتحديد مساراتها ومن بينها الطاقة .

د. مازن مجوز ، مدير تحرير الموقع
إنطلاقاً من حركة التصدير الخاصة بالغاز الروسي إلى القارة الأوروبية العجوز يتبين على سبيل المثال أن شركة ” غازبروم ” تورد قرابة الـ 33% من غازها إلى دول القارة، ما يصل 193.9 مليار متر مكعب سنوياً بقيمة 37 مليار دولار. مقابل 75 % هي نسبة الصادرات الروسية من الغاز إلى 11 دولة أوروبية من بينها إلمانيا .
وفي لغة الأرقام يتيح خط ” إيست ميد للغاز”نقل ما بين 9 و11 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من الاحتياطيات البحرية لحوض شرق المتوسط قبالة إسرائيل وقبرص واليونان للسوق الأوروبية. فيما يحتوي المتوسط قرابة 122 تريليون قدم مكعب من الغاز .

في المقابل يبدو واضحاً كيف تنسج الولايات المتحدة تحالفاتها وشراكتها الأمنية والإقتصادية مع دول الحوض بما يخدم مصالحها المتمثلة في تدعيم أمن الطاقة الأوروبي بمورد بديل عن خطوط الغاز الروسية.
وإذا ما أردنا الغوص قليلاً في خفايا هذا المشروع الإستراتيجية، يتبين أنه يغلق الطريق أمام مشروع “السيل التركي” بين موسكو وأنقرة، وفقاً للكاتب الروسي إيغور سوبوتين في مقال نُشر في صحيفة “نيزافيسمايا” في 22 يوليو 2020 وتناول بعض الأضرار التي تحملها الإتفاقية التي وقعت عليها كل من إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا على المصالح الروسية والتركية.
وفي حال قررت أوروبا الإعتماد على غاز شرق المتوسط خلال السنوات الخمس القادمة وبالتالي الإستغناء الروسي، فهذا يعيدنا إلى دوامة المد والجزر التي لطالما ميزت العلاقة بين والإتحاد الأوروبي وروسيا، وكان آخرها على سبيل المثال الدعوة الأوروبية – الأطلسيّة إلى تدويل قضيّة تسميم المعارض الروسي، أليكسي نافالني، التي لا يمكن فصلها عن سياق الحراك الدولي المتصاعد ضدّ موسكو.
هذه الدعوة تأتي بالتزامن مع تزايد الضغوط الأميركية لتطيير مشروع “السيل الشمالي 2” لمدّ خطّ أنابيب غاز روسي إلى ألمانيا، أو الأزمة في بيلاروسيا حيث يتعرض ألكسندر لوكاشنكو حليف روسيا لضغوط داخلية مدعومة من الغرب تدعوه للتنحي عن السلطة ، هذا عدا عن توتر العلاقات بين الاتحاد الاوروبي وروسيا على خلفية أزمتي سوريا والقرم .
بالعودة إلى سيناريوهات ردة الفعل الروسية فهي بالطبع كثيرة والكلمة الفصل تعود للقيادة الروسية، وهنا ربما يجدر بنا التذكير ببعض الخطوات التي لجأت إليها في الماضي كتقليل الإمدادات إلى القارة الأوروبية، وسياسة رفع الأسعار، وربما تلجأ أيضاً لما اتجهت إليه في 2006، حيث قامت بقطع الغاز عن أوكرانيا، وهذا قد يبقي أوروبا بالفعل تحت رحمة روسيا.

Last Update: Tuesday, 12 January 2021 KSA 22:32 – GMT 19:32

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *