بين اغتيالين:

أ.د. عبدالحق الهواس.

بين اغتيالين:


في علم القانون مصطلح، الاغتيال المادي يشير إلى الجريمة المنظمة عن سابق إصرار وتخطيط إن في جانبه الفردي أو الجماعي، كذلك في جانبه الدولي والعصاباتي، أو الفردي، أو الجريمة الٱنية في ظروفها المسببة لها…
بيد أن علماء القانون والاجتماع أضافوا مصطلحا ٱخر أطلقوا عليه: الاغتيال المعنوي، ويعنون به إسقاط الشخصيات المؤثرة في مجتمعاتها سياسيا أو علميا أو غير ذلك… وهذا يعني أن هذا الاغتيال يستهدف الشخصيات الكبيرة في المجتمعات، وحتى نعطي الموضوع حقه علينا أن نحدد المستهدِف، والمستهدَف، فعلى صعيد المستهدِف:
1_ دول لها مصلحة سياسية في الغالب لإنهاء دور مؤثر لشخص أو حزب او تجمع او فكر تشعر بخطر على سياستها المعارضة لتوجهاتهم. فتقوم بما يُعرف بشيطنة المستهدَف وصولا إلى إسقاطه.
2_ أحزاب تستشعر الخطر من أي مؤثر عليها…
3_ أشخاص يرون في غيرهم تحجيما لأثرهم الحيوي من خلال تفوق الٱخر عليهم، فتعمل على تشويه المستهدَف…
4- الوسط والأداة: تستوي المجتمعات الراقية والرخوة في استقبال التأثير مع تفوق واضح للمجتمعات الرخوة المتخلفة.
5_ الوسائل: الشائعة بأنواعها الخمسة…
6_ الأسلوب : ويقوم على تكرار الإشاعة باستمرار حتى تصبح وكأنها حقيقة ومسلمة من المسلمات لا تحتاج إلى نقاش.
7_ القناة: وسائل الإعلام بأشكالها، والأفراد حسب مستوياتهم، ويسجل المتخلفون نجاحا ملحوظا في نشر الشائعات…
8_ التنفيذ: وتشكل المجتمعات الرخوة المتخلفة مناخا ملائما للاغتيال المعنوي بحكم ما يشيع بها من أمراض اجتماعية مستعصية ومستفحلة من حسد وتباغض وغيرة وتضخم الأنا وشعور بالنقص الحاد اتجاه العلماء والمبدعين والمتميزين، وهو ما يعرف باجترار الأكاذيب ممن يطلق عليهم معامل تدوير النفايات لكثرة الحديث بها، ويعد الأذكياء وأصحاب القيم العليا خطرا مباشرا على مصدر إطلاق الإشاعة، لقدرتهم على تفنيد الأكاذيب وفضح مروجيها واحتقارهم …
مصادر صناعة الأكاذيب: وهي ليست واحدة، وأخطرها مراكز البحوث التي تضم علماء النفس والاجتماع وباحثين كبار في تخصات متعددة، وضباط المخابرات، وهؤلاء تكون أكاذيبهم محكمة التصنيع يصعب على العامة تكذيبها بقطع النظر عن الثرثارين والمدعين ومحبي الظهور بمظهر العارف خاصة في المجتمعات القائمة على ما يسمى بثقافة السماع من دون تثبت أو منهج علمي في البناء الثقافي المعروف، وهؤلاء تسميهم مراكز البحوث بالجسور الناقلة ويطلقون عليهم( حملُ الحمار) أي يحمل ولايعرف ما يحمل، وفي العامة يطلق عليهم بأهل القال والقيل… 3_ المستهدفون : وهم المتميزون من العلماء والأدباء والسياسيين الشرفاء المخلصين إذ تقوم الجهات التي ذكرناها باستهداف هذه الشخصيات بوسائل قذرة، وأحيانا تحاول أن تورطهم بقضايا أخلاقية بنصب أفخاخ محكمة لإيقاعهم بها، وأخطر الدراسات ما تعرف باكتشاف مفتاح الشخصية ومعرفة اهتمامها وأهوائها بغية اصطيادها، فالتلفيق يجب أن يناسب شيئا من سمات الشخصية المستهدَفة بحيث يجعل المتخلف يتبنى الفرية ويضع المثقف في حيرة… كما تؤكد الدراسات على مبدأ إثارة الشكوك حول الشخص المستهدَف في الحد الأدنى على المثل الشعبي( الطلقة التي لا تصيب تدوش)
وتبقى المجتمعات الراقية الصلبة أكثر تحصينا وأمانا من المجتمعات الرخوة المتخلفة…فالمثقفون لاتنطلي عليهم أكاذيب مصنعة ومن الصعب أن يكونوا أدوات رخيصة، لكن المشكلة دائما في المتخلفين المدعين معرفة بواطن الأمور.
أ.د. عبدالحق الهواس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *