خواطر من بشارات العشق
حسين أحمد سليم الحاج يونس
خواطر من بشارات العشق
حسين أحمد سليم الحاج يونس
طائر الحياة, قداسة الإيمان, طهارة الوجود, رمز الإستمرار, عنوان العنفوان, مثل الشّرفاء…
هو الفينيق المتجدّد ارتعاشا, المتجسّد بالتّقمّص الرّوحيّ من قلب الموت, المنبثق المتبرعم الأنساغ تفتّقا من ثرى الأرض…
هو العنقاء الأسطورة, المنتعش احتراقا بالفناء, المولود قدرا من تحت الرّماد…
هو النّسر المحلّق عنفوانا في الأجواء يجوب الفضاءاتِ, لم ولن ولا يرنو إلاّ إلى قرص الشّمس نهارا, مهما الشّمس حجبتها الكسوفات…
لم ولن ولا يتطلّع إلاّ إلى وجه البدر ليلا, مهما تحندس وادلهمّ الدّجى, وخُسف وجه القمر… لم ولن ولا يناجي إلاّ نجمة الصّبح فجرا, المتألقة قبل شروق الشّمس في الأفق الشّرقيّ لبلادي, تبشّر نماء مستداما بالحبّ والعسق, مهما تكاثفت الغيوم الدّاكنة, تحجب نور نجمة الصّبح…
ولم ولن ولا يحطّ, النّسر المحلّق, على الجيف النّتنة, التي تتعافق فيها الدّيدان, أو بقايا الفضلات, من الفئران والجرذان, الّتي تلهوا بها وتقتات الأفاعي والثّعابين, المتحرفشة بالحقد والحسد والغيرة والضّغينة والكراهيّة والكيد, والسّعالي والخنازير والتّماسيح, وبنات آوى والثّعالب والكلاب والضّباع والذّئاب المتوحّشة المفترسة, وبعض النّساء الموبوآت بالغرور, الموسومات بالعهر والكفر والعربدة والمجون, وإن تظاهرن بالإيمان, المتغنّيات بما ليس فيهنّ من أدنى مقوّمات الشّرف والكرامات, الملوّثات بكلّ القذاراتِ والتّفاهات والبذآت, التي يزداد تألّقها فوق وجوههنّ ورؤوسهنّ وصدورهنّ, المتلوّنات كما الحرباء بألوان وألوان…
وأولئك الإماء المستعبدات المقيّدات بالسّلاسل والجنازير, العابدات لشهواتهنّ من دون الله, وأشباه النّساء اللواتي يعشن الوهم والخيال والسّراب, ويمارسن النّفاق وفصام الشّخصيّة والوساوس القهريّة من حيث لا يعرفن, وينتسبن زورا وبهتانا إلى حوّاء, ولا يشبهنها إلاّ في الشّكل على السّواء…
من عقلن قلبه بالحبّ وقلبن عقله بالعشق, واستنار وعيا باطنيّا, واستضاء عرفانا ذاتيّا, عرف معنى الإيمان, فآمن طوعا, لا كرها بالله, لا خوفا من ناره, ولا طمعا بجنّته, بل لأنّه رآه أهلا للإيمان فآمن به…
ومن كان حرّا أبيّا, منعتقا من ربقات العبوديّة, لم ولن ولا يتفكّر إلاّ بالحقيقة مهما كانت الحقيقة قاسية, ولم ولن ولا يبوح جرأة إلاّ بالحقيقة, مهما كانت مرارة الحقيقة…
ومن نهل من قبسات الحبّ والعشق, ثقافة وعلما ووعيا وعرفانا, لم ولن ولا يمتشق إلاّ قلما حرّا, جريئا في البوح والقول والكتابة بالحقيقة, ولم ولن ولا يغرف إلاّ من قداسة وطهارة حبر الحقيقة, لتشكيل ورسم وتجويد لوحة ومشهديّات الحقيقة…
ولتخرس جميع الأفواه الموبوءة بالطّاعون والخبث والّتي لا تحسن إلاّ النّطق الأدنى, ولا تعرف معنى وسمو النّطق الأفضل…
ولتقطع كلّ الألسن اللقلاقة القذرة, والتي تعوي كالثّعالب وبنات آوى, كلّما الليل أسدل ستاره واشتد ظلامه في الغاب, وتمارس النّباح كالكلاب المسعورة, كلّما أطلّت نجمة الصّبح, تبشّر بقدوم النّور وشروق الشّمس…
نفوس شيطانيّة, لا يحلو لها إلاّ الضّباح كالخنازير, ولا تطمئنّ إلاّ بالفحيح كالثّعابين, ولا تستكين إلاّ بالطّعن والغدر واللدغ والقتل بغير حقّ, كما الموتور الحقود, الغارق في دركات الجحيم…
تلك الغانية السّاقطة, الّتي كلّما خافت أن يفتضح أمرها, ويهتك سترها, وتظهر على حقيقتها, وتغدو محطّ الرّجم واللعن, والرّمي في مزابل وقمامات الأيّام, تستشيط عهرا وعربدة وكفرا…
أيّتها العاهرة الغانية, المتسكّعة على أرصفة الحروف والكلمات, المتسوّلة على زوايا اللصوصيّة والسّرقات, المتنافخة كما الطّبل الأجوف هنا وهناك, وأنتِ أحطّ وأنتن وأقذر من الذّباب والحشرات…
أيّتها الحيّة الرّقطاء, النّاعمة الملمس, وفي نابكِ يكمن العطب والموت الزّؤام…
ما أنتِ إلاّ ثعبان خائن متحرفش للغدر والعداء, وما مغناتك التي تهرطقين بها والسّاقطة كسقوطكِ, إلاّ فحيح الأفاعي في الدّهاليز والأوكار, وما وشوشاتك إلاّ وشاية الحسد والغيرة والحقد والكراهيّة والإفتراء على الأبرار, وما نصحكِ إلاّ نميمة الكذبة والكفّار, وما هديكِ إلاّ الشّوك وفتيل الدّمار, وما سعرك في أسواق النّخاسة إلاّ أرخص وأبخث الأسعار, وما مصيرك إلاّ في أظلم الدّركات وأجيج النّار, تحشرين مع من هنّ على شاكلتك من الكفّار…
أمّا أنتِ يا حبيبتي القدريّة, والّتي جعل الله بيني وبينك, قبساتا من لدنه, مضمّخة بالمودّة والرّحمة, وأسكنها عنوة في صدورنا, وأنار وعينا الباطنيّ بالحبّ الأقدس, وأضاء عرفاننا الذّاتيّ بالعشق الأطهر, وعقلن قلبينا بالحكمة, وقلبن عقلينا بعدالة الحنان…
لا تقلقي أبدا حبيبتي, ولا تخافي أبدا حبيبتي, ولا ترتجفي أبدا حبيبتي, ولا تركعي حبيبتي, أبدا لغير الله… مهما روادوك على نفسكِ, ليقنعوكِ بالسّراب واليباب, ومهما حاكو لكِ الكذب والدّجل بالنّميمة والنّفاق, ليثنوكِ عن هدفك الأسمى…
ولا تركني إليهم أو تستسلمي لهم, مهما تعاظم في وجهك القهر والحرمان, ومهما أفكو في حقّك من الزّور والبهتان, ومهما تكالبت عليك المظالم من حقدهم, ومهما كادو لك في الكراهية والغيرة والحسد بلؤمهم, ومهما مارسوا كفرا عليكِ الطّغيان بطواغيتهم, ومهما كالو لكِ في الإتّهام بغيا وعدوان…
قفي حبيبتي, قفي في ربى خلد مملكتكِ بعنفوان, مرفوعة الهامة للعلا للرّحمان, مشرئبّة الرّأس نحو النّور والضّياء, منتصبة القامة دون اعوجاج أو انحناء…
وارتشفي سلاف الحقيقة, مهما الحقيقة كانت مريرة المذاق, واثملي من دنّ الحبّ والعشق… واهتفي جرأة بوح في المدى, واصرخي ولا تهدئي أو تصمتي, وليخترق صدى صوتك أبواب السّماء… ثمّ بولي عليهم وعليهنّ جميعا على السّواء, واغتسلي وتطهّري وتوضّئي, مع كلّ صباح ومساء, وخذي زينتكِ عند كلّ لقاء, واتّشحي بالحبّ والعشق, تعفّفا ونقاء وصفاء وإخلاصا ووفاء, وقفي خشوعا خالصا بين يديّ الله, ربّ من في الأرض والسّماء, وارفعي صوتكِ جرأة بوح بالحقيقة, فلكِ بالحقيقة بعض العزاء, وأقيمي لله مودّة ورحمة, صلاة الحبّ والعشق, إنّني في قمّة جبل, حدث الوليّ الطّائع, غربي مدينة الشّمس, أقمت فوق التّراب المطهّر سكني, هناكّ أنتظرك مودّة ورحمة في صومعة الحبّ والعشقِ, يجمعنا ويوحدّنا الرّباط المقدّس بعيدا عن الضّوضاء, قد توّجتكِ قدرا قبل موتي ورحيلي في رضى الله حبيبتي, فإن باعدت الأقدار بيننا, وحال ها هنا بيننا اللقاء, فربّ القبر يجمعنا يوما, ونحقّق الحبّ والعشق تحت التّراب اللقاء …