شخص غامض بقدرات خارقة للطبيعة
الدكتور داهش
إعداد : كمال غزال |
أما عن بعض أعماله السحرية في لبنان، فكتبت مجلة “الحوادث” أن داهش حوّل الورق العادي بين يديه إلى عملة الدولار وإلى الليرة اللبنانية، كما أن الخشب كان ينقلب إلى ذهب أمامه في الحال، وأنه أعاد مرات ومرات خاتماً أو ساعة أو معطفاً ضاع من صاحبه قبل سنوات.
أما الرواية التي تناقلها سكان بيروت فهي أنه بعام 1968، دخل داهش يوماً محلاً ليقصّ شعره فوجد زحمةً كبيرة عند الحلّاق وكان يوم سبت. فطلب من الحلّاق أن يقصّ له شعره ليردّ الحلّاق وهو يحدّق بالزبون الجديد: “إذهب ساعة أو ساعتين ثم عدّ لأحلق لك”. ويُقال إن داهش فصل رأسه عن جسده وأعطاه للحلّاق موضحاً أنه سيعود لأخذه لاحقاً بعد الإنتهاء. لكن بالتأكيد تبقى هذه القصة ضمن نطاق الروايات.
نبذة عن طفولته
لجأت عائلته من الطائفة السريانية إلى فلسطين بعد أن هاجرا من بلاد ما بين النهرين في العام 1906. وفي العام 1909 رُزقا بصبيٍ في مدينة بيت لحم بعد ثلاث بناتٍ فسمّياه (سليم) .
وما أنْ أخذَ الصبيُّ يدرج، حتّى تركَ والداه القدس إلى حيفا، ثمّ انتقلا مع أولادهما إلى بيروت في العام 1911، وبعد بضعِ سنوات حصل أفراد العائلة على الجنسية اللبنانية.
رسالته الروحية
“الداهشيّون”، أي أتباع داهش، يعتبرون أنه رجل روحاني يحمل فلسفةً عميقة تدعو للسلام ونبذ الكراهية والخلافات الدينية والحروب، ولذا يتم تحقيرهم اليوم إعلامياً. وكانوا في حينه يتهافتون إلى منزله في منطقة “زقاق البلاط” في وسط بيروت للتبرك منه، ولا يزال منزله الكبير قائماً هناك ومهجوراً منذ فترةٍ طويلة.
باشر داهش سلسلةَ رحلاتٍ عالَميَّة شملَتْ معظمَ أَقطار العالَم يدفعُه إلى ذلك أَمران: الأَوَّل، حبُّ الاطِّلاع على معالم البلاد العمرانيَّة والحضاريَّة والتاريخيَّة والطبيعيَّة والاجتماعيَّة… والثاني، البحث عن الصنائع الفنِّيَّة لابتياعها. وقد دوَّن الدكتور داهش مشاهداتِه وانطباعاتِه في سلسلةٍ تقع في 22 جزءًا أَطلق عليها اسم “الرحلات الداهشيَّة حول الكرة الأَرضيَّة”.
في 23 آذار 1942، أَعلن الدكتور داهش في بيروت رسالةً روحيَّة دعا فيها الناسَ إلى الأَخذ بجوهر أَديانهم بعيداً عن قشورها أَو مظاهرها الوثنيَّة. كما دعاهم إلى الأُخوَّة الإنسانيَّة على تبايُن الأَعراق والقوميَّات، وإلى الإيمان بأَنَّهم-مَثَلُهم في ذلك مَثَلُ سائر المخلوقات-خاضعون لنظامٍ روحيٍّ عادل يقضي عليهم، تبعاً لاستحقاقهم، بالتقمُّص على الأَرض أَو في عوالمَ أُخرى ريثما يتسنَّى لهم الارتقاءُ الروحيُّ بإرادتهم، والاندماجُ، أَخيراً، في عالَم الروح. ولقد شهدَتْ تلك الدعوة إقبالاً شديداً من مختلف فئات الشعب اللبنانيِّ، فاعتنقها لفيفٌ من الأُدباء والأَطبَّاء والمحامين والوجهاء في عدادهم السيِّدة ماري حدَّاد، شقيقةُ زوجة بشاره الخوري.
تعرّض داهش للملاحقة من قبل رئيس الجمهورية آنذاك بشارة الخوري، الذي جرّده من جنسيته اللبنانية وطرده من البلاد بعدما اعتنقت شقيقة زوجته الأديبة المعروفة ماري شيحا حداد المذهب “الداهشي” الذي بدأ بالانتشار. قرّرت “ماري” قتل بشارة الخوري، لكن محاولتها فشلت قبل أن يضعها الأخير في مصح “دير الصليب” حيث انتحرت بعد أشهر من وجودها هناك.
هذه المقالة كتبها داهش عام 1948 ونُشرت في عدد من الصحف اللبنانية ومن بينها جريدة «الحياة» ، وقد تنبأ فيها بشكل صريح وواضح بان لبنان سيشهد حرباً أهلية مدمّرة وطاحنة عام 1975 انتقاماً من النظام اللبناني الذي اضطهد العقيدة الداهشية واتباعها، وجاء فيها:
” عندما تدق ساعة الحساب الرهيبة، سأدق أعناق المجرمين الوصوليين دقاً هائلاً، وسأمزق قلوبهم المفعمة بالجرائم تمزيقاً مروعاً، وسأمزج الصاب والغسلين المريرين الكريهين مذاقاً، واسكبهما في أفواههم التي لا تنطق إلا بالكذب الشائن والأفك المبين. وإنني اقسم، غير حانث، بأنني سأنكل تنكيلاً مخيفاً بكل من تدخل في هذه الجريمة الوحشية المنكرة المستنكرة، جريمة تجريد مؤسس الداهشية من جنسيته اللبنانية بالظلم والعدوان “.
وكان لداهش، بحسب أتباعه، ستّ شخصيات روحية مختلفة، وكان العديد يتهافتون الى منزله في محلة زقاق البلاط يومياً لتتاح لهم فرصة مشاهدة ظاهرته الروحية، علماً أن المذهب الداهشي هو مزيج روحي ونتاج فكري من نبع الأديان التي تقرّ بسلطة الله العليا وبوحدانيّة الكتب السماوية والاعتراف بجميع الأنبياء، من دون تفرقة بين مذهب وآخر.
وبعد الحكم عليه بالنفي، سافر «داهش» مع بعض أتباعه إلى أذربيجان، عام 1948، وهناك أعدِمت واحدة من شخصيات داهش الستة رمياً بالرصاص، في حين كان داهش ما زال موجوداً بلحمه وعظمه في مكان آخر من العالم، وكل هذه الحقائق موثّقة بالصور والصحف التي صدرت في تلك الحقبة، والتي انفردت بنشر مقالات وأخبار عن إعدام داهش الذي بقي حياً في مكان ما في العالم.
يشار إلى أن داهش توفي في العام 1984 في ولاية نيويورك داخل أحد المستشفيات بسبب مرض “تخثر العظام”، وتمّ تحنيط جثمانه ووضعه داخل منزله الذي تحوّل إلى متحفٍ كبير.
منزله “المسكون” في بيروت
يُقال إن المنزل الذي سكنه دكتور داهش في بيروت في أهم مراحل حياته “مسكون” بروح صاحبه التي لم تفارقه بعد، ويُحكى أن الأنوار تُضاء وتُطفأ بين الحين والآخر، وتارة أخرى يُحكى أن أحواض الزرع الموجودة على شرفاته تظهر مرة خضراء ومرة يابسة، والأهم يبقى ألا أحد يجرؤ على الاقتراب منه أو الدخول الى هذا المنزل القائم في محلّة زقاق البلاط في بيروت.
وبين هذا وذاك، ما زال منزله مادة دسمة لمرويّات تشبه (الفزّاعة) ، والتي تتخطّى حدود واقع كونه كان مهجوراً لفترة قصيرة خلال الحرب الأهلية، ومن ثمّ عادت ملكيته لعائلة حداد، وتحديداً للرسامة (زينة حداد) التي ما زالت تسكن بداخله، وحيدة لا تستطيع الحراك والتحدّث بسبب مرضها وكبر سنها (93 عاماً).
توفي داهش تاركاً خلفه تساؤلات وحكايا ما زالت تعشّش خلف الماورائيات، إذ كان بـ«ستّ أرواح» على حدّ زعم أتباعه، أي «الداهشيّين» المنتشرين في لبنان والعالم، و«مشعوذاً» حسب رأي رافضي أفكاره الفلسفيّة والماورائيّة التي ما زالت تدرّس في الجامعات الأميركية، وهي موزّعة بين طيّات أكثر من 300 كتاب و500 لوحة في دار نشر خاصة بطباعة كتبه (دار النسر المحلِّق ).