فلسطين تسدد ثمن الحرية
فلسطين تسدد ثمن الحرية
في البداية طنطن البعض عن جهل وعدم وجود بصيرة أو رؤية واضحة أن المقاومة الفلسطينية قامت بما قامت به بناء على اتفاق مع إسرائيل !! هذا الكلام يصدر ويليق بمن كنا نطلق عليهم في الماضي جنرالات المقاهي، ويصح أن نطلق عليهم الآن جنرالات التواصل الاجتماعي حيث يجلس كل فرد على حدة ويطلق الفتاوى في الحرب والاستراتيجية والتكتيك ويدخل إلى النوايا ويقسم أن فلسطين وإسرائيل على اتفاق لتوريط آخرين.
ثبت في الواقع والحقيقة أن المقاومة الفلسطينية قامت بعملها البطولي الذي مرغت به أنف العدو بعدما بذلت جهدا كبيرا في ضبط النفس ومقاومة الضغوط عليها وبعد أن قام الفدائيون بالتدريب راقي المستوى ما جعلهم ينفذون مهمتهم بدقة عالية المستوى أبهرت العالم وأسعدت الشعوب العربية والإسلامية التي أدركت أن إسرائيل تشبه شخصية “عسران” في أحد أفلام عادل إمام، حيث كان هناك فتوة يرعب القرية ويحصل على أتاوات من سكانها واكتشف شخص بسيط أن هذا الفتوة “مخوخ” من الداخل يربط جسده بأحزمة حتى يمكنه أن يقف ثابتا وفي عراك بين الشخصين تغلب البسيط على الفتوة وأنهى أسطورته، وهذا ما فعله الفدائيون الفلسطينيون بإسرائيل ما جعل الشعوب تتساءل: لماذا إذن نترك إسرائيل تحتل فلسطين وتضطهد أهلها وتحرمهم من كل حقوقهم؟
بعد عملية طوفان الأقصى لام البعض على المقاومة التي انصاعت لانفعالاتها وضربت ضربتها بدون ان تحسب حساب الانتقام الإسرائيلي وبالتالي أضرت بالشعب المدني البريء.
وأقول لهم: هل السعي والاجتهاد لتحرير الوطن يكون بتقديم أوراق للمحتل ؟ ألا يدرك الشعب في الوطن المحتل أن رجال المقاومين هم أبناؤه في نفس الوقت، ألا يدرك أن لا أحد معصوم أو محمي من الموت والاستشهاد؟ وهل يفرق المحتل بين أفراد الشعب فيضرب ويقتل الموافقين على حربه ويستثني غير الموافقين؟ ألا يوافق الشعب الفلسطيني على الكفاح والقتال من أجل تحرير الوطن واسترداد الأرض ؟ فلماذا لا يسدد الشعب ضريبة كفاحه؟.
لقد كافحت الشعوب في فيتنام وفي الجزائر وفي إيرلندا وفي أفغانستان وفي جنوب أفريقيا وغيرها من الأوطان من أجل الحرية وإن اختلفت وسيلة الكفاح.
لقد تجرع شعب الجزائر الشقيق مرارة الاحتلال الفرنسي البغيض على مدى يقرب من قرن ونصف قرن، ذاق فيه المواطنون الذل والاضطهاد وأجرت فرنسا في الجزائر خلال ذلك العديد من التجارب النووية بعيدا عن أرضها وشعبها معتبرة شعب الجزائر وأرضها حقل تجارب.
وجاء رجال أبطال لم يقبلوا بما كانت تتجه إليه بلادهم، كانت على وشك أن تذوب في فرنسا وثقافتها وتبعد عن الدين الإسلامي وعن العروبة، جاء رجال سددوا الثمن واستردوا بلادهم وسدد الشعب الجزائري مليون شهيد لكي تكو ن الجزائر وطنا حرا . إن الكفاح من أجل الأوطان لا يقدر بثمن ولا يكافأ عليه الرجال وليس من حق آخرين ممن ليسوا من الوطن المحتل أن يرسموا الطريق للشعب المضطهد.
سدد الشعب الفيتنامي مليون ونصف المليون شهيد وكبد الأمريكان حوالي 60 ألف قتيل، الفارق كبير لكن الفيتناميون كانوا على استعداد لسداد ثمن حريتهم واسترداد وطنهم بينما أولئك المعتدون كانوا يحاربون في غير بلادهم لمصالح السياسيين في بلادهم وشركات السلاح التي تجني الأرباح كلما طال أمد الحرب.
عاشت فيتنام عشرات السنين بين الاحتلال الفرنسي وبعده الاحتلال الأمريكي بكل جبروته وأسلحته الفتاكة ولكن رجال فيتنام استردوا وطنهم ووحدوا بلدهم وطردوا الأمريكان كما طردوا الفرنسيين من قبل.
لدينا نموذج أفغانستان التي سويت مدنها وقراها بالأرض بأيدي وسلاح أمريكا.
كان الأمريكان صنعوا تنظيمات تقاتل السوفييت واستغلوا العرب في سدادا التكاليف المالية والبشرية بحجة الدفاع عن الإسلام، وبعد أن خرج السوفييت من أفغانستان أرادت أمريكا البقاء وعدم الخروج للاستفادة من الوضع الاستراتيجي لأفغانستان ولكن ظهرت حركة طالبان وهي من نوع الحركات الفدائية وحاربت من أجل تحرير وطنها وأجبرت أمريكا على الرحيل.
ما تدمره إسرائيل في غزة هو أحجار وبشر فانين أعمارهم مقدرة وهي تحاول حفظ ماء وجهها الذي أراقته المقاومة بعدما عرتها أمام العالم وكشفت عن عوراتها في جيشها ومخابراتها ولكنها حتى بضرباتها الجوية لم تجني إلا الخيبات، فهي بعد شهر كامل من عملية طوفان الأقصر لم تقدر على اجتياح غزة كما كانت تفعل في المرات السابقة، لقد تغير ميزان القوي.
صار للمقاومة أنياب وضروس طاحنة للعدو وأتباعه .
الصحفي الاستاذ رفعت رشاد رئيس تحرير جريدة وموقع حريات