ورشة إعادة الإعمار: الاعتماد على الذات أساس النجاح
يُعدّ مفهوم إعادة الإعمار مسار طويل يشتمل على مجموعة متنوعة من العمليات الاقتصادية والاجتماعية والامنية، ويهدف إلى خلق بيئة أمنية مستقرة بعد نهاية النزاع والقضاء على الفوضى، ومن هنا يتداخل مع مفاهيم بناء الدولة وبناء السلام والتنمية، بهدف منع الإنزلاق نحو الإقتتال والمواجهات المسلحة، وضمان الإنتقال إلى السلام، ولكن المفهوم العصري يواجه العديد من التحديات المرتبطة بأهداف الجهات والأشخاص الداعمة له ماديا والمستفيدة منه، فبناء الدولة وإعادة إعمارها بعد الخروج من الحرب يحتاج لمشاركة الأطراف المحلية والإقليمية وحتى الدولية، وهو ما يحتاج إلى استراتيجية شاملة مُتعددة المسارات تُعيد بناء مؤسسات الدولة، بما يضمن عودة الدولة للقيام بوظائفها الأساسية، وضمان الأمن وهو هدف سياسة إعادة الإعمار .
بالنسبة لمشاركة الأطراف المحلية، نجد أنّه بات من الضروري أنْ نؤمن بأن الاعتماد على الذات أساس النجاح، والنجاح على الرغم من أنّه كلمة صغيرة لكنّه أساسي، كي نحفّز كُلّ مُشارك في عملية إعادة الإعمار على المُضي قدماً في مسار النجاح، مسارٌ يعمل على مبدأ تراكم الخطوات والقرارات الصائبة باتجاه تحقيق الأهداف المنشودة .
في الواقع إنَّ عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء النزاعات التي لطالما عانى منها بلدنا الحبيب ليبيا، هي عملية مُعقّدة تتضمن برامج قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل ومتزامنة، لمنع تصاعد النزاعات وتجنّبِ الانتكاسات وبناءِ سلامٍ دائمٍ، تطور من خلال ثلاث مراحل شاملة : مرحلة الطوارىء ، ومرحلة الانتقال ومرحلة التطوير ومع ذلك، ومن المهم أن نفهم أنّ هذه المراحل ليست مُطلقة وليس لها حدود محددة بوضوح .
وتسعى القيادات الحكيمة في ليبيا من خلال السياسة الجديدة لإعادة الإعمار بعد الحروب، والنزاعات والاقتتال التي تخبط بها الشعب الليبي إلى خلق بيئة آمنة ومستقرة في كأفة أرجاء الوطن، ودعم التنمية المستدامة، وتجنب العودة الى العنف، وذلك من التعاون المحلي بين أبناء الشعب الواحد ومن ثم التعاون الاقليمي والدولي، وحتى مع مؤسسات المجتمع المدني كي نكون يداً واحدة وقلباً واحداً وإرادة وطنية جامعة في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية كالإرهاب والجريمة المنظمة وانجاح التنمية، ما سيفرض علينا تطوير سياسة إعادة الإعمار أكثر استقلالية مالية وتكيفاً مع التغيرات الدولية الجديدة، وعدم الاعتماد على المناهج الخارجية في تشخيص الفشل والحلول.
إنَّ مسار إعادة الاعمار الذي تبنّيناه سيأخذ في الاعتبار مراعاة الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة، وفي ظلِّ زيادة الاهتمام بالخبرات المحلية، وهذا الذي يطلق عليه “التجاوب المحلي” . فالبُلدان تخرج من النزاع في ظلِّ ظروف مختلفة وفريدة من نوعها . لذلك فإنَّ الألولوية والأسبقية والتوقيت والملائمة وتنفيذ المهام بخبرات ومهارات محلية، ستكون من أهمّ بنود استراتجيتنا التي ستتسم بالليونة والسلاسة من غير ضعف، مع تقبُل النقد العلمي البنّاء بشأنِ كل ما ستتضمنه. وعادةً ما تشمل برامج إعادة الإعمار العناصر الخمسة الآتية :
– السلامة كأولوية لأنها مشروطة بالآخرين.
– إحياء الأنشطة الاقتصادية .
– تأهيل جهاز الدولة .
– جوانب الحياة السياسية والقانونية (دستور، انتخابات، قانون ….إلخ ).
– المجتمع المدني أو الجهات الفاعلة المحلية، ومن بينها القبائل .
وانطلاقاً مما يتطّلبه نجاح عملية إعادة الاعمار، فإنَّ ثمة أربعة قضايا ستقوم عليها استراتيجيتنا المُشار إليها آنفا، وهي :
– الأمن : سنركز في هذا المحور على جميع جوانب السلامة العامة، وخصوصاً إنشاء بيئة آمنة ومأمونة، وتطوير المؤسسات الأمنية يضمن اسقرارها وفعاليتها. يشملُ الأمن وتوفير الأمن الجماعي والفردي، وهو شرطٌ مُسبق لتحقيق نتائج إيجابية في الركائز الأخرى.
– العدالة والمصالحة : تظهر هذه الركيزة الحاجة إلى نظام قانون يُكافح التحّيز ويخضع المخالفين للمساءلة، وقادر على التعامل مع انتهاكات الماضي . وأن يكون هذا النظام قادراً على سنِّ وإنفاذ قانون فعال، وقائم على نظام قضائي مفتوح وقوانين عادلة، وأنظمة إصلاحية إنسانية، وآليات رسمية وغير رسمية لحل المظالم الناشئة عن النزاع .