التفاؤل بمستقبل زاهر لبلدنا ليس بالأمر المستحيل بل هو من صناعة “تفاؤل الإرادة”
إنّ الحياة المعاصرة ومتطلباتها المتزايدة جعلت من المواطن الليبي عموماً، وخصوصاً فئة الشباب، يعيشون في حالة من الصراعات قصدَ تحقيق أهدافهم وطموحاتهم، وبشكل أدقّ مشروع كلٍّ منهم المستقبليّ، بطرق شتّى، منها التفكير في ما هو إيجابي في حياته، وهذا النمط التفاؤلي يُعَدّ من أهم أنماط التفكير لدى إنسان اليوم، فهو يُعتبَر عاملاً دافعاً لتحقيق الأهداف المرغوب فيها لبناء مستقبل ليبيا.
وبالطبع، هذا الشعور لا ينضج إلا إذا كان مستقبل ليبيا سيضمن الكفاية النفسية والاجتماعية والمادية لبُناة المستقبل، ما يؤدي إلى شعوره بالأمن النفسي، وكذلك الاجتماعي، في مواقف الحياة المختلفة، وهذا ما يُعرَف بعامل الثقة بالنفس، الذي ينطلق من إيمان الفرد بذاته، بأهدافه، بقراراته، وبقدراته وإمكاناته، وبأنه قادر على تحقيق النجاح.
لقد أطلق المفكر الإيطالي، أنطونيو غرامشي (1891-1937)، عبارته الشهيرة “تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة”، ليقول إنّ تحليل الواقع عمليّاً يُفضي إلى تشاؤم العقل، لكن لا بدّ أن نحافظ على الإرادة وتفاؤلها بالتغيير. لذلك، فإننا مستعدون لأن نضع أيدينا بأيدي كل طامح إلى التغيير وتحقيق ما هو أفضل لحاضر ليبيا ومستقبلها أيّاً كان وأينما كان، من خلال اتخاذ خطوات ذكية وجريئة، ليس لجعل الإرادة فقط متفائلة، بل لجعل العقل أيضاً متفائلاً.
ويتضح أنّ الثقة بالنفس تساعد على تحسين اعتقاد الفرد بقدرته على التحكم بنفسه وبيئته، كذلك فإنّها تزيد من قدرة الفرد على إدارة المواقف، وتوفر الفرصة لاستخدام المشاعر الوجدانية بنحو ملائم لتحقيق أهدافه، وهذا ما يجعل الإرادة عند أجيال التغيير متفائلة، ما يحوّلها إلى أفضل الآليات للتخفيف من تشاؤم العقل لديهم.
ومما لا شك فيه، أنّ التفاؤل يحافظ على بقاء الانسان، ويُعَدّ الأساس الذي يُمكِّن الأفراد من وضع الأهداف أو الأولويات، وصناعة “الأفعال والسلوكيات التي تجعل أفراد المجتمع يتغلبون على الصعوبات والمحن التي تواجههم في حياتهم، وفي المواقف الاجتماعية التي يتعرّضون لها”. والناس متفاوتون في التفاؤل، فمنهم من ينمّي هذا الشعور في نفسه، ويقوى بالاعتياد وشدة الانتباه ودقة الملاحظة، حتى لا يكاد يفارقه في كل شؤونه، ليتحول إلى نمط سلوكي في حياته، ومنهم من يقلّ إحساسه ويضعف شعوره بملازمته حتى يكاد يتلاشى.
وفي هذا الصدد، لا يمكننا أن نتجاهل ما كشفت عنه الكثير من الدراسات الحديثة عن التأثير الذي يمكن أن تمارسه سمة التفاؤل وارتفاع التشاؤم في حياة الافراد وأدائهم ومعدل إنتاجهم، وكشفت أيضاً أنّ سمة التشاؤم تؤثر وتزيد من الإصابة بالأمراض العضوية في ما يُعرَف بـ”الاضطرابات النفس جسدية”.
ومن هنا تبرز أهمية أن يعرف جيل شبابنا أبرز المؤشرات على ظهور الثقة بالنفس لدى الفرد، نظراً لعلاقتها الوثيقة بعامل التفاؤل، وهي:
– القدرة على الاعتماد على النّفس وعلى الحُكم السليم على المواقف والأشياء.
– مواجهة المشكلات التي تعارضه، والتوصل إلى الحلول المناسبة لها.
– إدراكه أنّ اختبارات الثقة بالنفس هي التي تميّز بين الواثق من نفسه من غير الواثق، فالواثق حسن التكيف، جريء، اجتماعي، مبادر إلى العمل، متقبل، يتزايد شعوره بقيمته الشخصية وكفاءته.
وإذا ما عرفنا أنّ التفاؤل جوهر العمل والنشاط والمثابرة والدافعية، نرى أنّ من الضروري أن تتضمن الاستراتيجية المطبَّقة لدى جيل التغيير وبناء المستقبل، وخصوصاً جيل الشباب الأكثر إنتاجية وفاعلية في التركيبة المجتمعية لبلدنا الحبيب ليبيا، جزءاً من التفاؤل وعملية زرعه، لأنّ من الأهمية بمكان إعادة التذكير وإبراز أهميته وفاعليته في الحياة، ومن بين ذلك تبيان التأثير العميق للتفاؤل في أدائه وسلوكه وإنتاجيته وجودتها، وهي العوامل الأساسية التي يجب البناء عليها عند وضعه استراتيجية صناعة مستقبل البلاد، لأنّ ليبيا تراهن على دور هذه الفئة ونجاحاتها.
وبالطبع، لا يمكن الاستراتيجيةَ المشار إليها أن تنجح إلا إذا ارتكزت على خطط دقيقة وخطوات ثابتة وأهداف واضحة تماماً، لأنَّ سمة التفاؤل لها تأثير كبير خفيّ في فكر جيل التغيير وأدائه عندنا، وسنعمل على إدخاله في المناهج التربوبة للمراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، كي يُلقي الممارسون للمجال التربوي الضوء على أهميته لطلاب هذه المراحل، كخطوة ضامنة لتأهيل نظرة هؤلاء وجعلها تفاؤلية بمستقبل بلادهم العزيزة.