حرية التعبير / دراسة قانونية

القانون اللبناني

حرية التعبير

مقدمة

تعتبر حّرية التعبير حقّاً أساسيّاً من حقوق الإنسان وإحدى ركائز الديمقراطية، وهي تشكّل الدّعامة لجميع الحرّيات المدنية، وإن فرض القيود عليها من شأنه تقويض إحدى أهم هذه الدعائم. فإسكات الكلمة الحرّة لا يقتصر على المساس بحرّية والتعبير وإبداء الرأي وحسب، لا بل يتعدّاه إلى أكثر من ذلك بكثير، فإلى المساس بمبدأ المساءلة والشفافية والحقّ في الوصول إلى المعلومات كما يساهم في تفشي الفساد، مما يدفع بالشعوب إلى التمرّد على الإستبداد والظلم بحثاً عن فسحة تضمن لهم ممارسة حقّهم وحرّيتهم في التعبير عن ارائهم وأفكارهم بمناخ من الرقيّ الإجتماعي والحضاريّ. لذا، نرى أن المجتمع الدوليّ اليوم يناضل وأكثر من الأمس من أجل ضمان الحق في التعبير عن الرأي، ولكن، هل يجوز أن تكون حرّية التعبير مطلقة أو أن الإتزان في ممارسة الحق في التعبير واحترام حقوق وحرّية الاخرين والتقيّد بقواعد النظام العام والسلامة العامة أمر مفروض على كل فرد أو مجموعة؟

من هنا، لا بدّ لنا من تسليط الضوء على مرّوحة الضوابط التي وضعها القانون اللبّناني لحريّة إبداء الرأي والتعبير وحرية الإعلام للحؤول دون التعسّف في استعمال هذا الحق الذي كرّسته المواثيق الدولية والدّستور اللبناني.

حريّة التعبير حق تكرّسه المواثيق الدولية والدّستور اللبناني:

 كرّست العديد من المواثيق الدّولية حرّية الفرد أو المجموعة في التعبير عن ارائها وأفكارها دون قيد إلا تلك التي يفرضها احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. فكيف تضمن المواثيق الدولية حرية التعبير؟

الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان الذي تبنّته الجمّعية العامة للأمم المتّحدة بتاريخ 10/12/1948 ونادت من خلاله بضرورة توطيد احترام الحقوق والحرّيات بين الشعوب وضمان الإعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية وفعّالة. ولقد حدّدت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان  لكل شخص حق التمتّع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التامس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الاخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود.

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمدته الجمّعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16/1/1966 وانضمّ إليه لبنان بتاريخ 3/11/1972 بحبث أكّدت المادة 19 منه على حق كل إنسان في اعتناق آراء دون مضايقة، ولكل إنسان الحق في حرّية التعبير. ويشمل هذا الحق حرّيته في التماس المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو بالطباعة أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها، وإن ممارسة هذه الحقوق تستتبع واجبات ومسؤوليات خاصة، كما يجوز إخضاعها لبعض القيود شرط أن تكون محدّدة بنص القانون وأن تكون ضرورية:

(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،
(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصّحة العامة أو الآداب العامة.

الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عن جامعة الدّول العربية الذي اعتمد بتاريخ 23/5/2004 وصدّق عليه لبنان بتارخ 8/5/2011 ولقد نصّ على حرّية التعبير وتحديداً في المادة 32 منه التي أكّدت على أنه يضمن هذا الميثاق الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية. تمارس هذه الحقوق والحريات في إطار المقوّمات الأساسية للمجتمع ولا تخضع إلا للقيود التي يفرضها احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

اتّفاقيّة الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد تاريخ 31/10/2003 الذي انضم إليها لبنان بموجب القانون رقم 33/2008، حيث نصّت المادة 13 منها على أن تتّخذ كلّ دولة طرف تدابير مناسبة، ضمن حدود إمكاناتها ووفقاً للمبادئ الأساسيّة لقانونها الداخلي لتشجيع أفراد وجماعات لا يتنمون إلى القطاع العام، مثل المجتمع الأهلي والمنظّمات غير الحكوميّة ومنظّمات المجتمع المحلّي، على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته ولإذكاء الناس فيما يتعلّق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثّله من خطر. وينبغي تدعيم هذه المشاركة بتدابير مثل احترام وتعزيز وحماية حريّة التماس المعلومات المتعلّقة بالفساد وتلقّيها ونشرها وتعميمها.

الدّستور اللبّناني لقد تبنّى في مقدّمته إلتزام لبنان في مواثيق جامعة الدول العربية كما في مواثيق الأمم المتّحدة والإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان، ولقد جاء في نصّ الفقرة «ب» من مقدّمته أن لبنان عضو مؤسّس وعامل في منظّمة الأمم المتّحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات من دون استثناء.

أما الفقرة «ج» منهاّ فلقد نصّت على أن  لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة، تقوم على احترام الحريّات العامّة، وفي طليعتها حريّة الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الإجتماعيّة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين من دون تمايز أو تفضيل.

كما نصّت المادة الثامنة من الدّستور اللّبناني على أن الحرّية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولا يمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف إلا وفاقاً لأحكام القانون، ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون، وأضافت المادة 13 منه أن حرّية إبداء الرأي قولاً وكتابةً وحرية الطباعة وحرية الإجتماع وحرية تأليف الجمعيات كلّها مكفولة ضمن دائرة القانون.

بالرغم من إلتزام لبنان بأحكام الدّستور اللبّناني والمواثيق الدولية التي تكّرس لكل فرد أو مجموعة حقّ التعبير عن أرائهم وأفكارهم ومعتقداتهم بحرّية ودون خوف من الرقابة، وبعيداً عن القمع ودون التعرّض للتوقيف الإحتياطي، إلا أننا نرى اليوم لبناننا يسير في اتجاه معاكس ونشهد تزايد حالات استدعاء الأفراد من ناشطين وصحافيّين ومواطنين عاديين من قبل النّيابة العامة والقوى الأمنية لاستجوابهم حول قضايا تتعلق بحرّية التعبير عن الرأي. فهل في ذلك  إنتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وتقليصاً لمساحة الحوار الديمقراطي الحرّ يستوجب رفع الصوت عالياً أم لأن لحرية التعبير ضوابط وضعتها القوانين يقتضي مراعاتها كي لا ترتكب الجرائم في معرض التعبير عن الرأي؟

الضوابط التي وضعها القانون اللبناني على حرّية التعبير:

تضمّنت المنظومة القانونية في لبنان أحكاماً تعاقب على التمادي أو التعسف في استعمال حق الفرد أو المجموعة في التعبير عن الرأي إذا احتوت أراؤهم وكتاباتهم على تعرّض غير مبرر لحقوق الغير ولحرمة حياتهم الشخصية أو تشويهاً لسمعتهم ولصورتهم بين أبناء المجتمع الواحد، أو على ما يشكل مساساً بالأمن القومي أو الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الاداب العامة، أو دعوةً إلى الكراهية العنصرية أو الدينية، كما تجرّم على القدح والذم والتحقير وكذلك على تحقير الشعائر الدينية وإثارة النعرات المذهبية، والجرائم التي تنال من مكانة الدولة المالية، وإننا نستعرضها كما وردت في مختلف القوانين الداخلية.

قانون أصول المحاكمات المدنية بحيث نصّت المادتين 579 و589 أ.م.م على صلاحية قاضي الأمور على  اتخاذ التدابير المستعجلة والايلة إلى إزالة تعدّيات واضحة على حقوق أو أوضاع مشروعة، والتدابير المؤقتة والاحتياطية التي تقتضيها الضرورة لتفادي ضرر وشيك أو محتمل الوقوع بشكل أكيد على أمول طالب التدبير أو حقوقه. ولكن، لا يجوز أن يصبح قضاء العجلة أداةً للرقابة المسبقة تشكّل قيداً على حرّية التعبير والإعلام وملجأً لكل من يتوسّل التحرّر من عبء المساءلة الإعلامية.

ولقد كرّس الإجتهاد هذا المنحى واعتبر أن محاسبة وسائل الاعلام والصحافة على الإخلال بموجباتهم هي محاسبة لاحقة بعد ثبوت الإخلال وليس مراقبة مسبقة وقضي أنه «حيث أن دور الإعلام والصحافة أساسي في الحياة السّياسية والإجتماعية ذلك أنهما يشكّلان أحد أسس دولة القانون والنظام الديمقراطي عبر ما يقومان به لجهة نقل الأفكار والمعلومات للمواطن وخلق تبادل ونقاش حول القضايا العامة، وتزويد المواطن بما يكفيه من معطيات لممارسة رقابته على السلطات وعلى ممثليه، وهما يساهمان كذلك في نقل آراء المواطنين لمن يهتم بالشأن العام للعمل بها، وهذا الدور يستوجب بالنظر لخطورته رقابة ذاتية ومهنية عالية ومناقبية مميزة وحساً بالمسؤولية، مع التوضيح ان المحاسبة على الإخلال بالموجبات السابقة الذكر تبقى في المبدأ محاسبة لاحقة بعد ثبوت الإخلال وليس مراقبة مسبقة.»

هذا من جهة ومن جهة أخرى، فلقد أضاف القرار عينه أنه يجب الموازاة بين أثر التدبير المطلوب على حرّية التعبير والضرر الذي قد ينشأ في حال عدم اتخاذه، أي أن تدخل قاضي الأمور المستعجلة يجب أن يكون محصوراً بحالات استثنائية جداً متى ثبت وجود تعرض وشيك مؤكد الحصول ومن شأنه التسبب بأضرار جسيمة تتجاوز بأهميتها النتائج السلبية للحدّ من حرّية التعبير وتكون غير قابلة للتعويض وقضي أنه « حيث يكون لقاضي الأمور المستعجلة التدخل بصورة مسبقة للحدّ من حرية التعبير وحرية الإعلام، في حالات استثنائية جداً وبعد الموازاة بين أثر التدبير المطلوب على حرّية التعبير وحرّية نقل وتلقّي المعلومات ومصلحة الجمهور بالاطلاع على المسائل العامة المطروحة من جهة، والضّرر الذي قد ينشأ في حال عدم إتّخاذ التدبير المطلوب من جهة أخرى، وذلك متى ثبت له وجود تعرّض وشيك ومؤكّد الحصول ومن شأنه التسبّب بأضرار جسيمة غير قابلة للتعويض في حال عدم التدخّل المسبق لوضع حدّ لها، ومتى تحّقق أن حماية الحقوق الفردية في هذه الحالة تجاوز بأهميتها المنفعة العامة التي قد تنتج عن ردّ الطلب». (قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، تاريخ 19/11/2016،دعوى خروف/تلفزيون الجديد، العدل  2017 عدد 3 ص 1489).

أما قانون العقوبات اللبناني فلقد تضّمن العديد من النصوص القانونية التي تجرّم على الإساءة أو التعسف في استعمال حرّية التعبير، وعاقبت المادة 317 ع. بالحبس والغرامة على كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يقصد منها أو ينتج عنها إثارة النّعرات المذهبية أو العنصرية أو الحضّ على النّزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الامة، أما المادة 319 ع. فلقد عاقبت بالحبس والغرامة كل من أذاع بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة الـ 209 وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة لاحداث التدني في أوراق النقد الوطنية أو لزعزعة الثـقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الاسناد ذات العلاقة بالثـقة المالية العامة.

 ولقد فرضت المادة 384 ع. عقوبة الحبس على من حقّر رئيس الدولة وتفرض العقوبة نفسها على من حقّر العلم أو الشعار الوطني علانية بإحدى الوسائل المذكورة في المادة الـ 209، كما عاقبت المادة 386 ع. بالحبس على الذم بإحدى الوسائل المعيّنة في المادة الـ 209 إذا وقع على رئيس الدولة، وإذا وجّه الى المحاكم أو الهيئات المنظمة أو الجيش أو الإدارات العامة، أو وجّه إلى موظّف ممّن يمارسون السلطة العامة من أجل وظيفته أو صفته، وبالحبس والغرامة إذا وقع على أي موظف آخر بسبب وظيفته أو صفته.

أضف إلى أن المادة 388 ع. عاقبت بالحبس على القدح بإحدى الوسائل المبينة في المادة الـ 209  إذا وقع على رئيس الدولة وإذا وجّه إلى المحاكم أو الهيئات المنظّمة أو الجيش أو الإدارات العامة، أو وجّه إلى موظّف ممّن يمارسون السّلطة العامة من أجل وظيفته أو صفته، وبالغرامة أو بالتوقيف التكديري إذا وقع على أي موظّف آخر من أجل وظيفته أو صفته.

أما المادة 474 فلقد عاقبت بالحبس بحق كل من أقدم باحدى الطّرق المنصوص عليها في المادة 209 على تحقير الشعائر الدينية التي تمارس علانية أو حثّ على الإزدراء بإحدى تلك الشعائر.

ولكن ومن زاوية أخرى، فلقد نصّ قانون العقوبات اللبناني وتحديداً المادة 387 منه على أنه يبرّأ الظنين إذا كان موضوع الذم عملاً ذا علاقة بالوظيفة وتثبت صحته وفي الإتجاه عينه ذهبت المادة 16 من القانون رقم 83 تاريخ 10/10/2018 المتعلق بحماية كاشفي الفساد التي نصّت على أن يبرأ الظنين وفقاً لأحكام المادة 387 عقوبات، إذا كان موضوع الذم عملاً يتعلق بفساد قام به الموظف بحسب مفهومها المحدد في المادة الأولى من القانون المذكور ويثبت صحته.

ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن محكمة المطبوعات وفي حكمها الصادر بتاريخ 25/1/1999 قد أعطت تفسيراً كافياً ووافياً لأحكام هذه المادة أدّى إلى توسيع حرية الإعلام في فضح مكامن الفساد في الوظيفة العامة واعتبرت أن انتفاء سوء نيّة كاتب المقال المدّعى به وإقامته الدليل على جدّية مقاله هو بمثابة الإثبات الكافي لتبرئته وفقاً لأحكام المادة 387 ع. إذا ثبت أن الذم المتّصل بوظيفة القائم بخدمة عامة هو صحيح.

أما قانون القضاء العسكري رقم 24 الصادر بتاريخ 13/4/1968، لقد تناولت المادة 157 منه حرّية التعبير وفرضت من جانبها ضوابط ليها بحيث أنزلت عقوبة الحبس بحق كل شخص يقدم بإحدى وسائل النشر المذكورة في المادة  209 من قانون العقوبات على تحقير العلم أو الجيش أو المسّ بكرامته وسمعته أو معنوياته، أو يقدم على ما من شأنه أن يضعف في الجيش النظام العسكري أو الطاعة للرؤساء والاحترام الواجب لهم.

قانون ألمعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي رقم 81/2018  وتحديداً المادة 118 منه التي انطوت على تعديل لنص البند الثالث من المادة 209 من قانون العقوبات اللبناني لتصبح على الشكل التالي؛ الكتابة والرسوم واللوحات والصور والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها إذا عرضت في محل عام او مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزّعت على شخص أو أكثر أياً كانت الوسيلة المعتمدة لذلك بما فيها الوسائل الإلكترونية، وبالتالي قد أضافت على الوسائل المعتمدة في النشر جديداً وهي «الوسائل الالكترونية»، وإننا نرى أن هذا التعديل وعلى الشكل الذي ورد فيه أظهر ارادة المشترع في تكريس الإجتهادات الحديثة فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بواسطة وسيلة إلكترونية منها جرائم القدح والذم والتحقير والتعدّي على الحرّيات الشخصية وسواها من الجرائم التي يعتبر فيها النشر عنصرًا أساسياً لقيامها، بحيث يكون عنصر النشر متحققاً إذا تمّ باستعمال الوسائل الالكترونية، بعد أن اعتبر صراحةً أن الوسائل الإلكترونية من قبيل وسائل النشر المنصوص عليها في المادة 209 من قانون العقوبات.

أضف إلى أن هذا التوسيع لمفهوم وسائل النشر ما هو إلا تعزيز لمبدأ شرعية الجرائم فلا عقوبة بدون نص قانوني، وبيد أن المشرع أراد من ذلك تشريع الأبواب لملاحقة المدوّنين على الصفحات الإلكترونية وصفحات التواصل الإجتماعي سنداً لجرائم القدح والذم.

وأيضاً، للنيابة العامة في الجرائم الالكترونية صلاحيات واسعة أتت على شكل تدبير مؤقت أو عقوبة حتى قبل صدور الحكم النهائي، وقد حدّدت المادة 126 من القانون رقم 81/2018 المتعلق بالمعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي على إطاراً واضحاً لصلاحيات النيابة العامة في معرض الجرائم المرتكبة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، تتمثّل في وقف الخدمات الالكترونية وحجب المواقع الإلكترونية وتجميد الحسابات كتدبير مؤقت وقبل صدور الحكم ولكن هذا التدبير مقرون بإطار زمني مؤقت ومحدد  بثلاثين يوماً، كما أن النيابة العامة ملزمة بتعليل قرار تمديد الحجب على أن يكون لمرة واحدة فقط، على أن ينقضي مفعول هذا الإجراء حكماً بانتهاء المهلة المحددة.

أما قاضي التحقيق او المحكمة المختصة الناظرة في الدعوى فلها تقرير ذلك أيضاً بصورة مؤقتة لحين صدور الحكم النهائي في الدعوى. كما للمرجع القضائي الرجوع عن قراره في حال توافر ظروف جديدة تبرر ذلك. ويكون قرار قاضي التحقيق والمحكمة بوقف خدمات إلكترونية او حجب مواقع إلكترونية او تجميد حسابات عليها قابلاً للطعن وفق الأصول والمهل المختصة بقرار اخلاء السبيل.

حرّية الإعلام

تكفل المواثيق الدّولية والدّستور اللّبناني حرّية الإعلام باعتبارها من المبادئ السّامية المرتبطة ليس فقط بالإنسان وضمان حرّية الرأي والتعبير، بل هي أيضاً مرتبطة بحرّية المجتمع وبأسس الديمقراطية فيه، فهي التعبير الصادق عن الديمقراطية، كما تلعب وسائل الإعلام دوراً بارزاً في ضمان الشفافية والمساءلة وسيادة القانون وتعزيز المشاركة في الخطاب العام وتسهم في مكافحة الفقر.

ولكن، إن الحرية الإعلامية كأي حرية أخرى وضعت لها ضوابط لا يعود لها أن تتجاوزها، فحرية الإعلام ليست مطلقة ، ما هي الضوابط التي وضعتها القوانين عليها؟

قانون المطبوعات الصادر بتاريخ  14/9/1962 والمرسوم الاشتراعي رقم 104 الصادر بتاريخ 30/7/1977 المتعلق بتعديل بعض أحكامه

لحظ الباب الأول من هذا القانون جرائم المطبوعات، ولقد عاقبت المادة 2 منه على جريمة نشر الأخبار الكاذبة والخاطئة ونصّت على أنه إذا نشرت إحدى المطبوعات مقالات أو أخبار خاطئة او كاذبة تلزم بقبول الردّ ونشر التصحيح أو التكذيب، أما المادة 3 فلقد نصّت على عقوبة الحبس أو الغرامة  إذا نشرت إحدى المطبوعات أخبارًا كاذبة تؤثّر سلبًا على السلام العام. أما جريمة التهويل (الشانتاج)  فلقد نصّت عليها المادة 16 بحيث أنزلت عقوبة الحبس والغرامة بالإضافة الى التعويض عن الغطل والضرر بحق كل من هدّد شخصاً بواسطة المطبوعات والإعلانات أو اية صورة من الصور بفضح أمر أو إفشائه أو الإخبار عنه وكان من شأن هذا الأمر أن ينال من كرامة ذلك الشخص أو شرفه أو من كرامة أقاربه أو شرفهم لكي يحمله على جلب منفعة غير مشروعة له او لغيره، وكل من حاول ذلك.

أما جريمة المسّ بكرامة الرؤساء فلقد نصت عليها المادة 23 منه بحيث إذا تعرّضت إحدى المطبوعات لشخص رئيس الدّولة بما يعتبر مسّاً بكرامته أو نشرت ما يتضمّن ذماً أو قدحاً أو تحقيراً بحقه أو بحق رئيس دولة أجنبية تحرّكت دعوى الحقّ العام  بدون شكوى المتضرّر. ويحقّ للنائب العام الاستئنافي أن يصادر أعداد المطبوعة وأن يحيلها الى القضاء المختص الذي يعود له ان يقضي بنتيجة المحاكمة بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين. وأيضاَ، لقد استقر اجتهاد محكمة التمييز الجزائية على حق النيابة العامة للإدّعاء بجرم التحقير والقدح والذم برئيس الجمهورية المرتكب بواسطة المطبوعات دونما شكوى من المتضرر وقضي أنه «حيث ان ما تنص عليه المادة 4 من قانون المطبوعات والمعدّلة بالقانون رقم 330 تاريخ 18/5/1994 قد ورد في الفصل الثاني تحت عنوان “الرد والتصحيح” وهو يولي وزير الإعلام الحق بطلب تصحيح أو تكذيب ما يمكن أن يرد في المطبوعة من مقالات أو أنباء خاطئة أو كاذبة تتعلق بمصلحة عامة، في حين أن التعرض لشخص رئيس الدولة قد ورد في الفصل السادس المعنون “المس بكرامة الرؤساء” وبالتالي فإن التعرض في إحدى المطبوعات لشخص على ما تقضي به المادة 23 المعدّلة من القانون الواردة في هذا الفصل، لا يكون مشمولاً بأحكام المادة 4 المذكورة لجهة ما قررته من صلاحية لوزير الاعلام، ويبقى تحريك الإدعاء العام بالجرم المتعلق بالمسّ بكرامة رئيس الجمهورية والقدح والذم والتحقير، والمرتكب بواسطة المطبوعة، منوطاً بالنيابة لعامة الإستئنافية الصالحة وذلك تبعاً لاطلاعها على حصول هذا الجرم بإحدى الوسائل المعددّة في المادة 25 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، ودونما حاجة لشكوى من المتضرر (تمييز جزائي، قرار رقم 234، صادر بتاريخ 12/11/2003، دعوى مشموشي والحصري/الحق العام، البوابة القانونية الالكترونية، صادرلكس).

أما التحريض على ارتكاب جرم بالنشر والاعلان في المطبوعة الصحفية وغيرها فلقد نصت عليها المادة 24 ويعاقب مرتكبيها وفاقا لأحكام المادة 218 من قانون العقوبات كما يعتبر تحريضاً كل كتابة يقصد منها الدعوة للإجرام او التشويق اليه، كما أنزلت عقوبة الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين بالاضافة إلى مصادرة أعداد الصحيفة بحق كل من حرّض على إثارة النعرات الطائفية والعنصرية وتعريض سلامة الدولة من خلال النشر في إحدى الصحف ما يتضمن تحقيراً لإحدى الديانات المعترف بها في البلاد أو ما كان من شأنه إثارة النعرات الطائفية أو العنصرية او تعكير السلام العام أو تعريض سلامة الدولة . ويحق للنائب العام الإستئنافي أن يصادر أعدادها وأن يحيلها الى القضاء المختص.

وتجدر الإشارة إلى أن للنيابة العامة الحق الأحادي بممارسة دعوى الحق العام وتتبّعها أمام القضاء الجزائي حتى منتهاها بحكم مبرم، وعليه فاذا ارتكبت أية جريمة بواسطة وسائل الإعلام المرئي والمسموع فلها الحق بالادعاء عفواً ومن إخبار يردها كونها هي المنوط بها خصيصاً أمر المحافظة على السلم الإجتماعي والأهلي والإقتصادي في إقليم الدولة لا سيما وأن أمر كشف الجرائم وتعقّب فاعليها يختصّ بالقضاء الجزائي وحده. وأن المادة 25 من قانون المطبوعات أعطت للنائب العام المختص أن يحيل المطبوعة إلى القضاء المختص اذا نشرت ما يؤدي الى اثارة النعرات الطائفية او العنصرية او تعكير السلم في البلاد.

أما قانون البث التلفزيوني والاذاعي رقم 353 الصادر بتاريخ 28/7/1994 فلقد نصّت المادة الثالثة منه على الإتزامات التي يجب على المؤسسة الإعلامية التقيّد بها:

1 – الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني ومقتضيات العيش المشترك والوحدة الوطنية.

2 – الالتزام بحرية وديمقراطية النشاط الاعلامي ودوره خاصة في تأمين التعبير عن مختلف الآراء.

3 – الالتزام بالبرامج والمواد التي من شأنها تشجيع التنشئة الوطنية والمحافظة على السلم الاجتماعي والبنى الاسرية والاخلاق العامة.

4 – الالتزام بعدم بث او نقل كل ما من شأنه إثارة النعرات الطائفية او المذهبية او الحض عليها او ما يدفع بالمجتمع وخاصة بالاولاد الى العنف الجسدي والمعنوي والارهاب والتفرقة العنصرية او الدينية.

5 – الالتزام بالبث الموضوعي للأخبار وللأحداث وباحترامها لحق الأفراد والهيئات بالرد.

6 – الالتزام باحترام حقوق الغير الادبية والفنية.

وأضافت المادة الرابعة منه على أنه يحظّر على المؤسسات الاعلامية ما يأتي:

1 – بث أي خبر أو برنامج أو صورة أو فيلم من شأنه تعكير السلامة العامة او إثارة النعرات او الشعور الطائفي او المذهبي بصورة مباشرة او غير مباشرة.

2 – الحضّ على العنف والمساس بالأخلاق والآداب العامة والنظام العام.

3 – التعرض بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأسس الوفاق الوطني ووحدة البلاد وسيادة الدولة واستقلالها.

4 – بث أو اذاعة أي قدح أو ذم أو تحقير أو تشهير أو كلام كاذب بحق الأشخاص الطبيعيين والمعنويين.

5 – عدم التزام الموضوعية في البرامج الاخبارية وعدم إعطاء الحدث والخبر بماهيته.

6 – بث ما من شأنه أن يشكل تعدياً على ملكية الغير الأدبية والفنية والتجارية.

7 – بث أي موضوع أو تعليق إقتصادي من شأنه التأثير بصورة مباشرة او غير مباشرة على سلامة النقد الوطني.

8 – الحصول على أي مكسب مالي غير ناجم عن عمل مرتبط مباشرة أو غير مباشرة بطبيعة عملها.

أما المادة 35 من قانون البث التلفزيوني والاذاعي رقم 382 الصادر بتاريخ 4/11/1994 فلقد نصّت على تدابير تتّخذ بحق المؤسسة  التلفزيونية والإذاعية في حال عدم تقيدها بالموجبات المترتبة عليها في هذا القانون والقوانين المرعية الاجراءعلى الشكل التالي:

– في حالة المخالفة الاولى: لوزير الاعلام بناء على اقتراح المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع، ان يوقف المؤسسة عن البث لمدة اقصاها ثلاثة أيام.

– في حالة المخالفة الثانية ضمن مهلة سنة من تاريخ ارتكاب المخالفة الاولى: لمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الاعلام المبني على اقتراح المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع ان يوقف المؤسسة عن البث لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام ولا تزيد عن شهر.

ولكن، لقد استقر إجتهاد محكمة الإستئناف على وجوب منح حرية التعبير والنقد ونقل المعلومات والأفكار مساحة أكبر لدى تعلّق الامر بالكلام عن تعامل رجال السياسة في مسائل تخص الشأن العام وقضي أنه «حيث لا يكون هناك من محل لوصف العمل الاعلامي التلفزيوني بالعمل المسيئ إلا اذا كان منطوياً على ما يحظِّره القانون وفقاً للمادة 35 من قانون البث التلفزيوني والاذاعي، أو اذا ثبت بشكل جازم وأكيد خروج صاحب العمل عن حدود حسن النية وعن الغاية من مبدأ حرية الاعلام، مع الاشارة إلى وجوب منح حرية التعبير والنقد ونقل المعلومات والأفكار مساحة اكبر واكثر مدى متى كان الأمر يتعلق بالكلام عن تعامل رجال السياسة في مسائل تخص الشأن العام

 COUR EUROPÉENNE DES DROITS DE L’HOMME, AFFAIRE GRINBERG c. RUSSIE no 23472/03, arrêt du 21 juillet 2005 »

(استئناف بيروت، الغرفة الثالثة المدنية، قرار رقم 391، تاريخ 30/3/2017، دعوى شركة الجديد ش.م.ل/شركة الشيكة الوطنية للإرسال ش.م.ل- العدل 2017 عدد 4 ص 1858).

محكمة استثنائية للنظر في جرائم المطبوعات

إن محكمة المطبوعات هي محكمة استثنائية أنيط بها وفقاً للمادة 28 من المرسوم الإشتراعي رقم 104/77 المتعلق بتعديل بعض أحكام قانون المطبوعات للنظر في جميع القضايا المتعلقة بجرائم المطبوعات باعتبارها محكمة الدرجة الأولى بالنسبة لهذه الأفعال، وأن صلاحيتها تقتصر على الجرائم المرتكبة بواسطة النشر في المطبوعة الصحفية بمفهومها المحدّد في المادة الثالثة وما يليها من قانون المطبوعات الصادر بتاريخ 14/9/1962.

كما تعتبر محكمة المطبوعات مختصّة أيضاً للنظر بالجرائم المرتكبة بواسطة وسائل الإعلام المرئي والمسموع، لأنه بالاضافة الى المادة /28/ من الرسوم الغشتراعي رقم 104/77 التي أعطت صلاحية النظر في جميع القضايا المتعلقة بجرائم المطبوعات لمحكمة الإستئناف بالدرجة الأولى الناظرة في قضايا المطبوعات، فإن القانون رقم 382/94 نصّ في مادتيه 28 و35 على أن تطبّق على البثّ التلفزيوني والإذاعي عند ارتكاب جرائم بواسطتهما العقوبات المنصوص عليها في قانون المطبوعات ممّا يدفع الى القول بأن صلاحية تطبيق العقوبات الواردة في قانون المطبوعات فيما خص الجرائم المرتكبة من خلال البثّ التلفزيوني والإذاعي إنما تعود لمحكمة المطبوعات.

أضف إلى ذلك، أن إختصاص  محكمة الإستئناف لدى القضاء العدلي يشمل كافة جرائم المطبوعات أياً كان الوصف الجرمي للأفعال المدعى بموجبها وقضي أنه «حيث ان القانون رقم 2/71 الصادر بتاريخ 22/1/1971 ينص في مادته الوحيدة على ان جرائم المطبوعات بما فيها تلك المنصوص عليها في المادة 157 من قانون القضاء العسكري، تكون من اختصاص المحاكم المنصوص عليها في المادة 67 من القانون الصادر بتاريخ 14/9/1962 (قانون المطبوعات).

وحيث ان اختصاص محكمة الاستئناف لدى القضاء العدلي يشمل كافة جرائم المطبوعات اياً كان الوصف الجرمي للافعال المدعى بموجبها.

وحيث ان ما اسند الى المدعى عليه المستدعي من افعال جرمية بموجب ورقة الطلب المنوه عنها اعلاه، على فرض ثبوتها، تكون قد ارتكبت عبر النشر بواسطة صحيفة اعلامية كويتية، وتندرج بالتالي في اطار جرائم المطبوعات التي يعود اختصاص النظر فيها الى محكمة الاستئناف لدى القضاء العدلي، مما يستتبع اعلان عدم اختصاص القضاء العسكري للنظر بها ومتابعتها.»(تمييز جزائي، قرار رقم 10، صادر بتاريخ 16/1/2007، دعوى هزيمة/الحق العام، البوابة القانونية الالكترونية، صادرلكس).

أما المطبوعة فيعنى بها وسيلة النشر المرتكزة على تدوين الكلمات والأشكال بالحروف والصور والرسوم، ويجب أن يذكر في كل مطبوعة إسم المؤلف وإسم المطبوعة وإسم الناشر وعنوانه وتاريخ الطبع. ووفقاً للمادة الرابعة منه فإنه يعنى بالمطبوعة الصحفية مختلف أنواع المطبوعات الدورية. أما المطبوعة الدورية فهي المطبوعة أو النشرة التي تصدر بصورة مستمرة باسم معين وبأجزاء متتبعة وتكون معدة للتوزيع على الجمهور، ووالوكالة الصحفية والإخبارية هي المعدة فقط لتزويد مؤسسات نشر الأخبار والمقالات والصور والرسوم، والوكالة الصحفية النقلية من نوع أرغوس المعدة لنقل قصاصات المطبوعة الصحفية وتوزيعها على طالبيها، والنشرة الإختصاصية المعدة للتوزيع على مؤسسات الإقتصاد.

ولقد استقر اجتهاد محكمة التمييز على عدم اختصاص محكمة المطبوعات للنظر بجناية مرتكبة من صحافي وواقعة على امن الدولة الخارجي لعدم إرتكابها بواسطة النشر في مطبوعة صحفية وقضي أنه «حيث انه وعلى فرض ان المستدعي له صفة الصحافي، فان ذلك لا يولي محكمة المطبوعات في القضاء العادي صلاحية للنظر بالجرائم المنسوبة اليه في هذه الدعوى، كون صلاحية محكمة المطبوعات مقتصرة على الجرائم المرتكبة بواسطة النشر في المطبوعة الصحفية بمفهومها المحدد في المادة 3 وما يليها من قانون المطبوعات تاريخ 14/9/1962، في حين انه لا يتبين من الوقائع المعروضة في الملف والتي استند اليها الادعاء العام ما يفيد بأن الأفعال المنسوبة الى المدعى عليه ا. ب. ارتكبت بواسطة النشر عبر مطبوعة صحفية مما يحول دون امكانية اعتبارها من جرائم المطبوعات فتنتفي صلاحية محكمة المطبوعات في القضاء العادي بشأنه».(تمييز جزائي، قرار رقم 210 صادر بتاريخ 25/9/2001، دعوى باسيل /الحق العام، البوابة القانونية الالكترونية، صادرلكس).

وتجدر الإشارة إلى أنه وقبل صدور قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي الذي اعتبر صراحةً أن الوسائل الإلكترونية من قبيل وسائل النشر المنصوص عليها في المادة 209 من قانون العقوبات، كان اجتهاد محكمة التمييز قد سار على اعتبار أن المجلة الالكترونية هي وسيلة للنشر مرتكزة على تدوين الكلمات والأشكال والحروف والصور والرسوم وهي تصدر بصورة مستمرّة بإسم معيّن وبشكل متتابع وهي معدّة للتوزيع على الجمهور وفقاً لما هو مبين في موقعها المفتوح للكافة، فينطبق عليها التعريف القانوني للمطبوعات.(تمييز جزائي، الغرفة التاسعة، قرار رقم 33/2015 صادر بتاريخ 19/5/2015، صادرلكس البوابة القانونية الالكترونية).

أضف إلى أن موقع نشر المقال Lieu d’émission في جرائم المطبوعات Délit de Presse هو المعيار المعتمد لتحديد مكان وقوع الجرم سواء في النشر الورقي أو الإلكتروني بصورة خاصة في ظلّ إمكانية تلقي النشر في كافة أرجاء العالم.

أما فيما يتعلق بمهلة إقامة الدعوى في جرائم الذم والقدح والتحقير المرتكبة بواسطة الصحف فهي ثلاثة أشهر تسري من تاريخ نشر الخبر او التصريح الذي يعتبره المدعي ماساً بكرامته وشرفه للمقيمين في داخل لبنان وستة أشهر للمقيمين في خارجه وأن هذه المهلة هي مهلة إسقاط وليس مهلة مرور زمن.

أما المادة 26 من المرسوم الإشتراعي رقم 104/77 المتعلق بتعديل بعض أحكام قانون المطبوعات فلقد نصًت على أن العقوبات التي يقضى بها بسبب الجرائم المرتكبة بواسطة المطبوعات الصحفية تقع على المدير المسؤول وكاتب المقال كفاعلين أصليين. وتطبّق في هذا المجال أحكام قانون العقوبات المتعلقة بالإشتراك  أو التدخل الجرمي. أما صاحب المطبوعة الصحفية فيكون مسؤولاً مدنياً بالتضامن عن الحقوق الشخصية ونفقات المحاكمة ولا يترتّب عليه مسؤولية جزائية إلا إذا ثبت تدخّله الفعلي في الجريمة المرتكبة.

أما اجتهاد محكمة التمييز فلقد استقر على عدم إشتراط الإدعاء ضدّ المدير المسؤول عن المطبوعة لقبول الادعاء ضد كاتب المقال وقضي أنه «حيث ان الجرائم المدعى بها في الشكوى تخضع لأحكام قانون المطبوعات وتعديلاته ولأحكام قانون العقوبات.

وحيث ان المدعي اختار السير في الدعوى ضد المدعى عليه وحده وحصرها بشخصه فلا يكون باختياره هذا قد خالف القانون الذي لم ينص على وجوب الادعاء ضد المدير المسؤول كشرط لقبول الادعاء ضد المدعى عليه كاتب المقال المشكو منه، وتالياً فإن ما خلص اليه القرار المطعون فيه يكون قد أحسن في تطبيق القانون ويقتضي ردّ ما ادلى به المميز لعدم قانونيته.»(تمييز جزائي، قرار رقم 130، تاريخ 22/3/2011، دعوى ابي نجم/الحق العام وسكاف، البوابة القانونية الالكترونية، صادرلكس).

أما فيما يتعلق بأصول المحاكمة أمام محكمة المطبوعات، فعلى هذه المحكمة أن تبدأ المحاكمة في مهلة خمسة أيام على الأكثر من تاريخ إحالة القضية إليها مباشرة أو من قبل المحقّق، وأن تصدر قرارها في مهلة أقصاها عشرة أيام من تاريخ بدء المحاكمة، على أن تكون مهلة المراجعات عشرة أيام للتمييز وخمسة أيام للاعتراض.

وللمحكمة التي أصدرت الحكم أن تقرّر في الحكم ذاته نشره مجاناً وبكامله أو نشر خلاصة عنه في العدد الأول الذي يصدر بعد تبليغ الحكم وفي المكان ذاته الذي نشر فيه المقال موضوع الدعوى وبالأحرف ذاتها، ولها أيضا أن تقضي في الوقت نفسه بنشر الحكم في ثلاث صحف على نفقة المحكوم عليه وبأجر الاعلانات العادية. وتنزل  بحق المحكوم عليه في حال مخالفته هذه المادة عقوبة الحبس والغرامة  أوإحدى هاتين العقوبتين.

التوقيف الاحتياطي في جرائم المطبوعات غير جائز.

تعتبر حرّية الفرد حق أساسي من حقوقه لا يجوز لأحد أن يسلب منه أو ينازعه فيه أحد. إلا أن منع الفرد من حريته أو التوقيف الاحتياطي ضرورات تبرّره كشف الحقيقة في سياق المحاكمات القضائية والحؤول دون طمث الأدلة وتضليل التحقيق، مع العلم أن قرينة البراءة هي الأصل في أي محاكمة جنائية فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، لذا، يعتبر التوقيف الاحتياطي إجراء استثنائي يهدف إلى منع الفرد من حريته الشخصية لفترة مؤقتة، وإن اللجوء إليه يتم بقرار من السلطات المختصة وذلك لاحالة من توفرت فيه شبهات قوية إلى القضاء المختص قبل صدور قرار الإدانة.

على الرغم من أن قانون أصول المجاكمات الجزائية وتحديداً في المادة 32 منه قد أعطت الصلاحية للنيابة العامة بإحضار واحتجاز واستجواب المشتبه به في إطار الجريمة المشهودة في حال تبين بين الحضور شخص توافرت فيه شبهات قوية بحيث يأمر النائب العام أو المحامي العام بالقبض عليه ويستجوبه ويبقيه محتجزاً على ذمة التحقيق مدة لا تزيد عن ثمانية واربعين ساعة، ما لم ير أن التحقيق يحتم مهلة اضافية فيقرر تمديد احتجازه مدة مماثلة، وكذلك المادة 42 أ.م.ج  التي نصت على تمديد مهلة احتجاز المشتبه به حتى أربعة أيام على الاكثر بقرار خطي معلّل من النائب العام الإستئنافي الذي يصدره بعد الاطلاع على الملف وذلك إذا كانت الجريمة المشهودة من نوع جناية وكانت ضرورات التحقيق تستلزم الإبقاء على المشتبه به محتجزاً مدة أطول، وايضاً المادة 47 أ.م.ج التي تناولت اجراءات الضابطة العدلية خارج إطار الجريمة المشهودة ونصّت على أنه يحظّر احتجاز المشتبه فيه في نظاراتهم إلا بقرار من النّيابة العامة وضمن مدة لا تزيد على ثماني واربعين ساعة يمكن تمديدها مدة مماثلة فقط بناءً على موافقة النيابة العامة، إلا أن التوقيف الاحتياطي في جرائم المطبوعات غير جائز ولقد نصّت على ذلك المادة 28 من قانون المطبوعات المعدلة بموجب القانون 330/1994 صراحةً وبالتالي، لا يجوز توقيف الصحافي أو الناشر أو الكاتب أو المؤلف احتياطياً.

خاتمة

تشكّل حرية التعبير والإعلام شروطاً ملزمةً لتحقيق مبدأ الشفافية والمحاسبة والتي بدورها ضرورية لحماية حقوق الإنسان وقمع الفساد وحماية الديمقراطية. لذا، فإن كمّ الأفواه وتضييق مساحة الحوار الحر الديمقراطي لن يساهم على الإطلاق في استعادة لبنان لانفتاحه ولدوره المتألق في حماية الحريات، من هنا يقتضي ضمان المساواة في التعبير لكافة أفراد المجتمع على حدّ سواء كما تقييم حرية التعبير وحرية العمل الإعلامي وما إذا كانت تشكل إساءةً أو تعرضاً غير مبرراً لحقوق الغير في ضوء أحكام المادة 13 من الدستور اللبناني والمواثيق الدولية، والعمل على تحديث المواد القانونية التي تفرض قيوداً وضوابط على حرية التعبير و إبداء الرأي وحرية الإعلام، والعمل على وإصدار قانون إعلام حديث يضمن الحرّية الإعلامية المسؤولة لما لها من دور رائد في تعزيز ثقافة لبنان ونموّه وتطوّره الإقتصادي، كما وتحفيز قدرة وإرادة شعبه على التمسك به بلداً حراً ومستقلاً،  ليبقى لبنان ملاذاً للحريات بين دول الشرق والغرب.

المراجع:

  • صادرلكس لبنان، البوابة القانونية الإلكترونية   www.Lebanon.Saderlex.com
  • ادمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري العام، ج 2: النظرية القانونية في الدولة وحكمها، 1971.
  • عصام اسماعيل، ضوابط وقيود ممارسة الحرية الإعلامية – جريدة النهار تاريخ 8/6/2006.
  • عبد الامير سلوم، المبادرات الوطنية الجديدة لمجلس النواب – الحياة النيابية، كانون الأول 1996، مجلد 21.
  • www.amnesty.org/ar/what-we-do/freedom-of-expression.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *