الاعلام والصحافة في فكر الإمام الصدر
د. وشاح جودت فرج
الاعلام والصحافة في فكر الإمام الصدر
لا شك أن العالم يتغير في هذا العصر تغيرات حافلة تتوالى بسرعة مذهلة، فالتفاعل في المجتمعات يتزايد بين الداخل والخارج ونحن في عصر أقل ما يقال فيه: ان الاعلام روح قدس هذا العصر وروح شيطانة ايضاً. وهذا ما يؤكده سماحة الإمام السيد موسى الصدر حيث يقول: “ان الصحافة محراب لعبادة الله وخدمة الإنسان وإذا لم تقم بواجبها فهي مخدع للشيطان وخراب الإنسان”.
لقد قال المؤرخ البريطاني كارليل: “ان من يدير صحيفة ناجحة يحكم المجتمع…” وعندما سئل السلطان العثماني ذات يوم وهو في المنفى: ماذا تفعل اذا رجعت إلى يلدز؟ فأجاب “لو رجعت إلى يلدز لألقيت بجميع الصحفيين في أتون النار”. وكذلك ألم يردد نابليون بونابرت وهو في جزيرة القديسة هيلانة القول المأثور: “لم تسقطني مدافع الانكليز والبروسيين في واترلو ولكن صرير قلم ذلك الصحفي في باريس”.
بعد هذا العرض لهذه الحقائق الثابتة يمكننا القول ان الاعلام اصبح الحاكم الذي انتزع كل السلطات واحتكرها، ويتكشف عن ذلك حقائق كثيرة اهمها ان الاعلام يربح كل المعارك من اقتصادية وسياسية وثقافية وعسكرية قبل ان تقع على الارض عمليا، وهنا يذهب بنا التفكير والخيال إلى القول: لو لم يكن الإمام الصدر ناشراً اعلامياً جيداً للاخطار التي تهدد لبنان من الداخل والخارج من ناحية، ولقضايا المحرومين من ناحية اخرى.. فأين كان لبنان اليوم؟ وأين كان المحرومون؟..
لقد عاش الإمام عصره بهمومه ومشكلاته، عاش لوطنه ومجتمعه وأمته عمل على النهوض بمجتمعه وتطويره عن طريق الاصلاح وعلى رفع مكانة الإنسان عن طريق العلم والعمل فكان فاعلا في موقعه مغيراً لواقعه حيث قال: “لا أريد الا الاصلاح، وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب”.
لقد فهم الإمام معنى الاعلام ودوره في المجتمعات المتقدمة كما في المجتمعات النامية، فكان مدركاً أصول التعامل معه وطريقة التعاطي مع وسائله وفنونه في ظل التباينات الحادة والاحداث التي كانت تخيم على المنطقة بشكل عام وعلى لبنان بشكل خاص. فأراه اعلاماً صريحا لا مضمر فيه أو مسكوت عنه”، فشجع الصحافيين على قول كل شيء في سبيل كشف الحقائق وتربية الناس على فن “محاكمة الحقائق” والانتصار للحق.
وقد تجلى هذا الادراك لأهمية الاعلام في خطب الإمام ومداخلاته الداعمة للاعلام والصحافة. فكان يصف الاعلاميين بقادة الرأي ومرآة الرأي العام والناطقون بالحق. فالإمام كان يملك رؤية اعلامية واضحة ساعدته على توضيح آرائه وتبسيط فلسفته للقضايا الجادة التي كان يعيشها لبنان بسبب الاستغلال الخارجي للتناقضات القائمة على ارضه، وهذا ما جعله يحترف اصول تكوين الرأي العام من خلال اختياره عناوين خطبه ومداخلاته التي لاقت صدى واسعا ليس على صعيد لبنان فحسب بل على الصعيد العربي والدولي ايضاً.
ولعل نظرته إلى اعلام وطني واع، انطلاقا من مرجعيته الدينية والوطنية جعلته رجل دين تلتقي على احترامه فئات واسعة من اللبنانيين.
والصحافة برأيه هي من أهم ميادين الجهاد، ومن أهم عوامل تكوين الانسان المدني والمجتمع الصالح فقال: “ان الصحفي يستطيع خلق المجتمع الصالح، فهو حينما ينشر مقاله او يكتب تعليقا أو ينشر صورة او يبرز عنوانا او يفسر حدثا فأنه يهدف بعمله إلى توجيه المجتمع وبإمكانه ان يكون ابا مرشدا مخلصا وموجها حكيما كما أن بإمكانه ان يكون خائنا أو مضللا او محرفا للكلام عن موضعه”.
أما في مجال حرية الصحافة الذي كان يرى فيها الإمام احد أهم أسباب عظمة لبنان فهي أعز وأغنى ما للبنان من مقام. فالصحافة وحرية الرأي “هما البعد الوحيد الباقي من عظمته أمام الهمزات والصعوبات التي يتعرض لها فاذا تعرض هذا البعد الشامخ لهزة فلا حرية، وهذا شيء نرفضه لأننا نريد وطناً كبيراً. ولبنان العظيم لا يقوم الا على حرية الصحافة، فهو كبير بالحرية وصغير بدونها، لذلك اعتبر الإمام الصدر ان اي مصادرة لحريات الصحافة والاعلام هو امر مرفوض.
وفي هذا المجال ركز الإمام على الحرية القائمة على الاخلاق والقيم الاجتماعية بعيداً عن التفلت من الضوابط الاجتماعية التي تدعو إلى الميوعة والانحلال الاخلاقي من أجل بناء مجتمع يتمتع بالاخلاق السليمة. لأنه اذا فسدت الاخلاق فلا القانون ولا الأهل ولا حتى السجون وغيرها يستطيع تصحيح انهيارها. فالحرية عند الإمام فعل ايمان بالانسان وبالوطن وهي ركن اساسي من اركان حركته ورفضه للظلم ومقاومته للحرمان.
وخلاصة القول ان الاعلام عند الإمام الصدر، اعلام ميداني عملي يتلمس المشاكل ويطرحها، وليس اعلام شعارات او اعلاما تفجيريا من دون حدود. فالصحافة هي منبر للحقيقة، والانتصار للمظلومين والشهادة للحق خارج اعلام الاثارة والتحريض. ويمكننا فهم هذا الأمر العودة إلى شخصية الإمام الصدر بوصفه رجل حوار يؤمن بالخصوصيات ويتوسل طريقة الاقناع الهادئ اذ ليس في شخصه ومبادئه ما يوحي بأنه يتوسل العنف طريقة ومنهجاً في تعميم أفكاره وهو يعبر عن هذا الأمر حين يقول: “لسنا عشائر ولا قبائل وانما روادا ومشاعل.