التوجه نحو المدن الذكية: تحوّل وطني للتمتع بنوعية حياة أفضل وأرقى
إنَّ بقاء حتميّة الغنيِّ غنيّاً والفقيرِ فقيراً، قد ولّى عليه الزمان بظهور توجهات فكرية جديدة في إطار السياسات التنموية الحديثة للأفراد والمجتمعات والبنى التحتية. وتتمثل هذه التوجهات بطرح نموذج مفاهيمي جديد، قوامه فكرة الدولة الذكية، وهذا المصطلح الذي استُخدم لأول مرة عام 2008 في ولاية “كوين سلاند” “كوينز لاند” الأسترالية، أثبتت التجارب العربية والعالمية أنه لا يمكن أن يحقق الأهداف المرجوّة منه إلّا في حال توافُر خمسة محاور أساسية، هي: تعزيز الاستقرار، ترسيخ ديمقراطية مطمئنة، تثمين الرصيد البشري بشكل أمثل، بناء اقتصاد ناشئ في إطار مقاربة تنموية مستدامة، تعزيز روابط التضامن الوطني.
وحتى اليوم، تُظهر الدراسات والأبحاث المتعلقة بتشخيص واقع المدن الذكية في العالم العربي واستراتيجيات دعم التحوّل الرقمي، واعتبار المدن الذكية فرصة فعالة لتحسين نمط الحياة، وذلك من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال، أنّ الدول في العالم العربي لا تزال تواجه تحديات أمام إنشاء المدن الذكية أو التحوّل إليها، كذلك عدم جاهزية البنية الداعمة لتطبيق مفهوم المدينة الذكية، وهذا ما يقودنا إلى ضرورة الاستفادة من تجربة الإمارات العربية، باعتبارها نموذجاً رائداً في مجال التحوّل إلى المدينة الذكية.
في هذا السياق، أودُّ أن أكشف لكم عن مبادرات أطلقناها، ومساعٍ نبذلها منذ النصف الثاني من العام الماضي، من أجل جعل عدد من المدن الليبية تمتلك إرادة خَلق مقوِّمات قوتها والمحافظة عليه، مدن تقتنص الفرص وتستغلّ ما لديها من إمكانات للنهوض، ذكية في تفاعلاتها مع المتغيرات الداخلية والخارجية، تتّسم بمرونة مكوّناتها السياسية وانسجامها الداخليّ، لها مقدرة على الاستثمار في الرأسمال البشري والزمن، وثرواتها الطبيعية وفق منطق الرشادة، بما يحقق لها طلاقة اقتصادية ونهضة اجتماعية.
ووفق المعطيات التي زودتنا بها الفرق المتخصصة في أكثر من مجال متفرع من مجال “تكنولوجيا المعلومات والاتصال”، فإنّ الأجواء إيجابية، وتدعو إلى التفاؤل، لكنّها ستستغرق المزيد من الوقت كي نضع اللمساتِ الأخيرةَ على تحويل هذه المدن إلى مدن ذكية، من المُرجَّح أن تُبصرَ النور مطلع العام المقبل.
إنَّ التطور الرقميَّ والتقنيَّ الذي شهده العالم نهاية القرن العشرين، كان له الأثر على مفهوم المدينة، إذ تطور مفهوم هذه الأخيرة ليظهر مفهوم جديد، هو المدينة الذكية، التي تشكّل النّواة الأساسية للدولة الذكية، وتُعَدّ المدينةُ الذكية مدينةً تُساير الحداثة والتطور التكنولوجي، حيث ترتكز أساساً على البنية التحتية لتكنولوجيا الإعلام والاتصال، مثل الشبكات عالية السرعة، وبعض التطبيقات الذكية للهواتف المحمولة، وتعتمد التخطيط، وتدعم التنمية المستدامة في مختلف الميادين والمجالات، مع التركيز على الجانب البيئي. بل تُعتبَر المدن الذكية بمثابة نموذج عن التطور في حياتنا الحضرية، فضلاً عن ابتكار بيئة تكنولوجية توفّر الاتصالات السلكية واللاسلكية، وتطوير استراتيجية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والخدمات المبتكرة.
ويُمكنُ سكانَ المدن الذكية الوصولُ إلى أيِّ تطبيق والتحكم بوظائف متعددة بلمسة زر، وبالنظر لانتشار فكرة المدن الذكية والصفات المميزة لها، خصوصاً في ما يتعلق بتوفير الرفاهية، وتوفير أفضل الظروف المعيشية، وكذلك من ناحية أنّ هذه المدن، قد اعتُمِدَت وصُمِّمَت كتجربة أولى في بعض دول العالم.
بالطّبع، كما لكل تقنية مقومات نجاح، فإنّ الدولة الذكية تُبنى على سبعة مقومات، هي:
– اعتماد مبادئ الحكم الراشد في إدارة شؤون الدولة.
– التزام منطق العقلانية والرشادة السياسية في تلبية الحاجيات العامة للمواطنين، بما يحقق أقل تكلفة زمنية ومادية.
– المشاركة الديمقراطية لمؤسسات المجتمع المدني في صنع القرار السياسي والسياسات العامة.
– خلق قنوات الاتصال الجماهيري بين مؤسسات الحكم والمواطنين، بما يعزز مبدأ الشفافية والمساءلة.
– نزاهة الجهاز القضائي وقدرته على فرض الجزاء القانوني على كل مسؤول ثبت فساده دون تمييز.
– تعزيز مكانة حقوق الإنسان في داخل الدولة، بما يتماشى والبُعد العالمي لتلك الحقوق.
– خلق رقابة جماهيرية على عمل السلطة، تُعزَّز بآليات خاصة لتقييم نشاط السلطات السياسية، كأن تُنشأ شبكات اتصالية تربط بين المواطن والمسؤول، في إطار ما يُسمّى الديمقراطية الإلكترونية، التي تُرقّي النزعة التشاركية للمواطن في صنع القرار السياسي ومراقبته.