العشائرُ الليبيةُ حامِيَةُ التراثِ وبانِيَةُ المستقبلِ
ليسَ صحيحاً أنَّ العشائرَ والقبائلَ العربيةَ هي نقيضُ الحداثةِ والتطوّرِ، وليسَ صحيحاً أنَّ العشائرَ هي بؤرُ التخلّفِ والرجعيّةِ والاقتتالِ كما يروّجُ البعضُ أو يحلو له أن يسوّقَ لتشويهِ صورتِها، بل هي قِيَمٌ إنسانيةٌ واجتماعيةٌ، والأهمُّ أنها أخلاقيّةٌ تحافظُ على التراثِ وتصقلُ الأجيالَ الجديدةَ على المبادئِ والقِيَمِ وحُسنِ الخُلُقِ، وتربطُ بين التاريخِ والحداثةِ التي يُفترَضُ أن تتجذّرَ في نفوسِ الجيلِ الناشئِ.
تشكّلُ العشائرُ الليبيةُ المنتشرةُ في كلِّ المناطقِ نموذجاً لهذه المُثُلِ، فهي لم تَحِد يوماً عن المبادئِ التي تؤمنُ بها، وهي مبادئُ مقتبَسةٌ من تعاليمِ الدِّينِ الحنيفِ، ومنَ الشريعةِ الإسلاميةِ السمحاءِ، لم تفرِّطْ يوماً في تقاليدِها وتراثِها الذي شكّلَ وَحدةً مجتمعيةً متماسكةً في ليبيا. لذلك يحرصُ الدكتور الصدّيق حفتر كلَّ الحرص على حمايةِ هذه العشائرِ التي أغنَتْ ليبيا، وما زالت عاملاً فاعلاً ومؤثراً في تثبيتِ مكانتِها العربيةِ والإسلاميةِ، وتعزيزِ الترابطِ الاجتماعيِّ بكلِّ أطيافِهِ وألوانِهِ، ما يجعلُ المجتمعَ مجتمعَ التآزرِ والتآخي والتماسكِ العصيَّ على الانكسارِ أو التفكُّكِ، وهو محصَّنٌ من أن يكونَ عُرضةً لأهواءِ الآخرينَ وأطماعِهِم.
أهميةُ العشائرِ في ليبيا، أنها لم تكنْ يوماً نقيضَ الدولةِ أو فوقَ سقفِ القانونِ. ويحفظُ الدكتور حفتر لهذِهِ العشائرِ أنها شكلَتْ درعَ الدولةِ وحاميةَ وَحدتِها في عزِّ الأزماتِ التي عصفَتْ بالبلادِ، ويُدركُ تماماً أنَّ الرؤيةَ المستقبليةَ لدى العشائرِ والقبائلِ كانت متقدمةً على رؤيةِ الأحزابِ السياسيةِ وسبّاقةً في اجتراحِ الحلولِ. ويشيرُ الكتور حفتر إلى أنَّ هذه الميزةَ تستدعي منه إعطاءَ الأهميةِ لدورِها في مستقبلِ ليبيا، لإيمانِهِ ويقينِهِ بأنها القادرةُ على المواءمةِ ما بينَ التراثِ والتاريخِ، والحفاظِ على الأعرافِ والتقاليدِ، وما بينَ إلحاقِ الوطنِ بالحداثةِ، ودفعِ الشبابِ إلى اللِّحاقِ برَكبِ العِلمِ والمعرفةِ والتطوّرِ، وأن يكونوا ناجحينَ في كلِّ الميادينِ، بارعينَ في كلِّ المجالاتِ، متقدمينَ بينَ النُّخَبِ التي يزخرُ بها المجتمعُ الليبيُّ، وخصوصاً في مجالاتِ الطبِّ والهندسةِ والقانونِ والتكنولوجيا والاختراعِ والإبداعِ.
إذا كانَ لليبيا مكانةٌ في محيطِها العربيِّ ودورٌ رائدٌ في أفريقيا والعالمِ، فمرّدُ ذلك إلى ثباتِ العشائرِ الليبيةِ في هذهِ البلادِ، والدفاعِ عنِ الأرضِ والعِرضِ. ولا ينسى الدكتور حفتر أنّ الحركةَ النضاليةَ التحريريةَ في ليبيا، قادَتْها القبائلُ في مواجهةِ الاستعمارِ، وقدَّمَتْ آلافَ الشهداءِ على مذبحِ الحريّةِ لليبيا وشعبِها، وتعرَّضَ أبناؤها للتعذيبِ والاعتقالِ والاضطهادِ، لكنهم لم يستسلموا للمحتلِّ، ولم يتخلَّوا عن قضيتِهِم في تحريرِ ليبيا منَ الاحتلالِ، حتى أنجزوا الاستقلالَ التامَّ الذي ينعمُ به أبناءُ هذا الوطنِ.
انطلاقاً من هذه المبادئِ، يؤمنُ الدكتور الصدّيق حفتر، بأنَّ العشائرَ والقبائلَ الليبيةَ كانتْ وستبقى حاضنةً ومدافعةً عنِ الدولةِ ومؤسساتِها، وستبقى الرافِدَ الأقوى لها عبرَ انخراطِ أبنائِها في مؤسساتِها الإداريةِ والأمنيةِ والعسكريةِ، كذلك فإنها تشكّلُ خطَّ الدفاعِ الأولَ والأخيرَ عن وَحدةِ الدولةِ، ولن تسمحَ بإقامةِ قوىً مرادفةٍ للدولةِ تهيمنُ على قرارِها أو تُقاسِمُها النفوذَ والسلطةَ، وهي التي بقيَتْ سدّاً منيعاً أمامَ حركاتِ التطرُّفِ والجماعاتِ التي حاولَتْ أو تحاولُ استغلالَ نقاطِ الضَّعفِ في مرحلةٍ مُعيَّنةٍ للدخولِ إلى المجتمعِ الليبيِّ واستمالتِهِ والهيمنةِ عليه.