المساعدات الجوية لغزة.. “الموت” القادم من السماء
أدهم الشريف- سارع مجموعة من المواطنين الباحثين عن رغيف الخبز إلى الاحتماء تحت سقف منزل دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية أجزاءً منه، خشية سقوط صناديق المساعدات الإغاثية الملقاة جوًا فوق رؤوسهم.
في الجوار وقف شبان في العراء يراقبون عن كثب الطائرات وهي تلقي صناديق الطعام والمساعدات الإغاثية دون مبالاة إن كانت مظلاتها ستفتح في الهواء الطلق، أم لا؟
كانوا تواقون للحظة ارتطامها بالأرض للانقضاض عليها وتفريغ حمولتها.
لقد أصبح هذا المشهد جزءًا أساسيًا من حياة المواطنين الباقين في الجزء الشمالي من قطاع غزة مع دخول الحرب الممتدة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شهرها السابع على التوالي.
ورغم ما تحمله المظلات المذيلة بصناديق ضخمة من وجبات غذائية ودقيق ومواد تموينية، إلا أنها تحولت إلى سبب للموت أيضًا في غزة علاوة على ترسانة القتل الإسرائيلية.
وشوهد في سماء محافظتي غزة والشمال من القطاع الساحلي، انفصال صناديق المساعدات عن مظلاتها بعد إلقائها من طائرات الإغاثة الجوية ما أدى إلى سقوطها بشكل حر فوق الأحياء السكنية.
وتركز إلقاء مظلات المساعدات على محافظتي غزة والشمال المفصولتيْن عن باقي محافظات قطاع غزة على إثر التوغل البري الذي بدأه الجيش الإسرائيلي يوم 27 أكتوبر 2023.
وتركت عملية الفصل البري تداعيات خطيرة على الأوضاع الإنسانية لدى أكثر من نصف مليون مواطن لم يستجيبوا لتهديدات إسرائيل بالنزوح إلى جنوبي القطاع وبقوا في محافظتي غزة والشمال.
ودفع هذا الأردن والولايات المتحدة الأمريكية ومصر وفرنسا والإمارات ودول أخرى إلى تسيير طائرات ألقت مؤخرًا المساعدات الإغاثية جوًا فوق شمالي القطاع.
لكن بعد أن تسبب سقوطها العشوائي بمقتل عدد من المواطنين أصبحت هذه المساعدات في نظر إسماعيل أبو سلطان غير مجدية إطلاقًا، ووصفها بأنها “جحيم قادم من السماء”.
وأبو سلطان يعيل أسرة مكونة من 10 أفراد، وقد فقد مصدر دخله الوحيد بعد تدمير مقر شركة محلية عمل بها لأعوام طويلة قبل أن تطالها الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة.
وينتظر هذا الرجل وهو في العقد الرابع من عمره، بشكل يومي قوافل المساعدات الجوية في الأحياء الغربية من مدينة غزة، حيث اعتادت طائرات الإغاثة على إلقاء حمولاتها هناك.
“أتواجد في ساعات الصباح وكذلك في المساء.. أحرص بشدة ألا أقف في مكان مفتوح حتى لا يسقط فوقي شيئ” أضاف أبو سلطان وبدا حريصًا على نفسه.
وهذا بعكس الشاب جمال شحادة الذي كان يسير في شارع المخابرات شمال مدينة غزة متجهًا إلى شاطئ البحر.
بدا شحادة البالغ (29 عامًا) ذو بنية جسدية قوية ومفتول العضلات. كان يحمل زعنفتين صغيرتين خاصتين بالسباحة، ويمشي وسط الشارع غير آبهًا بسقوط صناديق المساعدات.
عن سبب ذلك قال: إنه يريد استخدامها (الزعانف) للوصول سريعًا إلى صناديق المساعدات حال سقطت في مياه البحر.
وتساءل باستغراب: كيف لطيار يقود طائرة مزودة بأحدث أجهزة الإحداثيات أن يلقي بمظلات المساعدات في البحر؟
وأضاف “من يسعى لإغاثة مواطنين حرموا رغيف الخبز لن يفعل ذلك.. بالتأكيد لهم هدف آخر من وراء ذلك”.
وطبقًا لما أفادت به مصادر عبرية، فإن كاميرات مثبتة في مستوطنة “نتيف هعسراه” شرق غزة، وثقت سقوط المساعدات الغذائية على شمالي القطاع دون أن تفتح مظلاتها، في حادثة تكررت مع أكثر من طائرة ولعدة أيام.
ودفع ذلك الشاب حمودة حسنين الذي تزوج قبل بدء الحرب بأسبوع واحد فقط، إلى اتخاذ قرار حاسم بعدم التوجه إلى أماكن انتظار المساعدات الجوية بعد نجاته بأعجوبة من سقوط صندوق من طائرة مساعدات اغاثية بالقرب منه.
وقال حسنين: إن “حياتي أهم من أي طعام وغذاء.. سأتدبر أمري أنا وعائلتي”.
وفي الآونة الأخيرة تحولت معالم شهيرة في مدينة غزة إلى نقاط تجمع لعشرات آلاف المواطنين في انتظار المساعدات القادمة برًا، وأشهرها مفترق النابلسي على شارع الرشيد، غربًا، ومفترق الكويتي على شارع صلاح الدين، شرقًا.
وهذا كله بسبب المجاعة التي أوجدتها الحرب على غزة، وراح ضحيتها عشرات آلاف الشهداء والجرحى.