نعملُ على إدخالِ التجارةِ الداخليةِ في العصرِ الرقميِّ لتعزيزِ الاتصالِ بينَ مواطنِ الإنتاجِ والأسواقِ الداخليةِ
بِقلم الدكتور الصدًيق حفتَر:
تعتمدُ ليبيا في سياستِها التنمويةِ على القطاعاتِ الاقتصاديةِ لتنفيذِ مخطَّطاتِها التنمويةِ التي تسعى من ورائها إلى تحقيقِ أهدافِ السياسةِ الاقتصاديةِ العامةِ، وخصوصاً التوازناتِ الداخليةَ، مثلَ دعمِ النموِّ الاقتصاديِّ ومحاربةِ البطالةِ والتضخمِ، وهو ما جعلَ القطاعاتِ الاقتصاديةَ والتجارةَ الداخليةَ خصوصاً محوراً مهماً في عمليةِ التنميةِ الاقتصاديةِ في بلدِنا الحبيبِ.
لقد أكسبَ الموقعُ الجغرافيُّ لليبيا، إلى جانبِ توافُرِ الإمكاناتِ الاقتصاديةِ، دوراً مهماً وكبيراً في تنشيطِ عمليةِ التبادلِ التجاريِّ الداخليِّ، وكذلك نجحَتِ المواردُ الطبيعيةُ، من زراعةٍ وانتاجٍ حيوانيٍّ وصناعيٍّ، في مواكَبةِ النشاطِ التجاريِّ قَدْرَ المُستطاعِ على مدارِ السنواتِ الماضيةِ. فيما شكّلَتْ حركةُ الطُّرُقِ الداخليةِ والخارجيةِ، بحريةً وبريةً، البِنيةَ الأساسيةَ للحركةِ التجاريةِ، لأنها ضمِنَتِ الاتصالَ بينَ مواطنِ الإنتاجِ والأسواقِ الداخليةِ.
أما الأسواقُ بجميعِ أنواعِها، الزراعيةِ والصناعيةِ والتجاريةِ، فقد أدّتْ مهمةً اقتصاديةً واجتماعيةً. ففضلاً عن أنها كانت مكاناً للبيعِ والشراءِ، ما أسهمَ في حركةِ الرواجِ التجاريِّ، كانت أيضاً عالماً ملائماً للتلاقي الثقافيِّ والاجتماعيِّ.
إنّ النشاطَ التجاريَّ في ليبيا شكّلَ مجالاً حيوياً لحركةٍ تجاريةٍ، ليس على مستوى مُدُنِها وقُراها وتضاريسِها فحسب، بل تعدّاهُ ليكسبَ صفةَ “منطِقةِ التجارةِ العربيةِ والعالميةِ” عبرَ القاراتِ الثلاثِ، أفريقيا وآسيا وأوروبا، لشُهرةِ مُنتَجاتِها الزراعيةِ والحيوانيةِ، وحِرَفِها وصناعاتِها المختلفةِ.
واللافتُ في التُّجارِ الليبيين، أنهم لا يزالون يعتمدون في حركاتِهِمِ التجاريةِ الداخليةِ على الأسواقِ التقليديةِ، التي تقدِّمُ السِّلعً ذاتَ الطابَعِ المحليِّ، سواءٌ من المُنتَجاتِ الزراعيةِ أو المصنوعاتِ التقليديةِ، وكذلك على المحالِّ التجاريةِ الحديثةِ التي تعرِضُ المُنتَجاتِ المستورَدةِ، والتي يجري تبادلُها خلالَ الحركةِ التجاريةِ داخلَ المناطقِ، أو عبرَ تبادُلِ السِّلَعِ بين مناطقِ البلادِ المختلفةِ.
ونتيجةً لما واجهَهُ قطاعُ التجارةِ من صعوباتٍ كبيرةٍ تحدُّ من تطويرِهِ، فقد حاولَتِ الحكوماتُ المتعاقِبةُ تنشيطَ القطاعِ، بإجراءِ جملةٍ من السياساتِ؛ وهذا ما باشرْنا بهِ مع المعنيين من وزراءَ ومديرين عامين في القطاعِ العامِّ ومع كبارِ المسؤولين المعنيين في القطاعِ الخاصِّ من شركاتٍ ومؤسساتٍ ومنظماتٍ محليةٍ، وتتمثلُ في تكوينِ مؤسَّساتٍ مشرفةٍ إضافيةٍ على القطاعِ التجاريِّ، وإصدارِ جملةٍ من القوانينِ والتشريعاتِ المنظِّمةِ للعملِ التجاريِّ لمواكبةِ متطلباتِ العصرِ الرقميِّ وإدخالِ التعاملاتِ الرقميةِ، وتقديمِ الدعمِ الماليِّ للقطاعِ، والاعتمادِ على الشفافيةِ والحوكمةِ الرشيدةِ بشكلٍ أكبرَ مما هو عليه اليوم.
وانطلاقاً من إيمانِنا بأهميةِ وجدوى الشراكةِ بين القطاعين العامِّ والخاصِّ، أصدرْنا توجيهاتِنا للجهاتِ والوزاراتِ المعنيّةِ بإحداثِ تغييرٍ أساسيٍّ في توزيعِ السلعِ والخِدماتِ من خلالِ السماحِ للقطاعِ الخاصِّ بِلَعِبِ دورٍ رئيسيٍّ في التجارةِ المحليةِ على جميعِ المستوياتِ، واعتمادِ مفهومِ “التجارةِ الحرةِ” في شكلِ أفرادٍ أو عائلاتٍ أو مشاريعَ مشتركةٍ أو شركات مساهمة، وسيُسمَح للوكلاءِ التجاريين والوسطاءِ بمزاولةِ أنشطةِ توزيعِ السلعِ، وسيُدرَسُ إنشاءُ عددٍ إضافيٍّ منَ الغرفِ التجاريةِ، وإعطاءُ تجارةِ القطاعِ الخاصِّ أهميةً أكبرَ كنقطةِ انطلاقٍ لأنشطةِ التوزيعِ في الأسواقِ المحليةِ في ليبيا.