المسرحُ الليبيُّ ورؤيةُ الصدّيق لإعادةِ تفعيلِهِ
لا شكَّ في أنَّ الحركةَ المسرحيةَ في ليبيا تأثرَتْ كثيراً بدخولِ التقنيةِ، كالتلفزيون والكمبيوتر، وأخيراً الإنترنت ومواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ. كذلك أسهمَ الوضعُ السياسيُّ والاقتصاديُّ الراهنُ في تعميقِ مشكلةِ الثقافةِ عموماً، لا الحركةِ المسرحيةِ فقط، لأنَّ المعرفةَ والفنونَ لا تنمو إلا في المجتمعاتِ المُستقرةِ والتي تحظى بالأمانِ والرفاهيةِ، إذ إنّ الفنونَ والإبداعَ وليدةُ الراحةِ النفسيةِ.
ويتخذُ المسرحُ في ليبيا، على الصعيدِ التاريخيِّ، مكانةً مرموقةً بين باقي الأشكالِ الثقافيةِ والفنيةِ، حيثُ برزَ كأحدِ أهمِّ المعالمِ القائمةِ في المدنِ الأثريةِ الليبيةِ، كمدينةِ لبدة، ومدينةِ صبراتة، وقورينا. ولعلّ عُمرَ مسرحِ لبدة الذي بُنيَ في السنةِ الأولى قبلَ الميلادِ يُعطي دلالةً كبيرةً على أهميةِ المسرحِ وعراقتِهِ في ليبيا.
بدأتِ الإرهاصاتُ الأولى للعملِ المسرحيِّ في ليبيا من خلالِ الأشكالِ الفرجويةِ التي سبقَتْ معرفةَ المسرحِ عبرَ منحيين اثنين: المنحى الأول صوفيٌّ، يتمثلُ بالحلقاتِ الصوفيةِ، أو كما تُسمى في ليبيا بـ”الحضاري”، التي كانتْ تُقامُ داخلَ الزوايا الصوفيةِ وخارجَها احتفالاً بالمولدِ النبويِّ الشريفِ، ومثالُ ذلك الحضرةُ العيساويةُ والحضرةُ العروسيةُ.
أما المنحى الثاني، فهو اجتماعيٌّ، كالحكواتي، والرواية، والشيشباني، والبوسعدية، والطبيلة، وأمك طنبو، والقرقوز.
كذلك أسهمَتْ عواملُ عدةٌ في ظهورِ المسرحِ الليبيِّ، منها: زياراتُ الفِرَقِ الفنيةِ العربيةِ والأجنبيةِ للبلاد، وإسهاماتُ الفِرَقِ المدرسيةِ الإيطاليةِ.
بعدَ مُرورِ أكثرَ من 100 عامٍ على عُمرِ المسرحِ المعاصِرِ في ليبيا، يرى رئيسُ لجنةِ المصالحةِ الوطنيةِ الليبيةِ، الدكتور الصدّيق خليفة حفتر، وهو المعروفُ بأنه منَ الداعمينَ لكلِّ نشاطٍ ثقافيٍّ، أنّ من الضروريِّ إقامةَ ورَشِ عملٍ تحتضنُ المتخصصين الأكاديميين والممثلين والكُتّاب والمهتمين بالحركةِ المسرحيةِ في ليبيا للتباحثِ والتشاوُرِ في إيجادِ الحلولِ المناسبةِ لهذهِ الأزمةِ، وإقامةَ الدوراتِ التدريبيةِ للمعنيين، سواءٌ بالداخلِ أو الخارجِ للرَّفعِ من كفاءةِ العاملينَ في المسرحِ، إلى جانبِ إدماجِ القطاعِ الخاصّ في عمليةِ دعمِ المسرحِ للإسهامِ في الارتقاءِ بِهِ لتخفيفِ العبءِ عن كاهلِ مؤسَّسةِ الدولةِ.
ويدعو الدكتور حفتر إلى تشجيعِ المسرحِ المدرسيِّ، وضرورةِ وضعِ النصِّ المسرحيِّ كبابٍ من أبوابِ الأدبِ الذي يُدَرَّس في المدارسِ، معَ التركيزِ على المهرجاناتِ المدرسيةِ، وزيادةِ عددِ المراكزِ والأنديةِ الثقافيةِ والمهرجاناتِ المسرحيةِ التي من شأنِها أن تخلقَ روحَ المنافسةِ بين الفِرَقِ المسرحيةِ، ما يُسهِمُ كثيراً في الرفعِ من مستوى المسرحِ عموماً.
ويدعمُ الدكتور الصدّيق أيَّ نشاطٍ أو عملٍ من شأنِهِ تعزيزُ دورِ المسرحِ في ليبيا، وهو أسهمَ في فعالياتِ مهرجانِ الكرامةِ المسرحيِّ ودعمَها، ذلك المهرجانُ الذي أُقيمَ في مدينة بنغازي عام 2020 تحتَ شعارِ “أعطني مسرحاً فأعطيك شباباً ينبذُ التطرفَ والإرهابَ”، في دورتِهِ الأولى التي استمرَّتْ لمدةِ أسبوعٍ، وشهدَتْ عروضاً مسرحيةً متنوعةً.
وقد شاركَتْ في المهرجانِ العديدُ منَ الفِرَقِ المسرحيةِ والفنيةِ من مختلفِ مدنِ ليبيا، إلى جانبِ مجموعةٍ من الفنانين والشعراءِ، وأدباءَ وشخصياتٍ مسرحيةٍ عدةٍ.
وكانَ شعارُ المهرجانِ تأكيداً لدعمِ مدينةِ بنغازي للقواتِ المسلَّحةِ والجرحى، وأنَّ شبابَ المدينةِ والشبابَ الليبيَّ عموماً ينبذُ الإرهابَ والتطرفَ بكلِّ أشكالِهِ ويُحاربُهُ بالفنِّ والثقافةِ.
ويُحسَبُ للدكتور حفتر أنه من الذين يحبون كلَّ أنواعِ الشعرِ والثقافةِ بمختلفِ ألوانِها، بما فيها المسرحُ، وهو يعملُ دائماً على تعزيزِ دورِ الأدباءِ والكتّابِ والفنانين والإعلاميين والمهتمين بالشأنِ الثقافيِّ والإبداعيِّ.