نحوَ تحقيقِ دولةٍ ديمقراطيةٍ في ليبيا
تحتلُّ الديمقراطيةُ مكانةً مهمةً بالنسبةِ إلى الدولةِ ومواطنيها على حدٍّ سواءٍ، وهيَ أساسيةٌ لجعلِ المواطنينَ راضينَ عنِ العيشِ في هذا البلدِ أو ذاكَ وَفقاً لمِساحةِ الحريةِ المُعطاةِ لهم في التعبيرِ عن آرائِهِم والمشاركةِ في رسمِ مستقبلِهِم.
لقد شهِدَ العالَمُ الكثيرَ منَ التحوّلاتِ الديمقراطيةِ، وباتَتْ مسألةُ تعزيزِ الديمقراطيةِ في الكثيرِ من دُولِهِ أمراً أساسيّاً. وتختلفُ ظروفُ التحوّلِ الديمقراطيِّ من دولةٍ الى أخرى تبعاً للتحدياتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ. ومن خلالِ الرؤيةِ المستقبليةِ للدكتور الصدّيق حفتر “تحتاجُ ليبيا إلى اللِّحاقِ بالتغيُّراتِ التي حصلَتْ في العديدِ من دُوَلِ أفريقيا والعالَمِ، وتحقيقِ ديمقراطيةٍ كاملةٍ عبرَ تحسينِ نظامِ الحُكمِ والانتقالِ بِهِ إلى أرقى دَرَجاتِ الديمقراطيةِ التي تشمَلُ تطويراً في عناصرِ النظامِ السياسيِّ والبنيةِ الدستوريةِ والقانونيةِ والمؤسَّساتيةِ والسياسيةِ في البلادِ، ليكونَ هناك تغييرٌ جذريٌّ شاملٌ في بنيةِ المجتمعِ”.
ولتحقيقِ الديمقراطيةِ، لا بدّ من إيجادِ تعديلاتٍ دستوريةٍ تُرسِّخُ مبدأَ الفصلِ بينَ السُّلُطاتِ، وتعزيزِ الحرياتِ وإنجازِ تشريعاتٍ جديدةٍ تنظِّمُ الحياةَ السياسيةَ، ولا سيّما قوانينُ الانتخابِ وتعزيزُ أجواءِ العملِ السياسيِّ بمختلِفِ أشكالِهِ، وتطويرُ الأنظمةِ الداخليةِ لكلِّ الإداراتِ الخاصةِ والعامةِ.
ويرى الدكتور حفتر “في التعاونِ بين الدُّوَلِ أهميةً بالغةً لتجنُّبِ الوقوعِ في الحروبِ”، مؤكِّداً أن “تعزيزَ الحريةِ الشخصيةِ، والحقوقَ المتساويةَ، وإجراءَ انتخاباتٍ حرةٍ ونزيهةٍ، تساهمُ في تدعيمِ تلكَ العلاقاتِ، وخصوصاً مع دولٍ تتمتعُ بديمقراطيةٍ متطوّرةٍ”.
يتحقّقُ التحوّلُ الديمقراطيُّ في أيِّ دولةٍ من خلالِ وضعِ ترتيباتٍ دستوريةٍ ومؤسَّساتيةٍ بين الفاعلينَ الرئيسيين، بشأنِ النظامِ السياسيِّ الجديدِ، أي إضفاءِ الطابعِ المؤسَّساتيِّ على مؤسَّساتِ الدولةِ وإجراءِ انتخاباتٍ حرةٍ نزيهةٍ، واحترامِ حقوقِ الإنسانِ وحريّتِهِ وسيادةِ القانونِ وبناءِ مجتمعٍ مدنيٍّ قويٍّ ومتماسِكٍ.
لا يُخفي حفتر قلقَهُ منَ التحدياتِ التي قد تُواجهُ التحوّلَ الديمقراطيَّ في ليبيا التي مرّتْ بظروفٍ استثنائيةٍ شلَّتْ سلطاتِها التشريعيةَ والتنفيذيةَ والأمنيةَ، وعرقلَتْ تقدُّمَ البلادِ وأثّرَتْ بحياةِ المواطنين. لذلك يصرُّ على “تحقيقِ الاستقرارِ الذي يبقى المعادلةَ الأوحدَ لنجاحِ العمليةِ الديمقراطيةِ، وهي رؤيةٌ ملحّةٌ يمكنُ تعزيزُها من خلالِ المحافظةِ على كرامةِ الفردِ وحقوقِهِ الأساسيةِ وتحقيقِ العدالةِ الاجتماعيةِ، إضافةً إلى تشجيعِ التنميةِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ للمجتمعِ وتعزيزِ تماسُكِهِ”، مؤكداً “احترامَ حقوقِ الإنسانِ في الرأيِ والتعبيرِ وتطبيقِ سيادةِ القانونِ واجراءِ انتخاباتٍ عادلةٍ وتحقيقِ مبدأ فصلِ السلطاتِ واستقلالِ القضاءِ وترسيخِ مبدأ الشفافيةِ والمساءلةِ في الإدارة العامةِ”.
وختم قائلاً: “لا يمكنُ بناءُ دولةٍ ديمقراطيةٍ إذا لم تتوافرْ فيها مقوِّماتُها الأساسيةُ، وفي طليعتِها ضمانُ حقِّ التداولِ السلميِّ للسلطةِ، وحصولُ النُّخَبِ الحاكمةِ على تفويضٍ شرعيٍّ منَ الشعبِ بشكلٍ دوريٍّ ومنتظِمٍ من خلالِ عمليةٍ انتخابيةٍ حرةٍ عادلةٍ. المسألةُ الثانيةُ هي سيادةُ القانونِ الذي يكفلُ تحقيقَ الأمنِ والاستقرارِ من خلالِ العدالةِ والمساواةِ للجميعِ، تليها الشفافيةُ، وهي المقوِّمُ الثالثُ الواجبُ توافرُهُ والذي يضمنُ مبدأَ المحاسبةِ والمراقبةِ، وأخيراً مشاركة المواطنين في اتخاذِ القرارِ”.
ليبيا تزخرُ بأبنائها القادرينَ المحبّينَ لبلادِهِم وستتحققُ الديمقراطيةُ النموذجيةُ فيها طالما أنَّ هناك نيّاتٍ حسنةً محليّاً ودوليّاً تُجاهَها، تصاحبُها رغبةٌ جامحةٌ لدى الشعبِ الليبيِّ نفسِهِ في السعيِ من أجلِ بناءِ دولةٍ ديمقراطيةٍ حقيقيةٍ.