“مصير المنطقة” بين مخاض جبهة غزة.. والحرب الأميركية الواسعة
يوسف الصايغ – صحافي وكاتب سياسي ، في ظل التصعيد الميداني على مختلف الجبهات من غزة الى جنوب لبنان وصولا الى اليمن حيث العداون الجوي الإسرائيلي على ميناء الحديدة يبدو السؤال الأكثر إلحاحاً حول مصير المنطقة المتوقف حالياً عند مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وما يلي ذلك من خطوات يتضمنها الإتفاق الذي سبق الحديث عنه لا سيما الانسحاب العسكري الاسرائيلي من القطاع ومن محور فلادلفيا واعادة تشغيل معبر رفح، وعودة السكان الى شمال غزة وادخال شحنات المساعدات الى ما هنالك من بنود سيتضمنها الإتفاق المزعوم”.
لكن من يتابع تطورات الميدان وآخرها العدوان الاسرائيلي على ميناء الحديدة وما تلاه من غارة على منطقة أبو الأسود في جنوب لبنان لن يحتاج الى الكثير من جهد والتفكير من اجل إكتشاف حقيقة الموقف الإسرائيلي، وهو أبعد ما يكون عن التهدئة والذهاب فعلا نحو وقف لإطلاق النار في غزة، ما يعني حكماً وقفاً للأعمال الحربية على مختلف جبهات محور المقاومة وفي مقدمها جبهة جنوب لبنان.
في السياق ترى مصادر في المقاومة من خلال بانوراما تستعرض فيها ظروف وأجواء تنفيذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر حيث كانت الإدارة الأميركية السابقة قامت بإنجاز إتفاقات التطبيع مع عدد من الدول العربية والخليجية بموجب ما سمي بالإتفاقيات الإبراهيمية، والى ما هنالك من خطوات كانت تهدف للوصول الى الهدف الأهم بالنسبة لها وهو إنهاء وجود القضية الفلسطينية على أرض الواقع، وذلك من خلال ضم الضفة الغربية الى سلطة كيان الاحتلال، إنهاء حق العودة، ووضع القدس وباقي المقدسات في فلسطين تحت نظام حكم خاص، وإتمام عملية الترانسفير، وهذا ما يتيح للولايات المتحدة التفرغ لمواجهة ما تعتبر أنها “أخطار” تهدد وجودها على رأس هرم السياسة الدولية والقوة الاقتصادية عالمياً وفي مقدمها التمدد الصيني والدور الروسي المتنامي عسكريا، ومن هنا يمكن تفسير العملية العسكرية في أوكرانيا بهدف إظهار روسيا عدواً للغرب وأوروبا، الى جانب إفتعال التوترات في شرق آسيا، وصولا الى الخطر الداهم الذي بات يهدد المشروع الأميركي ألا وهو تعاظم قوة ونفوذ محور المقاومة في المنطقة تزامناً مع التحضير للانسحاب الاميركي من المنطقة والذي ترجم في أفغانستان، تمهيدا للتفرغ من أجل التحضير فعلياً لمشروع المواجهة الاميركية مع روسيا والصين.
ووفقا لرؤية وقراءة مصادر المقاومة أنه “وفي ظل هذا المشهد الجيوسياسي جاءت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر لتقوض المشروع الهادف الى إنهاء القضية الفلسطينية، بما حملته هذه العملية من معادلات ضربت بعرض الحائط كل المشاريع والمخططات التي كانت قائمة لإنهاء سردية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، والعمل جدياً لإستكمال مشروع قناة بن غوريون بهدف الربط بين خليج العقبة والبحر الأبيض المتوسط، وإستكمال وضع اليد على ثروة الغاز الموجود قبالة شاطىء غزة وإبرام اتفاقات اقتصادية لا سيما مع أوروبا التي باتت بحاجة الى تعويض نقص الغاز الروسي”.
وبناء على ما سبق فإن المقاومة ومحورها على إقتناع تام بأن الحرب على غزة تتم بقرار وقيادة مباشرة من الولايات المتحدة الأميركية، حيث تدفع إدارتها بهذه القوة النارية المفرطة في غزة من أجل القضاء على المقاومة بشكل نهائي، وهذا ما يفسر الدعم الأميركي اللامحدود لجيش كيان الاحتلال بالسلاح والذخيرة والأموال، فالأهداف المتوخاة من الحرب على غزة ليست أميركية بقدر ما هي مرتبطة بالإستراتيجية الأميركية في المنطقة، وهذا ما يفسر قرار محور المقاومة في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى بإتخاذ قرار الدخول في جبهة إسناد غزة، حيث نرى كيف ان جبهة الإسناد تلعب دورا في خلق نوع من التوازن الاستراتيجي من جهة وحالة ردع من جهة ثانية، كما أن هذا المحور يلحق الخسائر بقوات العدو ما يؤدي الى عرقلة خططها الميدانية وهذا ما ظهر واضحا حيث ان الحرب مستمرة منذ عشرة أشهر وحتى اليوم دون تحقيق أي هدف حقيقي، سوى ارتكاب المزيد من المجازر واراقة دماء أبناء الشعب الفلسطيني، وآخرها مجازر خان يونس ومخيم الشاطى والنصيرات تحت ذريعة استهداف قادة المقاومة”.
وفي خضم هذا المخاض على جبهة غزة والحرب المستمرة بلا هوادة ودون أي أفق في المدى المنظور، بات واضحا ان كيان الاحتلال يعمل من أجل تحقيق إنتصار في السياسة يعوض هزيمته في الميدان، وهذا ما يفسر الإصرار الإسرائيلي على إتمام صفقة لإستعادة الأسرى على أن يتم إستئناف الحرب بعدها على غزة، لكن مصادر المقاومة تؤكد ان “المقاومة في غزة وباقي المحور ليسوا بصدد تقديم أي تنازلات للأميركي ومن خلفه نتنياهو وكيانه، والعمل حالياً هو من أجل تثبيت إنجازات الميدان للبناء عليها في اليوم التالي للحرب، إنطلاقاً من الساحة الفلسطينية حيث ان المقاومة تمد يدها الى جميع المكونات على الساحة الفلسطينية من حركة فتح الى باقي الفصائل والتشكيلات والقوى السياسية من اجل خرق شراكة حقيقية في القرار والقيادة، ما يساهم بأن تصبح السلطة الفلسطينية المقبلة أحد شركاء محور المقاومة في إدارة المشهد على مستوى المنطقة”.
وإنطلاقا من هذه الرؤيا فإن الحرب مستمرة في الوقت الحالي بظل عدم توفر البيئة المطلوبة لإنجاز أي إتفاق حقيقي وفعلي ينهي الحرب بالشكل المطلوب بعيداً عن الإملاءات والشروط الأميركية بغلاف إسرائيلي، ولعل هذا ما يفسر التهديد الإسرائيلي بتوسعة الحرب على جبهة لبنان كوسيلة للضغط بهدف تحقيق مكاسب سياسية، علما ان قيادة جيش الاحتلال تدرك عجزها عن الدخول بأي مواجهة على الجبهة الشمالية، لكن هذا التهديد يندرج في سياق المماطلة التي يقوم بها نتنياهو لتخفيف الضغط عليه في الداخل، وهو يريد شراء المزيد من الوقت عبر الإيحاء بأنه إيجابي ويريد انجاز صفقة انهاء الحرب واستعادة الأسرى، بينما هو فعليا يدفع نحو استمرار الحرب بظل رهانه على وصول ترامب الى سدة الرئاسة الاميركية، وذلك لأن نتنياهو يدرك عجز الادارة الاميركية الحالية عن اتخاذ قرار يردعه عن استكمال عدوانه على غزة، لهذا يقوم بالمناورة عبر طرح بعض البنود في الصفقة ومن ثم التراجع عنها ما يعني استهلاك المزيد من الوقت، ريثما تدخل الادارة الاميركية الحالية في المرحلة الفعلية لانتخابات الرئاسة ما يعني عدم قدرتها على فرض اي شروط على نتنياهو”.
وتختم مصادر المقاومة في شرح رؤيتها وتصورها بين مشهدية الميدان والحراك السياسي، بالتأكيد على ان الدولة العميقة في الولايات المتحدة الاميركية تعمل على تهيئة الظروف لإنجاز مشروعها الهادف للقضاء على المقاومة في المنطقة نهائيا، فالأميركي يحضر للمعركة التي تريدها واشنطن وفق التوقيت الذي تراه هي مناسبا لها، وعايها فإنها تمارس ما يسمى بـ”الخداع الاستراتيجي” حيث توحي بأنها تريد الدفع نحو إنهاء الحرب في غزة واتمام الصفقة، ومن هنا فإن كل ما يتم ترويجه إعلامياً لا يخرج عن إطار البروباغندا الإعلامية، بهدف تحميل حركة حماس والمقاومة الفلسطينية مسؤولية فشل المفاوضات، بينما الواضح ان زيارة نتنياهو الى الولايات المتحدة لن يكون الهدف منها خطابه في الكونغرس، بل الإتفاق الضمني مع الدولة العميقة الحاكمة في واشنطن على توقيت الحرب الواسعة في المنطقة”.