التعايشُ السِّلميُّ الوطنيُّ هو الدِّرعُ الأساسُ في حمايةِ الأمنِ المجتمعيِّ منَ المخاطرِ
مما لا شكَّ فيهِ، أنَّ الاختلافَ سُنَّةٌ من سُننِ الحياةِ، وأنَّ التنوعَ إرادةُ اللهِ في الحياةِ. فالاعترافُ بحقيقةِ ذلكَ يُجنِّبُ الإنسانَ الخوضَ في عنفٍ وصراعٍ مع مَن يُخالفونهُ الرأيَ، ويجعلُه يقبلُ بالتعايشِ معَهُمْ، حتى وإنْ كانوا على النقيضِ منه تماماً، في ثقافتِهِ ومبادئِهِ وأفكارِهِ.
لقد أصبحَ التعايشُ السِّلميُّ ضرورةً إنسانيةً لتسويةِ العلاقاتِ على المستويَين، الوطنيِّ والدَّوليِّ، إذ إنَّ البديلَ هو العنفُ والصِّراعُ وما يترتَّبُ عنهُما من آثارٍ كارثيةٍ، وهذا البديلُ رفضناهُ في الماضي، ونرفُضُهُ اليومَ، وسنرفُضُهُ في المُستقبَلِ.
إنَّ العلاقةَ الوثيقةَ بينَ التعايُشِ السِّلميِّ والأمنِ المُجتمَعيِّ تدعونا إلى التوقفِ عندها، نظراً لأهمِّيتِها، وخصوصاً في هذهِ المرحلةِ الانتقاليةِ التي يمرُّ بها بلدُنا العزيزُ ليبيا، إذ يُعَدُّ التعايُشُ السِّلمِيُّ أحدَ المفاهيمِ المحوريةِ والضروريةِ لإدارةِ التنوُّعِ في المجتمعِ الليبيِّ بشكلٍ سليمٍ، وتحويلِ هذا التنوُّعِ إلى قوةِ دفعٍ لتعزيزِ الأمنِ، وإرساءِ السلامِ في القلوبِ والسلوكياتِ والتصرفاتِ، بينَ أبناءِ شعبِنا الحبيبِ.
وهنا أودُّ أن أؤكِّدَ ثقتي بأنَّ اكتمالَ هذهِ المشهديةِ بعناصرِها ومراحلِها كافةً يُسهمُ في تحقيقِ التقدُّمِ والازدهارِ، وبالطَّبعِ لا يُمكِنُ ثقافةَ التعايُشِ السِّلميِّ أن تُحقِّقَ الأمنَ المجتمَعِيَّ بينَ ليلةٍ وضحاها، لكنَّ الأكيدَ أنّه إذا نجحَ كُلٌّ منا في لعِبِ الدورِ المطلوبِ منهُ في هذه المُعادَلةِ الوطنيةِ، سننجحُ في فترةٍ ليستْ بطويلةٍ في تحويلِها إلى واقعٍ في كلِّ المُدُنِ والقُرى الليبيةِ.
وفي هذا السياقِ، يقعُ العبءُ الأكبرُ على المثقَّفينَ والشيوخِ والوُجَهاءِ من أجلِ إبعادِ شَبَحِ التطرُّفِ وحالةِ الجُمودِ الاجتماعيِّ بينَ مُكوِّناتِ المُجتمَعِ الواحِدِ، وإبعادِ الصِّراعاتِ العِرقيةِ أوِ القَبَليةِ، والنَّزعاتِ النفسيةِ والضَّغينةِ بين أفرادِ المُجتمَعِ بِمُختلِفِ انتماءاتِهمِ المُتعدِّدةِ للطوائفِ والقومياتِ، فهنا تقعُ المسؤوليةُ عليهِم في زَرعِ روحِ المحبةِ والتسامُحِ وقَبولِ الآخَرِ والانسجامِ في الأجيالِ المتعاقِبةِ، وإشعارِهِم بضرورةِ التآخي والعيشِ كأخوةٍ في الإنسانيةِ، وهذا ما يُساهمُ في تقويةِ العَلاقاتِ بينَ أفرادِ المجتمعِ الواحدِ، وبالتالي في حمايةِ الأمنِ المجتمعيِّ وصَونِهِ.
وعلينا ألّا ننسى أنَّ التعايُشَ سُلوكٌ وعاداتٌ سامِيَةٌ ورائعةٌ، تُبذَرُ في الأجيالِ لتنموَ بطريقةٍ راقيةٍ، ويُولَدُ معَها مجتمعٌ سالمٌ منَ الآفاتِ الاجتماعيةِ.
وفي الختامِ، وبعدَ التجارِبِ المؤلمةِ التي عاشَتْها ليبيا في أكثرَ من محطةٍ سياسيةٍ وتاريخيةٍ، تبلورَتْ في الأذهانِ ثقافةُ التعايُشِ السِّلميِّ وأهميَّتُها كجُزءٍ جوهريٍّ لبقاءِ الأفرادِ والمجتمعاتِ، وهي أيضاً صِمامُ أمانِ الأزماتِ التي قد تُواجِهُ أيَّ بلدٍ، حيثُ إنّ حُسنَ التعايُشِ والتسامُحِ لا يأتي من فراغٍ، بل من جُهدٍ متواصِلٍ يبدأُ بالنَّواةِ الأولى، وهي العائلةُ، ثمَّ البيئةِ الاجتماعيةِ، فقوانينِ الدولةِ وإجراءاتِها المؤديةِ إلى احترامِ كُلِّ مكوِّناتِ المجتمعِ الليبيِّ وأطيافِهِ، حيثُ يُبنى من خلالِ هذه السلوكياتِ النموذجيةِ والقيمِ النبيلةِ الفردُ الذي سيكونُ إحدى الخلايا المُهمّةِ لتقريرِ مصيرِ المجتمعِ بأكملِهِ.