من حلم الإتحاد إلى كابوس حرب مدمرة للبشر والحجر
منصات صواريخ تُنصَب على الحدود، كلٌ منها قادرةٌ على محو مدنٍ كاملة، حشودٌ عسكرية جاهزة للزحف، وطائرات تنتظر أوامر التحليق لبدء الغارات، جيشان بعددهما وعتادهما في حالة استنفارٍ قصوى، رائحة الحرب تعبق بها الأجواء على الحدود، خوفٌ وتوجس من حربٍ تقترب قد لا تُبقي ولا تذر بين الجارين الشقيقين المغرب والجزائر.
الرعب لا يقتصر على عداء البلدين لبعضهما، بل لانخراط قوىٍ عظمى في النزاع الذي يلوح في الأفق، فأمريكا حاضرةٌ في المغرب والصين تزداد تمددًا بالجزائر، التي تحتفظ روسيا بإرثٍ عسكريٍ كبيرٍ أيضًا فيها؛ لتبدو أن الفرصة باتت سانحةً للثلاثة الكبار تجريب أسلحتهم ونفوذهم بنزالٍ لا يُضيرهم في ساحة حربٍ عربيةٍ عربية، بالاستفادة من تأزم غير مسبوقٍ اليوم بين المغرب والجزائر، رغم أنَّه ليس وليد اللحظة؛ بل تراكم سوء جوارٍ استنزف البلدين لعقود، فما أن تتهم الرباط الجزائر بدعم انفصالي جبهة البوليساريو بالصحراء الغربية، حتى ترد الجزائر بإدانة إثارة المغرب قضية شعب القبائل وحقه بالانفصال.
لتظل معضلة الخلافات بين الجزائر والمغرب مستعصية على الحل، تهدأ حينًا وتقتصر على التصريحات العدائية، وتتفاقم أحايين؛ فتصل حد قطع العلاقات والقصف الحدودي والتلويح بالحرب، وبين هذا وذاك تنشط قوى عالمية بمحاولة تغيير قواعد الاشتباك لصالح هذا أو ذاك، ولعب دورٍ محوريٍ يصل حد أن يكونوا أطرافًا في أي حربٍ قد تندلع.
فإنْ كانت المغرب الزبون الأول للأسلحة الأمريكية في المنطقة، ما زالت روسيا أبرز موردي أسلحة الجزائر، قبل أن يصعد نجم الصين فجأة فيها؛ حتى باتت الجزائر ما بين سنتي 2016 و 2020 ثالث أكبر مستوردٍ للأسلحة الصينية بعد باكستان وبنجلاديش.
من كلاشنكوف حتى S-500، رغم رفض الجزائر وجود قاعدة عسكرية روسية على ترابها، ما زال هذا البلد عربي الأفريقي أهم أعمدة الحضور العسكري الروسي بالشرق الأوسط، إذ لا يقتصر الأمر على أصغر قطع الأسلحة مثل بندقية كلاشنكوف الروسية، ولا على أضخمها مثل منظومة S-400 , S-500 التي تعتزم الجزائر شرائها.
إذا زودت موسكو الجيش الجزائري بين عامي ألفين وأربعة عشر وألفين وثمانية عشر بما نسبته 66% من الأسلحة الموجودة بالجزائر، حتى باتت المستوردة الأكبر للسلاح الروسي في القارة الأفريقية، وفي عام ألفين وثمانية عشر كانت الجزائر مسرحًا لنصف مبيعات الأسلحة الروسية إلى أفريقيا، ومع حلول عام ألفين وعشرين اتجهت روسيا لبناء أكبر مركزٍ عسكريٍ في الجزائر.
إضافةً لتحديث أسطول الجزائر من طائرات سو-35 من طراز إم تو الموجهة خصيصًا للجيشين الروسي والجزائري فقط، كما وافقت موسكو على تزويد الهند للجزائر بصواريخ براهموس الاعتراضية، وصواريخ عكاش أرض جو التي تصنعها نيو دلهي بامتيازٍ روسي، لجانب بيع روسيا مؤخرًا طائرات سو-35 المتقدمة للجزائر، فيما يبدو أن روسيا تُعجِّل اليوم تزويد الجزائر بأولى دفعة من طائرات سو-57 القريبة في أدائها من طائرة إف-35 الأمريكية، تحسبا لأي مواجهةٍ أو حربٍ محتملةٍ مع المغرب، علاوة على مسيرة إس-70 مع اتفاق مبدئي روسي جزائري على تجميع ميج-35 بعد نجاحها في تجميع ميج-29.
نار التنين في الجزائر، ليست روسيا وحدها من تريد أن تذوق ترسانات أسلحتها بعض حرارةٍ أي حرب بين الجزائر والمغرب، فالصين التي باتت ركنًا رئيسيًا من اقتصاد الجزائر، ويزداد نفوذها الاقتصادي وتوسعها في البلاد يومًا بعد يوم، بعد أن قفزت واردات الجزائر الصينية من مئتين وثلاثين مليون دولار فقط سنة 2001 إلى حوالي سبعة مليارات دولار في سنة 2019، فيما وصلت صادرات الجزائر إلى الصين لمليار دولار من الغاز والنفط.
إلَّا أن الشراكة الشاملة لم تعد حكرًا على نواحي الاقتصاد كالإسكان والتعدين والبنية التحتية؛ حتى باتت الصين ثاني أكبر مورد أسلحةٍ للجزائر بعد الروس، ونمت العلاقة العسكرية لدرجةٍ جعلت واشنطن تتهم الصين بمساعدة الجزائر على إنتاج أسلحة نووية، ورغم أن التعاون العسكري بين الجزائر وبكين بدأ عام 1971 بتدريب ضباطٍ عسكريين جزائريين في الصين، لكن كرة ثلج الأسلحة تدحرجت حتى باتت الجزائر اليوم ثالث أكبر مشترٍ بالأسلحة الصينية في العالم.
حيث كانت الجزائر أول دولة إفريقية تستورد أنظمة الصواريخ الصينية المضادة للسفن من نوعي سي ثمانمائة واثنين، سي إس أن أن ثمانية، إضافة لراجمات متعددة الصواريخ من نوع أس أر خمسة، ومدافع هاوتر ذاتية الدفع إل زد خمسة وأربعين عيار مئة وخمسة وخمسين مللي، كما زودت بكين والجزائر بأنظمة صواريخ متطورة من الجيل الثالث إتش جاي اثني عشر المضادة للدبابات، المعادلة لأسلحة جافلن الأمريكية، لتصبح الجزائر أول دولة إفريقية تحصل عليها.
كما اشترت الجزائر من الصين سفينة حربية وأسمتها الفاتح مع الاتفاق على تسليم الجزائر طرابات عسكرية ثقيلة متطورة قريبًا، الجزائر حصلت من الصين أيضًا على طائرات بدون طيار من طرازين سي إتش ثلاثة وسي إتش أربعة، وتجمع بين مهام المراقبة والقتال، إضافة لأربعٍ وعشرين طائرة مقاتلة من طراز وينج لونج اثنين من شركة أَفيك، ما يزيد التوقعات بأنْ تُزيح بكين موسكو خلال سنوات عن عرش الأسلحة بالجزائر.
أسلحة العم سام بالمغرب، منذ ردحٍ من الزمن لم تتوقف الولايات المتحدة عن التفكير أن شراكتها وتحالفها مع المغرب ليس مرحليًا أو مستجدًا، بل بدأ بحسب واشنطن منذ كانت المغرب أول دولة بالعالم تعترف باستقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا في سنة ألفٍ وسبعمائةٍ وستٍ وسبعين.
واليوم ما زالت أمريكا تعتبر المغرب أهم حلفاء الولايات المتحدة خارج حلف الناتو، وهو ما أكده اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء الغربية؛ لِتُضحي الولايات المتحدة بآخر شعرةً كانت لها مع الجزائر، وترسيخ العلاقات مع المغرب الذي يحصل سنويًا على معونة أمريكية تُقدر بأربعين مليون دولار لتطوير التعليم والحوكمة المحلية.
وإضافةً إلى صفقات الأسلحة السنوية بين واشنطن والرباط بملايين الدولارات، يُجري الجيشان حوالي مائة تدريبٍ ومناورة مشتركةٍ سنويًا؛ كان أهمها في يونيو ألفين وواحدٍ وعشرين، عندما خاض الجيشان تدريبًا عسكريًا هو الأكبر من نوعه في تاريخ القارة الإفريقية، حمل اسم الأسد الأفريقي، إضافةً إلى أنَّهُ تضمَّن محاكاة تدمير صواريخ إس أربعمائة التي يعتقد أن الجزائر تمتلكها، وتشير الإحصاءات إلى سيطرةٍ شبه كاملة للولايات المتحدة على مشتريات السلاح المغربية بنسبةٍ تصل إلى 91%.
بينما تأتي فرنسا في المرتبة الثانية بتسعة بالمائة، ما يجعل المغرب الدولة الأولى التي تستورد السلاح الأمريكي في المنطقة، خاصةً بعد أن طبقت شهرة صفقة الأسلحة عام ألفين وتسعة عشر الآفاق، إذ قُدِرَت قيمة الصفقة الضخمة بعشر مليارات دولار تضمنت خمسًا وعشرين طائرة إف ستة عشر، وستًا وثلاثين مروحية من نوع أباتشي، وصواريخ تاو، وحاملات صواريخ، وتطويرات لسرب إف ستة عشر التي يملكه المغرب بالفعل.
كما تبعتها المغرب بصفقةٍ أخرى لتزويدها بستٍ وثلاثين طائرةً مروحية هجومية من طراز بوينج أباتشي، بقيمةٍ إجمالية بلغت أربعة فارز خمسة وعشرين مليار دولار، إضافةً لاقتناء معدات عسكرية وصواريخ ورادارات.
وفي ألفين وعشرين أبرمت الرباط صفقة تسلحٍ جديدةٍ مع الولايات المتحدة لتزويدها بعتادٍ حربيٍ للدعم لوجيستي بقيمة مائتين وتسعة وثلاثين فارز خمسة وثلاثين مليون دولار، متضمنًا خمسًا وعشرين مركبة مدرعة ذات قدراتٍ عالية، وخمسة وعشرين مدفعًا رشاشًا، وخمسةً وعشرين نظام اتصالٍ أرضي، ونظم راديو محمولة جوًا.
إلى جانب خمسةٍ وعشرين جهازٍ لتحديد المواقع والرصد ومكافحة التشويش وقنابل دخانية؛ لتصبح الصفقات الثلاث الأخيرة للمغرب الترسانة الأهم التي ستعتمد عليها بأي صراعٍ مع الجزائر، ليحصد البلدان ما زرعاه خلال سنين من سباق تسلحٍ محتدم غذته أمريكا وروسيا والصين، ما انعكس على ميزانية الدفاع المتضخمة خلال العقد الأخير للبلدين.
إذ يعتزم المغرب إنفاق اثني عشر فارز ثمانية مليار دولار في ميزانية التسليح سنة ألفين واثنين وعشرين، بزيادةٍ تُقدر بأربعة فارز سبعة وسبعين بالمئة، مقارنةً بميزانية السنة الماضية، بينما زادت الجزائر نحو سبعمائة مليون دولار إلى ميزانية تسليح عام ألفين واثنين وعشرين، لتبلغ تسعة فارز سبعة مليار دولار.
في ظل توقعاتٍ أن يزيد إنفاق الجانبين لملايين إضافية، مع عزم كل منهما إقامة قاعدةٍ عسكريةٍ على الحدود فيما بينهما، بينما ستتعدى تكاليف أي حربٍ مليارات الدولارات إلى تدمير الحجر والبشر.
وبالعودة إلى التاريخ فإنَّ بعض مصادرهِ زعمت أن الرئيس الجزائري الراحل هواري بو مدين قال ذات مرة خلال اجتماع مع مؤسسي جبهة البوليساريو في السبعينيات: “سأضع حجرًا في نعل المغرب”؛ في إشارة لدعمه لمساعي البوليساريو تأسيس دولة مستقلة في الصحراء الغربية، قبل أن ترد الرباط الحجر بمثله لتدعم انفصال منطقة القبائل عن الجزائر.
فترى كمت الحجارة حتى باتت جبلًا ضخمًا قد ينفجر حربًا بأي لحظة تُدمِر المغرب والجزائر وتُنعِش خزينة أموال الأسلحة في أمريكا والصين وروسيا.
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية
د.خالد زين الدين