مروان الحريري كاتب لبناني ،وباحث في مجال علم النفس ..له عدة أبحاث في التأمل والصوفية والفلسفة وعلم النفس .. عن تركيبة النفس البشرية والمعتقدات

أعود وأكتب عن النفس لأن كل مشكلات الإنسان وسلوكه وتطلعاته هي نتائج لتركيبته النفسية.

وبغية التوضيح، أود أن اطرح سؤالاً : ما هو العامل الأساسي الذي يفرق بين شخصية أدولف هتلر من جهة والمهاتما غاندي من جهة أخرى؟؟

غاندي قاد الشعب الهندي في ثورة نحو الاستقلال من الاحتلال الإنكليزي( آنذاك) دون أن يريق قطرة دم واحدة، بينما هتلر أشعل حرباً ودماراً على مستوى العالم، نتج عنه موت ما يقارب الثمانين مليون انساناً.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا : لو بدلنا الأدوار بين غاندي وهتلر، هل ستبقى النتائج على ما هي؟؟؟

إن تركيبة النفس البشرية هي تركيبة معقدة جداً، ومنذ ما يقارب القرنين أجريت دراسات معمقة وما زالت حول هذه النفس وتكوينها ،وعملها، وكيف تتأثر؟ وكيف تنمو؟ وحتى يومنا هذا عكف علماء النفس على اكتشافها واكتشاف خصائصها وتأثرها بالعوامل الاجتماعية والوضع الاقتصادي والثقافي وحالة الوعي والتربية لكل إنسان ، وقد اثبت بعض العلماء ان النفس عند البعض تتأثر بيولوجياً بالخصائص والجينات الوراثية.

وتخضع تركيبة النفس لعدة خصائص خلال تكوّن الإنسان ونموه،وهذه الخصائص بعضها مخيّر والآخر مسيّر وهي :

مرحلة الطفولة، تقييم الذات، طبيعة العلاقات الاجتماعية، الثقافة، مستوى النضوج الفكري، المشاعر، التقاليد والموروثات والمعتقدات.

مرحلة الطفولة والعادات والتقاليد والموروثات هي عوامل مسيّرة، ذلك لأننا نتربى عليها ونتشربها في الحقبة الأولى من حياتنا وهي تساعدنا على التأقلم في المجتمع الذي نعيش فيه وعلى فهم طبيعة العلاقات الاجتماعية، اما في مرحلة النضوج نستطيع أن نميز بين التقاليد والموروثات التي نحن بحاجة لها عن التي يجب الاستغناء عنها.

بالنسبة لتقييم الذات وبناء علاقاتنا مع الآخرين والنضوج الفكري والمشاعر فهي خصائص مخيّرة.

المشكلة ان مرحلة الطفولة تترك لدى البعض ترسبات سلبية ترافقه طيلة حياته ويحاول ان يكتمها في اللاوعي. ولأنها تذكر صاحبها بالنقص والضعف وأحياناً بالظلم ربما تسبب له حالة من الاكتئاب واليأس فيكبتها باللاوعي ويحاول ان يرتاح منها.

الشعور بالضعف والنقص قد يتحرر من اللاوعي يوماً ويدفع بصاحبه إلى ارتكاب أعمال عنيفة وشرسة وبطولات خارقة هدفها التغلب على حالة الضعف والنقص المكبوتتين واسترجاع الكرامة وقد تصل هذه الأعمال إلى حدود التدمير والوحشية

ومن الممكن ايضاً ان تكون في منتهى التواضع والتفاني الأنساني.

وهنا استحضر ما قاله في هذا المجال سيغموند فرويد: “المشاعر المكبوتة لا تموت ابداً بل تدفن في أعماقنا الحية، ولسوف تعود للظهور ثانية بطرق أبشع بكثير”.

والذي يحدد اتجاه هذه الأعمال العنيفة او حالة التفاني الأنساني هي المعتقدات التي يؤمن بها الفرد ويمارسها.

غاندي مثلاً اختار تعاليم بوذا وفلسفته ودينه كبوصلة لسلوكه في الحياة.

وتتلخص معتقدات البوذيين بالتقشف، والايمان بقدسية الروح، والسلام، وممارسة تطهير النفس من الخطيئة، التحابب الأنساني وتناول الغذاء النباتي الخالي من اللحوم كون الحيوانات لها أرواح.

غاندي خلال حياته مارس كل هذه المعتقدات وكان مخلصاً لها فرفض العنف خلال محاربته للانكليز وأبى ان يضحي بأرواح الناس وفي النهاية انتصر بالسلم على الحرب وحقق استقلال بلاده وشعبه عن طريق المحبة والسلام.

اما ثقافة هتلر فقد تأثرت تأثراً كبيراً بكتابات الفيلسوفين الالمانيين “ارتور شوبنهاور” و”فريدريك نيتشه” وكلاهما كانا متشائمين ومتطرفين في فلسفتيهما الأول كان يؤمن ويدعو “للقومية الالمانية” والأخير يؤمن ب “ارادة القوة” والذي دفع الفوهرر إلى اعتناق هاتين العقيدتين هي معاناته في طفولته حيث تعرض لكم كبير من العنف على يد ابيه الصارم والعنيف مما جعله يكبت مشاعره وضعفه واحساسه بأنه ضحية، وهكذا رأى هتلر تلاؤماً بين ما عاناه في الطفولة والعقيدتين المذكورتين أعلاه.

هذان النموذجان هما مثالان واضحان عن طبيعة التركيبة النفسية عند الإنسان التي لا تحدد فقط مصير صاحبها بل تتعداه لتصيب محيطه ومجتمعه؛

في القرآن الكريم وردت تسمية النفس وأنواعها على الشكل التالي:

-النفس الإمارة بالسوء(تكلمت عنها في مقال نشر سابقاً)

-النفس اللوامة

-النفس المطمئنة.

وهنا أود أن ادعو إلى ممارسة تطهير النفس من الخطايا ولنكن حذرين مما نعتنقه من عقائد تجعل حياتنا وحياة من حولنا جحيماً

ولنبحث لأنفسنا عن مذهب إنساني ملؤه المحبة والسلام والعطاء.

الصورة : لوحة للفنان العالمي Avik mitra

Last Update: Tuesday, 22 December 2020 KSA 21:33 – GMT 18:33

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *