إستثمارٌ أم إستعمارٌ صِينيٌ في العراق .
ما السر خلف تدفُّق الأموال الصينية في العراق؟
وهل هي وسيلة للسيطرة على العراق وموارِدهُ كالنفط وغيره ؟
تشين شوانزونج، هو رجل أعمال صيني،
ما قصة هذا الرجل الغامض؟!
يكاد تشين بأن يكون أهمَّ رجل أعمال صيني في العراق حاليًا، حيثُ بدأ رحلته في منطقة الشرق الأوسط من دولة الإمارات، وعمل هناك ممثلاً لشركة «نورينكو»؛ وهي شركة عسكرية صينية عملاقة تملكها الدولة الصينية، تمتدُّ أنشطتها الواسعة في كلِّ المجالات، بدايةً من إنتاج حليب الأطفال، وصولاً لصناعة الصواريخ المضادة للدبابات.
في عام ألف وتسعمائة وتسعة وتسعين نُقِلَ “تشين” للعراق، عندما بدأت بعض الشركات الصينية بممارسة أنشطتها في العراق تحت مظلة برنامج [النفط مقابل الغذاء].
وبعد فترة، قرر “تشين” بأنْ يعمل لحسابِه الخاص في مجال المنسوجات، إلا أنه غادر العراق فجأةً تزامُنًا مع الغزو الأمريكي، لكنه إضطر لاحقاً إلى العودة وذلك لجمع أمواله المتأخرة في السوق.
وعند إستقرار الأمور مرة أخرى إلى حدٍّ ما، قرَّر إفتتاح أول مطعم صيني في بغداد، لكن ما لبث المطعم أنْ دُمِرَ على أثر تفجير إنتحاري عام ألفين وخمسة؛ فقرَّر حينها تشين نقل جزء كبير من إستثماراته للشمال في إقليم كردستان العراق الذي ينعم بهدوء نسبيِّ.
مع مرور الوقت، وإتساع شبكة علاقات تشين، أصبح أحد أهم وُسطاء القوة <باور بوكر > الموجودين في العراق، وآخر أنشطته دورُه في إتمام صفقة لصالح شركتَين من أكبر الشركات الصينية وهما «صينوتك» و«باورتشاينا» لبناء ألْف مدرسة على الأراضي العراقية.
وهنا ألا تعتقدون أنَّ قصة المدارس تلك غريبة؟!
هل هو فاعل خير؛ أمْ أنَّ هناك سِرًّا وراء نشاطاته المتباينة على الأراضي العراقية؟
مع بداية شهر فبراير الحالي، مركز بحثيّ صيني مرموق إسمه مركز <التمويل والتنمية الأخضر> التابع لجامعة بودان في شنغهاي، نشر دراسة مهمة جدًا كشفَت أنَّ الصين قدَّمَت تمويلًا بقيمة عشرة مليارات ونصف مليار دولار للعراق وحدَه عام ألفين وواحد وعشرين، للتأكيد: عشرة مليارات ونصف مليار دولار في السنة الماضية فحسب!
هذا الرقم جعل العراق في المرتبة الثالثة عالميًا في قائمة شركاء الصين في مبادرة <الحزام والطريق> بعد باكستان وروسيا، والغريب أنه تزامُنً مع فترة إعلان وزارة التجارة الصينية عزمَها على خفض إستثماراتها الخارجية بنسبة خمسة وعشرين في المئة خلال السنوات الخمس القادمة إلى خمسمائة وخمسين مليار دولار، بدلًا من سبعمائة وأربعين مليار دولار أنفقتهم الحكومة الصينية في السنوات الخمس الماضية.
ما هو السبب الذي يجعل الصين تستثمر مثل هذا المبلغ في العراق، بينما تتجه لتقليص إنفاقها الخارجي؟ وما هي إستثماراتُ الصين في العراق؟
وما هدفها من تلك الاستثمارات؟ والأهم، ما العائد على العراق والعراقيين من كلِّ هذا؟
بعكس التوقعات فإنَّ الوجود الإقتصادي للصين في العراق ليس وليدَ السنين القليلة الماضية، لكنه بدأ منذ فترة طويلة، وتحديدًا عام ألف وتسعمائة وواحد وثمانين، عندما أصبحَت الشركة الصينية للهندسة والإنشاءات البترولية CBECC التابعة لمؤسسة البترول الوطنية الصينية CNBC أول شركة نفط صينية تبدأ عملياتها في العراق.
بعد ذلك بستة عشر عامًا، وتحديدًا عام ألف وتسعمائة وسبعة وتسعين، وقَّعَت مؤسسة النفط الوطنية نفسَها عقدًا مع الحكومة العراقية لتطوير حقل الأحدب النفطي، لكن المشروع لم يكتمل بسبب العقوبات الدولية على العراق أنذاك،
وخلال فترة ما بعد الإحتلال الأميركي مباشرةً، تعرَّضت أعمال الصين في العراق للمزيد من العراقيل؛ وذلك بسبب منح الأميركيين وحلفاءهم الجدد في العراق العقود المربحة للشركات الغربية بطبيعة الحال، هذا بجانب العنف السائد في العراق؛ الذي جعل الصينيين مُتردِّدين في ضخِّ أموالهم في بيئة غير مستقرة.
لكن هذا كله لم يمنع الصين بأنْ تنضم عام ألفين وسبعة لوثيقة العهد الدولي مع العراق، وتُقدِّم منحة مِقدارُها ستة مليارات ونصف مليار دولار تقريبًا للصحة والتعليم، وقد أعفَت بغداد من ثمانين في المئة من ديونها السيادية لبكين، والمُقدَّرة بثمانية مليارات ونصف مليار دولار تقريبًا.
كل هذا صبَّ غالبًا في مصلحة خطة إستراتيجية صينية طويلة الأمد .
منذ عام ألفين وثمانية تقريبًا بدأت الأمور تعود تدريجياً لطبيعتها وهذا تحديدًا كان مُرتبطًا بالأزمة المالية العالمية التي قلَّصت قدرة الشركات الغربية على الإنفاق، وأطلقَت يد الصين للإستحواذ على محفظة أصول عالمية ضخمة.
آنذاك، وقَّعَت مؤسسة البترول الوطنية عقدًا جديدًا لتطوير حقل الأحدب النفطي في محافظة واسط، وبعدها بعام تقريبًا دخلَت المؤسسة الصينية في شراكة مع شركة «بريتش بتروليوم» لتطوير حقل الرُّميلة في محافظة البصرة، وهو يُعَدُّ أكبر حقل في البلاد بإحتياطيات تُقدَّر بحوالي سبعة عشر مليار برميل.
وفي العام نفسه، ألفين وتسعة، إستحوذَت شركة البتروكيماويات الصينية «سينوبك» على عمليات «أداكس بتروليوم» في إقليم كردستان، وفي عام ألفين وعشرة حصلَت شركة البترول الوطنية الصينية على إمتياز جديد في حقل الحلفاية في محافظة ميسان. وفي الوقت نفسه، إستطاعت شركة حكومية ثانية تُدعى «سنوب» الحصول على عقد مماثل في حقول ميسان بالشراكة مع شركة البترول الوطنية التركية.
وفي عامَي ألفين وثلاثة عشر؛ وألفين وأربعة عشر نجحَت الصين في تجاوُز الولايات المتحدة لأول مرة لتصبح أكبر مستثمر أجنبي في العراق، بفضل عقود كبيرة حصلَت عليها شركات صينية مثل شركة «بتروتشاينا» في حقل غرب القرنة (1) في محافظة البصرة، وشركات «بوهاي» و«سينوك» وشركة البترول الوطنية الصينية في حقول ميسان.
بحلول عام ألفين وثمانية عشر كانت الأمور في العراق في طريقها للإستقرار بعد هزيمة تنظيم الدولة؛ ونتيجةً لذلك وسَّعت الصين إستثماراتها في قطاع النفط العراقي، فوقَّعت شركة «جيو جاد» عقدًا إستكشافيًّا في حقول نفط خانة في محافظة ديالي، ووقَّعت شركة «يونايتد إنرجي» عقدًا مماثلًا في حقل السندباد في محافظة البصرة، بالإضافة لعقد شركة «زينهوا» في حقول شرق بغداد، وعقد ضخم ثانٍ لشركة «باورتشاينا ونورينكو» لإنشاء مصفاة لتكرير النفط قرب ميناء الفاو في محافظة البصرة.
وفي عام ألفين وتسعة عشر، حَصلت شركة «سبيك» الصينية على عَقد لإنشاء محطة للغاز الطبيعي في الحلفاية في محافظة ميسان، في حين حصلت شركة «هيلونج» لخدمات النفط والهندسة على إمتياز لتطوير ثمانين بئرًا في حقول مجنون في محافظة البصرة.
في شباط من العام الماضي، ألفين وواحد وعشرين، أعلنَت الحكومة العراقية خطة ضخمة للتوسع في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، وبموجب هذه الخطة البلد ستبني سبع محطات بهدف المساعدة في حل مشكلة الكهرباء المحلية في الصيف، وبطبيعة الحال، لم يكن لهذا الموضوع أنْ يمر على الصينيين دون تدخل منهم.
ومباشرةً، في شهر أب الماضي، وقَّعت شركة «بتروتشاينا» التي تملُكها الحكومة الصينية إتفاقيةً مع العراق لبناء عدد من المحطات بقدرة ألفين ميجاوات، على أنْ تكون المرحلة الأولى من المشروع بطاقة سبعمائة وخمسين ميجا وات.
كما نلاحظ، معظم المشاريع أو الإستثمارات تتركز في قطاع النفط والطاقة بشكل عامٍّ، كما نجدها أيضًا بقوة في قطاعاتٍ تقنية مثل: النقل والتمويل والإتصالات، وكلها مشاريع إرتقَت بالعلاقات العراقية الصينية لمستوياتٍ غير مسبوقة.
في عام ألفين وخمسة عشر، وقَّع الطرفان- العراقي والصيني- إتفاقية الشراكة الإستراتيجية. وفي عام ألفين وثمانية عشر تجاوز حجم التجارة الثنائية ثلاثين مليار دولار، وحافظت على هذا المستوى في السنوات الثلاث الماضية.
وفي عام ألفين وتسعة عشر، تمَّت الخطوة الأهمّ في مسار العلاقات الثنائية، عندما وقَّع رئيس الوزراء العراقي السابق، عادل عبد المهدي، إتفاقية إنضمام العراق لمبادرة الحزام والطريق وخِلال زيارته للصين إلتقى حينها بالرئيس الصيني «شي جين بينغ». كلُّ ذلك يشير إلى أنَّ الصين أصبحَت أكبر شريك تجاري للعراق، متفوقةً على المنافس التقليدي لها وهو الهند، في حين أنَّ العراق بات ثالثَ أكبر مصدر للنفط للصين من بعد السعودية وروسيا، لدرجة أنَّ الصين وحدها تستورد أربعين في المئة تقريبًا من صادرات النفط العراقية.
وهنا لدينا سؤالين مُهمين جدًا:
ما أوجُه الإستفادة العائدة على الصين من الشراكة الواسعة مع العراق؟
وما العائد في المقابل على بغداد ؟
بالنسبة للسؤال الأول: كلنا نعلم أنَّ الصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم، في حين أنَّ العراق هو صاحب خامس أكبر إحتياطي نفطي عالمي؛ فمن المؤكد أنَّه من مصلحة الصين بأنْ يكون لها بصمة ضخمة في العراق لضمان تدفُّق إمدادات النفط إليها.
لكن القصة في الحقيقة لا تقتصر على النفط فقط؛ فالصين تُدرك مدى أهمية الموقع الجيوستراتيجي للعراق على طرق التجارة بين أوروبا وآسيا، وقُربه من دول البحر المتوسط مثل: تركيا ومصر ولبنان وسوريا وأيضًا قربه من منطقة الخليج، وهاتان المنطقتان تحديدًا مُهمتان جدًا لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
ولمن لا يعرف الخطوط العامة لهذه المبادرة؛ هي خطة إقتصادية ضخمة لربط الصين بالعالم كُله تجاريًا من خلال ممرات شحن ومشاريع بُنى تحتية عملاقة، والمبادرة تُعتبر حجر الأساس في خطة بناء النفوذ الدولي لبكين والتي وضعَها الحزب الشيوعي والرئيس «شي جين بينغ».
وهل القصة كلها إقتصاد وتجارة ؟
لا ليس تمامًا، ويتضح هذا بشكل قوي في إقليم كردستان بالتحديد الذي يستأثر بالنصيب الأكبر من الإستثمارات الصينية بالنسبة لحجمه، والذي رسَّخت فيه الصين وجودها منذ أعوام كثيرة، في حين كانت الحكومة المركزية العراقية مُنشغلة بالحرب ضد تنظيم الدولة.
سنجد مثلًا هناك إستثمارات أُخرى غير إستثمارات الطاقة الصينية؛ فهناك مشاريع أخرى كبيرة على سبيل المثال:
المشروع الضخم لتطوير منطقة إسكان وسياحة حضارية عملاقة بقيمة خمسة مليارات دولار، وثمة مشروع ثانٍ بقيمة مماثلة تقريبًا لبناء مركز تجاري صيني عملاق في الإقليم، بخلاف المعرض التجاري الصيني الكردي الذي عُقِدَ ثلاث مرات خلال سنتين فقط بحضور عشرات رجال الأعمال والشركات من الطرفين.
وبالتوازي مع هذه المشاريع، هناك أنشطة صينية ثانية مثل: المساعدات الطبية الكبيرة في مواجهة وباء كورونا، وأنشطة ثقافية وتعليمية أُخرى يجدر بنا الإشارة إليها.
على سبيل المثال، تضُم جامعة صلاح الدين في أربيل حاليًا مركزاً خاصًا لتدريس اللغة الصينية؛ تمَّ افتتاحه عام ألفين وتسعة عشر، ومن المقرر أنْ يُخرّج أول دفعة له عام ألفين وثلاثة وعشرين، في حين أنَّ المواقع السياحية والفنادق في أربيل بدأت تُقدِّم معلومات وخدمات للزوار باللغة الصينية، بالإضافة إلى نشاط حركة الترجمة الواسعة للكتب الصينية إلى الغة الكردية، وترتيب زيارات منتظمة للكُتاب والصحفيين الأكراد للصين.
إنَّ هذه الأعمال والأنشطة لها قيمة وتأثير أكبر بكثير مما يظهر لنا، وهذا يُعيدنا لقصة الألف مدرسة التي بنتها الصين هناك، فعندما يتم تخريج مئات الطلاب سنويًا من القسم الخاصٍّ للغة الصينية، بالإضافة إلى مئات أو آلاف يدرسون في مدارس أنشأتها الصين وقد تشارك في إدارة بعضها؛ فإنَّ هذا يخلق بعد سنواتٍ طبقة عراقية جديدة مرتبطة لغويًا وثقافيًا ببكين، وهذه الطبقة سيكون لديها توجُّه بديهي لتقديم الشركات والمصالح الصينية على أيِّ شراكات ومصالح أخرى؛ ما يضمن إستقرار هذه المصالح لفترة طويلة.
عندما تُطبِق النظرية هذه بشكل أوسع لاحقًا على العراق ككل، وربما على دول ثانية، نستطيع أنْ نتصوَّر حجم التأثير الذي تصنعه سياساتٌ بسيطة مثل هذه على المدى الطويل.
هذا بالنسبة للصين؛
فما هو الوضع بالنسبة للعراق والعراقيين؟
إنَّ الحكومة العراقية بدأت من عام ألفين وثمانية عشر تقريبًا بعد نهاية الحرب ضد تنظيم الدولة، في وضع خطة لإعادة الإعمار والتعافي الإقتصادي، هذه الخطة تقوم – إلى حدٍّ كبير – على تطوير الموارد النفطية غير المطورة؛ وهذا لأنَّ النفط يُمثل تقريبًا خمسة وستين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وسبعة وثمانين في المئة من عائدات الصادرات.
بموجب هذه الخطة، يحتاج العراق أنْ يرفع إنتاجه النفطي اليومي من متوسط أربعة ملايين ونصف مليون برميل يوميًا في الوقت الحالي، لإنتاج يتراوح بين ثمانية أو تسعة مليون برميل يوميًا خلال سنوات، وتحديدًا قبل نهاية ألفين وسبعة وعشرين.
لكن تلك الخطة الطموحة تعترضها معوقات كثيرة؛ أهمها: أنَّ قطاع النفط العراقي يُعاني من بنية تحتية متضررة عفا عليها الزمن، إضافةً لمشكلة نقص المياه المهمة لعمليات إستخراج النفط، ومعضلة تطوير المصافي اللازمة لعمليات التكرير.
وهنا يأتي دور الإستثمارات والقروض التي تؤَمن الصين أغلبُها بعد تقاعُس الدول والمانحين الغربيين، الذين إبتعدوا بسبب غياب الإستقرار السياسي والأمني.
الخلاصة: هل الحضور الكبير للصين ورؤوس الأموال الصينية في العراق، وفي أيِّ بلد عربي مؤشر إيجابي أَم سلبي؟
وهل يُعَدُّ علامة مشجعة أَم علامة تُصيبنا بالقلق والتساؤل؟
بشكل عام طبعًا، يُعتبر تدفُّق الإستثمار الأجنبي على أيِّ دولة أمرًا إيجابيًا جدًا، وعلامة مشجعة على ثقة المستثمرين الدوليين في إقتصادها.
العراق تحديدًا يحتاج إلى إستثمارات قدَّرها البنك الدولي بـ 88 مليار دولار؛ لإعادة الأعمال والإعمار بعد فترة الإحتلال الأمريكي، ثم فترة محاربة تنظيم الدولة.
وسيكون مفيدًا جدًا أنْ يحصل على هذه الأستثمارات من شركاء متنوعين، ومنهم الصين التي لديها قوة إقراض ضخمة جدًا تفوق أيَّ دولة في العالم، مع سهولة شروط الحصول على قُروضها حول تحرير الإقتصاد ورفع الدعم، مثل القروض التي تمنحها الدول والمؤسسات المالية الغربية.
ما الخدعة إذًا في هذه القصة؟
هناك ثلاث نقاط رئيسية:
الأولى:
أنَّ معظم – إنْ لم تكن كل الإستثمارات الصينية هذه تأتي بالأساس من شركات مملوكة للدولة، وليس من القطاع الخاص، بما يعني أنها ليست بالضرورة علامة على الجدوى الإقتصادية أو فرص الربح؛ بقدْر إرتباطها بأجندة ومشاريع الحكومة الصينية الجيوسياسية والإقتصادية نفسها وأهدافها.
النقطة الثانية:
هي أنَّ معظم القروض والمشروعات هذه يتم تمويلها بشكل رئيس من خلال النفط وفق قاعدة “النفط مقابل البناء”؛ أيْ أنَّ الشركات الصينية ستحصل على النفط نظير مستحقاتها، وهذه ليست مشكلة؛ فقد سبق أنْ قامت الصين بأمر مماثل مع دول أخرى مثل: أنجولا وفنزويلا وغيرهم .
المشكلة هنا أنَّ أسعار النفط رغم أنها مرتفعة ومجزية في الوقت الراهن فهي بطبيعتها غير مستقرة وعرضة للتقلبات، وفي حال إنخفضَت الأسعار ستكون الحكومة العراقية عاجزة عن سداد المستحقات الصينية؛ الأمر الذي سيضعَها في أزمة معروفة في الغرب بإسم “فخ الديون الصينية”.
وفقًا لهذه النظرية، فالصين تُغرِق الدول النامية بقروض ضخمة غير مشروطة لإقامة مشروعات كبيرة، مع علمها بأنَّ هذه الدول في النهاية لن تستطيع سداد الديون،.
فما هدفها؟
إنها تهدف إلى الإستيلاء على هذه المشروعات لحسابها، لتستفيد منها إستفادة كاملة، مع تحويلها لمراكز خاصة للنفوذ، في نموذج حديث للأستعمار الإقتصادي.
النقطة الأخيرة متعلقة بطبيعة العراق –وليست العراق تحديدًا- بقدْر ما تتعلق بطبيعة الدول التي تحاول أنْ تنمو بعد كوارث أو حروب إستمرت لفترة طويلة، والتي تعاني من عدم إستقرار مؤسساتها البيروقراطية.
غالبًا ما تعاني هذه الدول من تفشّي الفساد؛ ومن ثَمَّ فإنَّ نسبة كبيرة أيضًا من القروض والأموال التي تُضَخ فيها لا تُوجّه للتنمية، بل تُستخدَم لتمويل شبكات المحسوبيات السياسية والفصائل المتنافسة على السلطة، والإنفاق البيروقراطي الواسع على التوظيف والرواتب في القطاع العام لتجنُّب الغضب الشعبي.
خاصةً، أنَّ الصين – كما ذكرنا سابقًا – لا تضع شروط بخصوص الإصلاح الإقتصادي مع القروض والاستثمارات التي تُقدِّمها.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ العراق تُنفِق سنويًا حوالي أربعين مليار دولار على الرواتب، وهذا يُعتبر بند الإنفاق الرئيسي والأكبر في الموازنة، رغم تأكيد الخبراء أنَّ القطاع العامَّ في البلد متضخم جدًا، لدرجة أنَّ الموظف يُنتجِ خلال ثماني ساعات عمل ما يعادل ٣٠ دقيقة عمل فقط.
أخيراً
هل تعتقدون أنَّ الاستثمارات الصينية في البلاد العربية تُساعِد فعلًا في خلق نمو وقيمة مضافة في الأقتصاد، وهل القروض الصينية الغير مشروطة هي لإعادة الإستقرار والنهضة أم لأجل السيطرة على البلاد سياسياً وإقتصادياً والتوسع في مشاريعها
وهل الصين فعلاً دولة بوجهٍ إستثماري أم إستعماري؟.
خالد زين الدين .
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية.
عضو إتحاد الصحفيين الدوليين في بروكسل.
عضو نقابة الصحافة البولندية .