المملكة العربية السعودية والصين تحالفٌ جديد سوف يُغَير خارطة العالم
يزدادُ جحيم الولايات المتحدة الأمريكية واحدًا.
بما تَشهده المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية من تقارُب تخطّى حُدود الصداقة، وإنتقل إلى مستوى التحالف ووحدة الهدف والمصير.
إستثماراتٌ بالمليارات وتعاون في شَتى المجالات وخطط أكبر لمُستقبلٍ تحكمه الرياض وبكين؛ في حين تُعاني واشنطن عٌزلةً وتراجُعًا في هَيمنتها المزعومة على العالم.
لماذا يُثير التقارب السعودي الصيني ذُعر أمريكا إلى هذا الحد؟
وكم يَبلغ حجم الإستثمارات بين الرياض وبكين؟
سنترُك الأرقام وحدها تُجيب؛ فهي لا تعرِفُ الخِداع ولا الكذب!
تتَمتع المملكة العربية السعودية بحظٍ وافر من الإستثمارات الصينية، في ظلِّ ما يَشهده الميزان التجاري للمملكة من قفزاتٍ نوعية وهائلة، حيثُ قاربت الثلاثة أضعاف خلال شهر أيار الماضي بنحو 24 مليار دولار، وكشف تقريرٌ حديث عن أنَّ المملكة العربية السعودية كان لها نصيبُ الأسد من الإستثمارات الصينية لتُصبح أكبر مُتلقٍّ ضمن مبادرة الحزام والطريق خلال النصف الأول من العام الجاري 2022 بنحو 5,5 مليار دولار، ولِمن لا يعلم فإنَّ مبادرة الحزام والطريق هي خُطة طموحة بشكل لا يُصدق، وتنطوي على إمكانية إعادة تشكيل التجارة العالمية من خلال ربط التجارة والإنتاج الصينيَين بالعالم عِبر آسيا الوُسطى وأعلن الرئيس الصيني “شي جين بينغ” عن هذه المبادرة لأول مرة في أيلول من العام 2013 عندما قارن الحزام الإقتصادي بطريق الحرير التاريخي الذي كان قد عزَّز قبل أكثر من ألفَي عام من العلاقات الإقتصادية والسياسية التي غَطت مسافات طويلة بين الحضارات الشرقية والوسطى والغربية.
وفي العام 2015 تمَّ إطلاق المبادرة لتبدأ منذُ ذلك الحين جهود التَحرك للدفع قُدمًا بالتشارك في بناء الحزام الإقتصادي لطريق الحرير للقرن الحادي والعشرين، حيث ركزَت الحكومة الصينية على المجتمع الدولي، لا سيما الدول التي تقع على طول مسارات المبادرة، وطِبقًا لتقرير نشره مركز التمويل والتنمية الأخضر ومقره شنغهاي؛ فإنَّ حجم التمويل والإستثمارات للمبادرة بلغ 28,4 مليار دولار خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي 2022، مقارنةً بـ 29,4 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام المنصرم.
وكانت المملكة العربية السعودية منذ البداية على رأس الداعمين للمبادرة الصينية الطموحة وللمشروعات الإستثمارية الصينية عُمومًا، حيث أشار التقرير إلى أنَّ المملكة العربية السعودية كانت المُتلقي الرئيسي لإستثمارات الغاز بنحو 6,4 مليار دولار ثُمَ تَليها العراق.
ماذا تعني زيادة صادرات المملكة العربية السعودية إلى الصين؟
بحسب نشرة حديثة للتجارة الدولية للمملكة العربية السعودية من الهيئة العامة للإحصاء General Authority for Statistics فقد بَلغَت قيمة صادرات المملكة العربية السعودية للصين خلال شهر أيار الماضي 19,2 مليار ريال؛ أيْ ما يُمَثل نحو 5,1 مليار دولار أمريكي، وتُمثل 13,3% بالمئة من إجمالي الصادرات، مِما يَجعلها الوجهة الرئيسة للمملكة، تليها الهند واليابان بقيمة 14,7 مليار ريال؛ أيْ ما يُعادل قُرابة 4 مليارات دولار أمريكي وبنسبة 10,2% بالمئة إجمالًا.
أما خلال الرُبع الثاني من العام الجاري، فقد بَلغ إجمالي صادرات المملكة إلى الصين 63 مليار ريال، وبشكل عام وصلت قيمة الصادرات السلعية للمملكة خلال شهر أيار الماضي 144 مليار ريال؛ مقابل 79 مليار ريال خلال الشهر ذاته من العام الماضي وذلك بإرتفاع مِقداره 65 مليار ريال بنسبة 83,4 % بالمئة. ويُظهر التقرير إرتفاعًا في الميزان التجاري للصادرات والواردات في المملكة العربية السعودية ليصل إلى 90,2 مليار ريال خلال شهر أيار الماضي؛ مُقارنةً بالشهر ذاته من العام المنصرم الذي وصل فيه إلى نحو 34,3 مليار ريال، أيْ ما يُقارب الثلاثة أضعاف، وحتى في أوقات الأزمات كان التبادل التجاري بين البلدين مزدهرًا.
مثلًا :
إرتفعت الواردات السعودية من الصين في عام 2020 بنسبة 17,8% بالمئة على أساس سنوي، إلى 28,1 مليار دولار رغم إنتشار جائحة كورونا في ذلك الوقت وفقًا لتقرير صادر عن هيئة الجمارك الصينية، وأظهرَت بياناتٌ من الإدارة العامة للجمارك الصينية أيضًا أنَّ واردات الصين من النفط السعودي بلغَت في أيلول من العام الجاري 53,7 مليون طن؛ أي 83,1 مليون برميل يوميًا، وفي الشهور التسعة الأولى من عام 2022 إحتلت المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى كأكبر مُورد للنفط إلى الصين بإجمالي إمدادات بلغ 65,83 مليون طن.
الصين وإنشاء مركز إقليمي لمصانعها في المملكة العربية السعودية:
في أحدث حلقات التقارب التجاري والصناعي بين البلدين؛ ناقشَت الصين إنشاء مركز إقليمي لمصانِعها في المملكة العربية السعودية لتأمين سلاسل إمدادات قطاع الطاقة، والإستفادة من موقع المملكة، وجاء ذلك خلال مناقشات بين وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، ومسؤول الطاقة الوطنية في جمهورية الصين الشعبية تشانغ جيان.
وفقًا لوكالة الأنباء السعودية واس Spa, يأتي ذلك بعد أيام من إطلاق الإستراتيجية الوطنية للصناعة السعودية والتي تعمل على وُصول مجموع قيمة الإستثمارات الإضافية في القطاع إلى 3.1 ترليون ريال، وزيادة صادرات المنتجات التقنية المتقدمة بنحو 6 أضعاف، إضافة إلى إِستحداث عشرات الآلاف من الوظائف النوعية عالية القيمة، كما تستهدف الإستراتيجية التركيز على 118 مجموعة من السلع الصناعية ضمن 12 قطاعًا صناعيًا حتى عام 2030.
فيما حددت أكثر من 800 فرصة إِستثمارية بقيمة ترليون ريال سعودي، وتسعى لأنْ يُضيف قطاع الصناعة السعودي نحو 895 مليار ريال إلى الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030.
التعاون السعودي الصيني في الإستخدامات النووية السلمية، هل يحمل رسائل إلى أمريكا؟.
الإستثمار في مُجمعات التكرير والبتروكيمياويات المتكاملة في المملكة والصين تأتي أيضًا على رأس المشروعات المستقبلية المُشتركة، حيث تُخطط المملكة لتوجيه النفط الفائض إلى إستخداماتٍ أُخرى في حال إنخفض مستوى الإستهلاك عن مستويات الإنتاج الحالية وفقَ تصريحات سابقة للأمير عبدالعزيز بن سلمان. وتسعى المملكة كذلك إلى الإستغلال الأمثل لمُنتجات البتروكيمياويات في الصناعات التحويلية؛ إذ إنها تُنتج 38 مليون طن من المواد البتروكيمياوية، لكنها لا تستفيد إلا من 6 ملايين طن من الصناعات التحويلية.
إلى جانب كل هذا إتفق الجانبان السعودي والصيني على التعاون في إطار إتفاقية التعاون الثنائي في مجال الإستخدامات السلمية للطاقة النووية بين الحكومتين؛ وهو ما يراه الخبراء يحمل رسالة واضحة للولايات المتحدة الأمريكية، كما أكد الجانبان أهمية التعاون في مجال الكهرباء والطاقة المُتجددة، وكذلك التعاون في مجال الهايدروجين النظيف عن طريق الأبحاث والتطوير.
المملكة العربية السعودية تحتفي بزيارة الرئيس الصيني، وتعقد له ثلاث قمم.
خلال إجتماع عبر تقنية الفيديو مع نظيره الصيني؛ أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن زيارة مُرتقبة للرئيس الصيني “شي جين بينغ” إلى المملكة العربية السعودية، وعقد 3 قمم خلالها، وقال الأمير فيصل بن فرحان خلال الإجتماع الرابع للجنة الشؤون السياسية والخارجية المُنبثقة عن اللجنة الصينية السعودية المشتركة رفيعة المستوى: إنَّ الإجتماع يأتي في توقيت مهم؛ حيث يسبق الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية، وقبل انعقاد القمة (السعودية – الصينية)، والقمة (الخليجية – الصينية)، والقمة (العربية – الصينية) والتي تَنظر المملكة لها بإهتمام كبير، وتعمل على إنهاء كافة الترتيبات من أجل نجاحها وتحقيق التطلعات المَرجوة منها.
الوزير السعودي أضاف في هذا الصدد أنَّ الرياض وبكين شهدتا في السنوات الأخيرة نتائج التطور الملموس في العلاقات المشتركة، حيث زاد التقارب بينهما في وجهات النظر في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، كما أنَّ التجارة المتبادلة بين المملكة والصين تُسير بنسق تصاعدي، حيث إحتلت المملكة المركز الأول كوجهة للإستثمارات الصينية الخارجية في النصف الأول من عام 2022، وأصبحت الصين الشريك التجاري الأول للمملكة.
وتماشيًا مع رؤية المملكة 2030 أدخلت المملكة العربية السعودية اللغة الصينية في مناهجها الدراسية لتنصهر الثقافتان العربية والصينية معًا، فتتشكل من خلالها ثقافة جديدة تحمل من القوة ما يتناسب مع حجم العلاقات الإقتصادية المشتركة بين البلدين.
فهل تفهم أمريكا الآن كم هي المملكة العربية السعودية كبيرة، وأن مَن يعترض طريقها خاسر لا محال.
خالد زين الدين.
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية.
عضو إتحاد الصحفيين الدوليين في بروكسل.
عضو نقابة الصحافة البولندية.