التَطرف وحقد اليَمين على مونديال دولة قطر

حانَ مَوعٍد إنطلاق مونديال قطر ٢٠٢٢،  وخاصة بعد وُصول أول فريقٍ مُشارك في البطولة وهو الفريق الياباني
 وقطر تَرفع شِعار “على الوعد مُستمرون” للملايين مِن عُشاق الكرة المُستديرة حول العالم، وتعدهم بتجربة لا تُنسى، وتؤكد بأنها جاهزة ومُستعدة لإنجاح أكبر حدثٍ رياضي.
لكن هَل العالم مُستعد؟! لعلها الفرصة الأكبر منذ أحداث الحادي عشر من أيلول ٢٠٠١ لينظُر الغرب إلى المنطقة من منظورٍ مُختلف، بعيداً عن الصورة النمطية السلبية التي وصمَت الإنسان العربي والمسلم، والتي كرَّسها الإعلامُ الغربي.
“إنه مونديال كُل العرب” هكذا وصفه أمير دولة قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، منذ اليوم الأول، وإعتبرتْه جماهير المنطقة العربية البالغة أكثر من ٤٥٠ مليون نسمة مُلكاً لها، ودافعَت عنه بِكل شراسة ضُد الحملات غير المسبوقة التي طالته منذ اليوم الأول وتتعالى حدتها كُلما إقترب الموعد. وعلى المستوى الرسمي أيضاً، وفي ختام القمة العربية مُنذ أيام، أكد إعلانُ الجزائر على دعمه دولة قطر في إستضافة المونديال، ورفض حملة التشويه والتشكيك المُغرضة التي تستهدفها.
أما الإتحاد الدولي لكرة القدم [الفيفا]، فقد أعلن أنَّ من أهم أهدافه أخذُ رياضة كرة القدم إلى أماكن ودول جديدة، وإلى أراضٍ جديدة، وقد أكد رئيسه بأنَّ البطولة ستكون الأفضل في التاريخ منذ إنطلاقتها، لكن منذ البدء أُثيرت شُبهات حول ملف قطر وتساؤلات عن فوزه، ورغم تأكيد التحقيقات نزاهته لم تتوقف الهجمة، وطرَح مؤججوها ذرائع عن حقوق الإنسان وحقوق العمال، وحتى عن المعايير البيئية، وعن إستعداد قطر ثقافياً وفكرياً لإستضافة البطولة.
وقد ردَّ القطريون على هذه الهجمة بإتمام كافة الإستعدادات لإستضافة الفرق الرياضية والمشجعين من كافة أنحاء العالم، وبإصلاحات تشريعية سباقة في المنطقة.
فهل تلعب هذه الأطراف التي وصفها وزير الخارجية القطرية بالقِلة في الوقت بدل الضائع؟!
في قصتنا وراء الهجمة على إستضافة قطر للمونديال رصدنا – وما زلنا نرصد- إنطلاق الحملات على قطر من الصحافة البريطانية، حيث توالى نشر مقالات وقصص وخُرافات إخبارية يغلب عليها التحريض ضد قطر، غير أنَّ المُحرك الحقيقي وراءها هو المصالح المالية والتوجهات اليمينية المتطرفة والمُعادية للمسلمين والعرب ، وأيضاً من خلال تعقُّبنا أثر رائحة النفط التي تَفوح من الدنمارك ضد دولة قطر وإزدواجيتها في ملف حقوق الإنسان، كما تعقبنا أيضاً الموقف في فرنسا حيث قررت البلديات إتباع سياسة الشاشات السوداء ومنْع نقل وقائع مونديال قطر، بهدف حجب الفرنسيين عن الإطلاع على مظاهر الحضارة والرُقي في التعامل مع الضيوف من قِبَل الشعب القطري المِضياف، هذا في الوقت الذي تستثمر مؤسسات وشركات فرنسية كثيرة في عدد من المشاريع الكبرى في دولة قطر.
هنا في أروقة مقر الفيفا ليلة الثاني من كانون الأول ٢٠١٠، وقبل أنْ ينفضَّ الحضور لم ترُق للبعض دعواتُ الفيفا للإنتقال نحو أراضٍ جديدة عندما أسفر التصويت عن منح دولة قطر حق إستضافة كأس العالم ٢٠٢٢، فبريطانيا التي سحبَت ترشيحها لتنظيم نهائيات مونديال ٢٠٢٢ بهدف كسب ملف تنظيم ٢٠١٨، تعرضَت حينها لخسارة خاطفة أمام روسيا لتشن فيها حملات صحافية صبَّت جامَّ غضبها فيها على الفيفا، مُشككةً في ملفات عروض الدول المتنافسة، وكانت قطر العنوان والهدف الرئيس لهذه الحملات، ورغم تصريح الفيفا بأنَّ العروض البريطانية لم تكن كافية ومطابقة للمواصفات، ووفقَ تصريح اليستير تومسون، مسؤول مكتب مراقبة أخلاق ولوائح الفيفا في لندن فإنَّ القصة التي سُربت للإعلام البريطاني ليس لها أساس من الصحة.
 أما فارهانك جهنبور أستاذ دراسات الشرق الأوسط والسياسة في جامعة أكسفورد سابقاً، فقد صرَّح قائلاً: إنه منذ أنْ أُعلن في عام ٢٠١٠ عن فوز قطر بتنظيم كأس العالم، إنطلقت حملة دعائية شاملة في الإعلام الغربي بأكمله، وخاصة في إعلام اليمين المتطرف لتشويه سُمعة دولة قطر، وأعتقد أنها إستندَت في هجومها إلى عدد من القضايا أولها وضع قطر كدولة صغيرة بالنسبة لحجم الدولة؛ وهذا موقف لا معنى له، أما الحجم الأمثل لدولة ليكون مناسباً أنْ يقام فيها مثل هذه الفعاليات فلا ينطبق إلا على عدد مَحدود من الدول الكبيرة.
في حين صرح باسكال بونيفاس مؤسس ومدير معهد العلاقات الدولية الإستراتيجية في فرنسا، بأنَّ بطولات كأس العالم نُظمت في أوروبا وأمريكا اللاتينية أولا؛ فقد بدأت في أمريكا الجنوبية، ثم أوروبا وبعدها أمريكا الشمالية، ثم آسيا؛ لذا من الطبيعي ومن حق الدول العربية،أنْ تأخذ دورها في تنظيم بطولة كأس العالم.
ووفق دراسة أجراها الدكتور مارك جونس، أستاذ دراسات الشرق الأوسط والعلوم الإنسانية الرقمية، إستحوذَت الإستضافة على ما يقارب ٤٠ % بالمئة من مقالات الصحف البريطانية الكُبرى التي تناولت قطر خلال الإحدى عشرة سنة الماضية؛ وكان ٦٦ بالمئة منها سلبياً، و ٢٩ بالمئة محايداً، وحوالي ٥ بالمئة فقط إيجابياً، وجاءت كلٌّ من  The Sun وDaily Telegraph على رأس القائمة.
The Sun
الصحيفة المحسوبة على الشعبوية البريطانية اليمينية المتطرفة كان ٨٠ %  بالمئة من تغطيتها سلبياً لإستضافة قطر لكأس العالم ٢٠٢٢، وكذلك الحال مع مؤسسات إعلامية كبرى أخرى مِن بينها شركة 21 Century Fox والتي تعود مُلكيتها إلى رجل المال روبرت ماتدوك، حيث إعترضت الشركة على قرار الفيفا بعقد كأس العالم في الشتاء؛ لما سيُكلفها من خسائر هائلة، حيث تمتلك المجموعة حقوق بثِّ بمليارات الدولارات لمواسم رياضية تُعقد عادةً في الشتاء، ووفق ما نشره في  The Guardian، أستاذ الصحافة في جامعة لندن  Roy Greys Laid أعتقد أنَّ الأسباب الرئيسة للإعتراض إما إقتصادية وأما سياسية، فعلى الصعيد الإقتصادي يستلزم إقامة المونديال في قطر أنْ يؤجل من الصيف إلى الشتاء؛ ما يؤثر على عوائد عدد كبير من الشركات ومحطات التلفزة الغربية، وبرزت كذلك مسألة قناة  Bein Sport المملوكة لدولة قطر والتي إستحوذَت مُسبقاً على حقوق بثِّ الفعاليات في عدد كبير من الدول الأسيوية وبلدان الشرق الأوسط؛ أيْ أنَّ المسألة في جزء منها كان متعلقاً بالمكاسب المادية، وأثيرت إشاعات وتسريبات حول تقديم عرض بملايين الدولارات كرشاوى لنقل تنظيم الفعاليات من دولة قطر إلى مكان آخر.
وعلى صعيد آخر، إستحوذَت إستضافة قطر لكأس العالم ٢٠٢٢ على ٤٣ % بالمئة من تغطية The Daily Telegraph لأخبار قطر؛ إذ روَّجت لسحب الإستضافة من قطر محاولةً ربطها بما وصفته بالإسلام المتطرف، الصحيفة المحسوبة على يمين الوسط المحافظ كانت من أوائل الصُحف التي رسَّخت ربط الإسلام بمفاهيم التطرف منذ تسعينيات القرن الماضي وفق دراسة بعنوان The Islamo Phobia , The role of British newspapers in shaping attitudes towards Islam and Muslims.  في تشكيل المواقف المعادية للإسلام والمسلمين، ووفق تصريحه أيضاً قال: هذا مثال على الإعلام المنحاز، خاصةً إعلام جناح اليمين الذي يمارس تأثيراً كبيراً على طريقة إدارة الأمور سياسياً، أجندتهم تتمثل بإيجاد خندق فاصل بين دول يعتبرونها ممتازة ويجب أنْ تهيمن على المنظمات والبطولات الرياضية الكبرى، وبين بقية العالم الذي لا يحق له إستضافة هذه البطولات.
إنَّ حملات التشهير بملف دولة قطر في الصحف البريطانية بلغَت ذروتها في محطتين:
الأولى: الحشد الإعلامي لسحب ملف المونديال من دولة قطر، بدعوى فساد الفيفا عامي ٢٠١١ و٢٠١٤، وإنتهت بإعلان نزاهة الملف القطري عقب نشر نتائج تحقيقات أجرتْها لجنة الأخلاق في الفيفا والتي إستمرَّت  لعامين.
ووفق تصريح باسكال بونيفاس مؤسس ومدير معهد العلاقات الدولية الإستراتيجية في فرنسا قال: أشك بأنْ تفتقر قطر لثقافة كرة القدم، لكن هذا ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية عندما نظمَت كأس العالم عام  ١٩٩٤، وكذلك اليابان في العام ٢٠٠٢، والشكوك نفسها أثيرت في حالة جنوب أفريقيا.
المرحلة الثانية: عام ٢٠٢١ وتمثلت بنشر صحيفة The Guardian لما إعتبرته كشفاً عن عدد وفيات العاملين في إنشاءات قطر إستعداداً لمونديال ٢٠٢٢، غير أنه جاء في تصريح شاران يورو الأمينة العامة لإتحاد الدول لنقابات العمال: يمكننا القول بأنَّ الأرقام الصادرة عن  The Guardian والتي بلغت “٦٥٠٠” ليست صحيحة، بل أعتقد أنَّ الصحيفة نفسها إعترفت بأنَّ الأرقام لم تكن صحيحة، وكان هناك تقدير جزافي للعدد الإجمالي للوفيات منذ البدء بإنشاء البنية التحتية لكأس العالم، لقد وقعوا في خطأ فادح ولم يقع هذا العدد من الوفيات.
ووفقاً لتصريحات مسؤول في الفيفا قال: لم نجد أرقاماً رسمية تدعم الإدعاء بوجود ٦٥٠٠ وفاة، خاصة في مواقع كأس العالم، وعندما تحدثنا مع منظمة العمل الدولية ومُنظمي كأس العالم وجدنا الأرقام أقل بكثير، وعلى مدار السنوات العشر بالتأكيد سيكون هناك عدد من الوفيات، وإذا نظرنا في أسباب هذه الوفيات، نعم كانت هناك وفيات في مواقع الإنشاءات وخلال العمل، لكن أيضاً كانت هناك وفيات من جرّاء حوادث الطُرق، حسناً! في المملكة المتحدة لدينا حوادث طرق ولا يدعي أحد أنَّ قوانين العمل خاطئة، إذاً كانت لدينا أسئلة مهمة لم نتلقَّ إجابات واضحة عنها حول كيف تم الوصول إلى هذه الأرقام؟
ووفقاً لتصريح فريدريك ليفات مؤرخ متخصص في المصالح الجيوسياسية لكرة القدم، قبل ٤ سنوات تم تنظيم كأس العالم في روسيا، حينها لم تكن روسيا قد غزت أوكرانيا، ولكنها كانت قد ضمت شبه جزيرة القرم، وكانت حقوق الإنسان قد أنتُهكت في روسيا في ذلك الوقت،وأضاف: ظهرَت إنتقادات، ولكن إنْ لم أكن مُخطئ لم يكن هناك حديث عن المقاطعة.
إنَّ دولة قطر تتعرض لهجمات هي الأشرس إعلامياً بالمقارنة مع دول كُبرى لا سيما الصين وروسيا، وفقاً لدراسة أعدَّتها هيئة مراقبة أخلاق ولوائح الفيفا، وعلى الرغم من الإصلاحات النوعية التي أجرتها قطر وكان على رأسها إصلاحات نظام الكفالة ورفع الحد الأدنى للأجور وحمايتها، ومنح العمال المهاجرين حق تقديم ممثلين عنهم، كسابقة هي الأولى من نوعها في الخليج، إلا أنَّ تغطية هذه الإصلاحات في الإعلام الغربي جاءت متواضعة.
أما اليستير نومسون فقال: أحياناً تكون الأخبار السيئة مُفضلة على الأخبار الجيدة، وقد لمسنا هذا التقرير في منظمة العفو الدولية الذي نُشر مؤخراً، وقد خلص التقرير إلى أنَّ تغييرات كُبرى أُجريت وإعترفوا بها، لكن الإعلام فضَّل التركيز على الجوانب السلبية المتمثلة بالتقصير في تطبيق هذه التغيرات، وهذا ينطبق – بلا شك – على معظم التقارير الغربية.
 ووفقاً لتصريح شاران بورو قالت: نظام الكفالة إنتهى بموجب القانون وهناك تحديات في التنفيذ، ولكن الآن أصبح لدى العاملين عقد شفاف، وهناك في الواقع حدٌّ أدنى للأجور مبني على معايير محددة ودون تمييز؛ بما في ذلك عاملات المنازل وهو الأول في العالم من هذا الجانب، لديهم قوانين متقدمة حيث منحت العاملين الحرية في تغيير العمل والسكن، ولم يعُد هناك وضع يكون فيه العامل مملوكاً لفرد آخر، وبينما لا يزال معظم العمال يعيشون في مساكن، فقد تمَّ تطويرها وإعادة بنائُها بشكل تدريجي، ولم تعُد المساكن ذات الحالة السيئة على قيد الإستخدام.
ووفقاً لتصريح اللورد حسين قربان، عضو البرلمان الأوروبي لحقوق الإنسان الذي زار قطر، قال: الشيء الذي أثار إعجابي هو وضع حدٍّ أدنى للأجور وضمن مستوى معقول، ومن وجهة نظري حيث يتضمن الأجر إقامة ووجبات مجانية وعند مقارنتي لذلك بالوضع في المملكة المتحدة وجدتُ أنَّ متوسط أجر العامل يبلغ بعد الضرائب ١٠٠٠ إلى ١١٠٠ باوند وهو مُتساوي لحد ما مع الأجور البريطانية.
ووفق تصريح باسكال بونيفاس قال: بعد مقارنتنا لحوادث العمل بين دولة قطر وبريطانيا وجدنا أنَّ في بريطانيا العدد مماثل، وأضاف: لا شكَّ في أنَّ مَن يدعون المقاطعة هناك لا يحبون أنْ يروا بلداً مسلماً ينظم بطولة كأس العالم .
الخلاصة : هذه هي قصة الهجمة على دولة قطر في الإعلام الغربي المعادي للعرب والمسلمين والذي لا يُريد للعالم أن يرى الوجه الحضاري والثقافي والضيافي  والرقي العربي من بوابة دولة قطر وشعبها الذي سيُذهل العالم بتجربة لن تنسى أبداً .
وهل كُنا لنرى الهجمات من تلك الصُحف لو كان كأس العالم في دولة أوروبية .؟
وهل وجدنا ذلك الإعلام يوماً ينتقد ما فعله أسياده  من دمار وخراب وإنتهاك لحقوق الإنسان في الدول الإفريقية والشرق الأوسط.؟
عاشت دولة قطر رائدة في التقدم والتنظيم والإستضافة والتَميز بفضل رؤيةُ وحِكمَةُ سمو الأمير تميم بن حمد  .
خالد زين الدين .
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية. 
عضو إتحاد الصحفيين الدوليين في بروكسل. 
عضو نقابة الصحافة البولندية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *