حرب ظاهرها بين دولتين وباطنها عالمية
ملامِح نِظامٍ عالمي جديد سيُبصر النور بعد حرب روسيا وأوكرانيا.
حربٌ في ظاهرها بين دولتين، وفي باطِنها أكبر من هذا بكثير!
هو الشكل الذي ربما علينا أن نعتادَهُ للحروب العالمية المقبلة، وعندما ستذوب ثلوج شتاء ألفين وإثنين وعشرين على الأراضي الأوكرانية، سيَنبَعِث من تحت رماد الحرب مرج تاريخٌ جديدٌ لهذا العالم بعد نزالٍ مُسلحٍ دموي سيرسم مَلامح النظام العالمي الجديد؛ لأنَّهُ ما عاد سرًّا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى إلى الإطاحة بالنظام العالمي القديم؛ فأراد الحرب في أوكرانيا لتكون مجرد ضربة البداية، برغْم أن فيها كل ما يُرعِب بالحروب؛ من إلتحام الجيوش والدبابات والطائرات والصواريخ والمدفعية، وحتى رُبما أسلحةٌ نوويةٌ تكتيكيةٌ بمدى محدود، إلَّا أن الجيشين المتحاربين على الورق “روسيا وأوكرانيا” وعلى الأرض وفي الجوهر هي حربٌ كونيةٌ بين “روسيا وأمريكا” مع إمتدادات روسية صينية، ونحو معسكر ديكتاتوريات الشرق الأقصى ك “كوريا الشمالية” ثَمَّ تشعبات أمريكية بريطانية أوروبية، ليست أقلَّ شأنًا مما يقدمه الحلفاء لبعضهم في الحروب.
اليوم كل الحديث عن دمارٍ وخرابٍ وقتلى وجوعٍ وتشردٍ ونزوحٍ ولجوء وخلافٍ على توصيفات جرائم حربٍ تراها “فرنسا وأوروبا”، وإبادة جماعية إقتنعت بها واشنطن، لكن إذا ما حطت الحرب أوزارها قد تكون النهايات ليست كنهاية أية حربٍ أُخرى.
وربما الذى سيُعلن النصر أخيراً جميع المتحاربين؛ فيقول هذا: “إنتصرنا، وهذه أهدافنا تحققت”، ويقول ذاك : “إنتصرنا، أمَا شاهدتم صمودنا!” وفي النهاية تبقى حقيقةٌ واحدة أن العالم الذي سيخرج من تحت رماد حرب أوكرانيا وروسيا، لن يكون أبدًا كالعالم الذي عشناه قبل هذه الحرب؛ بل عالمٌ بنظامٍ لا يمنح أمريكا وأوروبا سوى ثُلث عجلة القيادة التي تتحكم في مصير الكوكب، مع الإعتراف بقوة روسيا العسكرية والسياسية، وبالصعود الصيني الإقتصادي والعسكري مع قطيعةٍ بين دول المعسكرات المُتناحرة.
الحرب الكونية بحُلَّةٍ جديدة:
لم تنخرط جيوش أمريكا وأوروبا في الحرب إلى جانب أوكرانيا، لكنَّها كانت حاضرةً عسكريا وبقوةٍ عبر تسليح كبير، مَكَّنَت كييف من المقاومة وأفشلت خطة بوتين الذي إعتقد أن النصر إنما حرب أيام؛ فإمتدت الأيام لأسابيع والأسابيع لشهور.
حتى العقوبات الإقتصادية الأمريكية الأوروبية ضد روسيا أوصلت موسكو إلى مكانٍ أَكَّدَ فيه بوتين أن العقوبات إعلان حرب.
التدفقات إلى أوروبا لم تقتصر على الأسلحة، بل جاءها آلاف المتطوعين من دول أوروبا وأمريكا الحليفة، في ظل تقارير تفيد بمشاركة قواتٍ خاصة أمريكية وبريطانية بشكلٍ مباشرٍ في الحرب، كما أن الحملة الإعلامية والسياسية على روسيا وبوتين شخصيًّا تُذكِّر بما لا يدع مجالًا للشك بأن بوتين في نظر أوروبا وأمريكا اليوم، ما هو إلا المكافئ لأدولف هتلر الزعيم النازي في الحرب العالمية الثانية.
وفي الجانب الآخر يُمكِن التأكيد ببساطة أن الصين لم تُقدِّم أي دعمٍ عسكريٍّ لروسيا في حربها على أوكرانيا، كما قد يقول قائلٌ عن الدعم السياسي أيضًا لم يكن على قدر التوقعات، لكنَّ الحقائق تُشير إلى أن الصين لم تتخلَّى للحظةٍ عن الحليف الروسي عبر دعمٍ مالي وإقتصادي مع رفض الإدانة كما تطلبها أمريكا، التي وصلت إلى حد تهديد الصين ما لم تتخذ موقفًا معاديًا صريحًا لروسيا. فحتى كوريا الشمالية – بدورها- لم تتوارَى عن تهديد أمريكا برشقات صواريخ نوويةٍ دعمًا للحليف الروسي.
وفي الشرق المتوسط وبلاد العرب، وعلى الرغم من أن الدول الفاعلة فضَّلت إمساك العصا من المنتصف، إلَّا أن خروج من كان يُتَّهَم بالتبعية لأمريكا كالإمارات وغيرها من الدول الخليجية من فلك واشنطن، وإدارة مصر لموقفها بما يتناسب مع حاجاتها القومية خاصةً في مجال إستيراد الطاقة والحبوب، وتغليب هذه الدول مَصالحها الوطنية على أجندات أمريكا، بإستثناء قطر التي لا تزال تعتقد أنها ربما تُعوِّض أمريكا وأوروبا عن إمدادات الطاقة الروسية- كل هذا جعل شكل التحالفات أكثر تعقيدًا من ذي قبل، ما يعني أن خاتمة هذه الحرب إن عَنت إنتهاء الأعمال العسكرية بعد تحقُّق الأهداف الروسية الأساسية المتمثلة بحياد أوكرانيا وعدم إنضمامها إلى حلف الناتو أو تسلُّحها، بما يُهدد الأمن القومي الروسي، وبالتفاهم داخليًّا على إحياء إتفاق مينسك أو مينسك2، لكن تكهنات مراكز التحليل الإستراتيجي لما بعد الحرب تتحدَّث عن إمتداداتٍ تُشبه إمتدادات أي حربٍ عالمية تُكرِّس شكلًا جديدًا للعالم بعلاقاتٍ وتحالفاتٍ مختلفة ونظامٍ دولي لم نعهده من قبل.
إذا كتبت روسيا التاريخ…..
فى حال سماح التاريخ لروسيا بأن تكون كاتبة لتاريخ الإنتصار بعد الحرب؛ فإن الأمور ستسير بلا شكٍّ بسيد الكرملين نحو المشاركة في حكم العالم، لأن الأزمة الأوكرانية تُجسِّد من وجهة نظر بوتين سعيًا لإعادة رسم خريطة عالم ما بعد الحرب الباردة وإستعادة نفوذ موسكو على نصف أوروبا، ما يعني أن عقيدة بوتين وفكره باقيان ربما حتى بعد رحيله؛ ما سيُلقي بظلالهِ على العالم لفترةٍ طويلة، خاصةً إذا ما نجحت إستراتيجية بوتين على المدى البعيد في فك ارتباط دول البلطيق بحلف شمال الأطلسي، من خلال إثبات أن الحلف عاجزٌ عن تقديم الحماية لها.
ومع وجود المجر وخمسة أعضاء آخرين في الناتو يتشاركون الحدود مع روسيا الجديدة الموسعة؛ فإن قدرة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على الدفاع عن الجناح الشرقي للحلف سوف تتضاءل بشكل ٍكبير، كما سيعمل بوتين على تكريس دعمه لليمين المتطرف داخل دول أوروبا، وتوسيع الشِّقَاق داخل المجتمعات الغربية، بين ذوي التوجه الأوروبي والأمريكي، والجماعات المشككة في الإتحاد الأوروبي والمناهِضة لهيمنة أمريكا في القارة الأوروبية، ومع إضعاف التحالف الأطلسي سيبدو الطريق مُمهدًا لبوتين نحو هدفه النهائي؛ للإطاحة بالنظام الدولي الذي تلا الحرب الباردة، وتكريس روسيا كقوةٍ عظمى مجددًا في عالمٍ ثلاثي الأقطاب.
أمريكا في أوروبا …..
بعد عقودٍ على نظامٍ دوليٍّ قائمٍ على لعب واشنطن دور شرطي الكوكب، مع الإكتفاء بحفظ مصالحها في أوروبا من خلال شركائها هناك، فإن الحرب الروسية الأوكرانية اليوم ستُنتِج علاقة جديدة بين أمريكا وأوروبا؛ بحيث تصبح القارة العجوز مركز التحرك الأمريكي، إذ إنه مع هيمنة روسيا على أوكرانيا سيغيب الأمن والإستقرار عن أوروبا كما عهدته من قبل، وذلك في منطقةٍ واسعة تبدأ في إستونيا وصولاً إلى رومانيا وتركيا، خاصةً وأن جيران أوكرانيا سينظرون إلى وجود روسيا كعدوٍّ يُهدِّد الأمن ويتربص اللحظة للإنقضاض، كما أن كلَّ أوروبا ستواجه تحدياتٍ شديدة، وعلى رأسها ألمانيا، التي لا تملك جيشًا قويًّا يُمكِّنها من الدفاع عن نفسها أو عن جيرانها بعد التقدم الروسي غربًا، ما سيضع المسؤولية الأكبر على فرنسا وبريطانيا، اللَّتين ستقودان الجهود العسكرية بفضل قواتهما المسلحة القوية نسبيًّا؛ إلَّا أن كل هذا لن يؤدي إلى تراجعٍ محتمل لدور حلف الناتو.
حيث ستبقى الولايات المتحدة هي صاحبة الكلمة العليا في أوروبا، وستعطي من قوتها للحلف الذي سيُحاول تجاوز نكسته في أوكرانيا ليُطمئِن دول شرق أوروبا القلقة والمعرَّضة للخطر على طول حدودٍ مترامية الأطراف وغير مستقرةٍ مع روسيا، بما في ذلك بيلاروسيا والأجزاء التي تُسيطر عليها روسيا في أوكرانيا.
ما سيعني ببساطة أن الولايات المتحدة بعد حرب أوكرانيا ستحضر في أوروبا أكثر من أي وقتٍ مضى، وستتخذ من القارة العجوز محورًا لها عبر حلف الناتو الذي سيبقى الأداة المنطقية التي تُمكِّن للولايات المتحدة من توفير ضماناتٍ أمنية وأن تردع روسيا، رغم أن الأوروبيين يعلمون جيدًا أن هذا الحلف لن يكون مظلة الأمن المطلقة؛ لتُصبِح حرب أوكرانيا النداء الأخير لتحسين القدرات الدفاعية الأوروبية ومساعدة أمريكا على إدارة المعضلة الروسية الصينية.
مخالب التنين تظهر …
يتعاظم إيمان العالم يوما بعد يوم ، بأن الصين تتحول تدريجيًّا من تنين الإقتصاد إلى تنين محاربٍ أكثر جرأةً بعد المغامرة الروسية، ما يُحقِّق أهداف الصين التي وضعتها منذ ردحٍ من الزمن، وعلى رأسها إبقاء الحزب الشيوعي الصيني في السلطة، وإحتلال تايوان وضمها إلى البر الصيني الرئيسي، والسيطرة على شرق الصين وبحر الصين الجنوبي، مع إرجاع الصين إلى مكانةٍ تجعلها قوةً مهيمنة في آسيا وأقوى دولة في العالم.
ورغم أن الصين إنتهجت خلال نصف قرن تقريبًا طُرقًا هادئةً وسلميةً نسبياً لتحقيق أهدافها من دون صداماتٍ كُبرى، لكنَّ العالم كثيراً ما عَرفَ وآمن أن بكين تسير على نهج الزعيم الصيني “دينغ شياو بينغ” الذي قال: “أخاف قوتك وأنتظر الوقت المناسب”.
وقُبيل الحرب الأوكرانية الروسية بدا ظاهرًا للعيان مدى تطور القوة العسكرية الصينية، كما توسعت الصين بقوةٍ على جبهاتٍ متعددة، ما حدا بمراكز بحثية إلى القول بأن الصين أحلت دبلوماسية الذئب المحارب محل دبلوماسية الصداقة في منطقة شرق آسيا البحرية، مع تصاعُد الدعوات داخل قيادات الحزب الحاكم في الصين لغزو تايوان.
وفي أسوإ السيناريوهات لأمريكا والغرب قد تستفيد الصين من إصرار روسيا في أوكرانيا، وتغزو تايوان فعلًا؛ لتُصبِح واشنطن بين خيارين مجددًا:
– إمَّا مواجهة الصين بحربٍ عالمية.
– أو إعتماد الصيغة الجديدة للحروب العالمية عبر الدعم والإسناد والتسليح لتايوان.
وفور تحقيق بكين مكاسب في شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ فسوف يُبشِّر ذلك بنهاية النظام العالمي الحالي، إذ أن الصين أدركت منذ الأزمة الأخيرة في كازاخستان تأثيرها في تعزيز روسيا لنفوذها في منطقة آسيا الوسطى، وهو ما يعني تزايد أهمية روسيا للصين.
كما أن القناعة الصينية جراء الحرب الأوكرانية ستكون في تزايد بضرورة التحالف مع موسكو في مواجهة الغرب وإستثمار اللحظة الراهنة في وضع أسسٍ لنظامٍ دولي جديد، تكون لهما فيه مساهمة أكبر في إدارة المشهد الدولي.
وسواء تحالفت الصين مع روسيا أم فضَّلت النهوض وحدها كقوةٍ عظمى مع الإكتفاء بالتنسيق مع روسيا؛ فإن التحدي الغربي يُشكِّل سببًا كافيًا لإحتمال تنامي نشوء تحالفٍ بين القوتين ينتج عنه تحالفٌ أوسع، وهو ما يعني بالضرورة أننا بِتنا أمام نظامٍ دوليٍّ جديد .
إمبراطورية السلاح …
لم تتوقف تقارير إعلامية عن إتهام أمريكا بعزمها بقاء الصراع في أوكرانيا لأمدٍ طويل؛ خدمةً لمصلحتها الجيوسياسية الخاصة ولمصنعي الأسلحة الأمريكيين، إضافةً إلى أن واشنطن تستخدم الفوضى لأجل التلاعب بأوروبا والناتو تحت غطاء التهديد الروسي.
ما يعني أن أمريكا لن تخرج خاسرةً بكل الأحوال من حرب أوكرانيا وروسيا، وأن النظام العالمي الجديد لن يقوم على أنقاض النظام المحتضر؛ لأن أمريكا ستظل قوةً عُظمى مع تغيرٍ وحيد، أنها لن تبقى القطب الأوحد جراء بروز عالمٍ متعدد الأقطاب عسكريًّا وإقتصاديًّا، إلَّا أنها ستُواجِه التحالف الروسي الصيني بإبقاء الناتو محاصِرًا لغرب روسيا تقريبًا، مع ضم المزيد من الدول إلى الحلف الذي يقض مضجع بوتين.
كما ستدفع أمريكا إلى زيادة الإنفاق العسكري الأوروبي، بالتزامن مع فرض المزيد من العسكرةِ والتسليح وبناء القواعد في دول أوروبا الشرقية؛ بهدف جعل الإمبراطورية الروسية التي أعيد تشكيلها أشد عُزلةً عن الإقتصاد العالمي، في وقت سيحاول كل الغرب بناء كتلة إقتصادية تنبذ الصين وروسيا، وتقودها مجموعة السبع وحلفاؤها الديمقراطيون الذين يسيطرون على أكثر من نصف ثروة العالم.
وفيما يخص ملفات وصراعات العالم؛ ومع معرفة أمريكا أنها ستفقد كثيرًا من قوتها فيما يخص فرض إرادتها لكل الصراعات والملفات فمن المرجَّح أن تُحاول واشنطن الإحتفاظ بذات المؤسسات الدولية. في وقت قد تسعى الصين وروسيا لإعادة تشكيل مؤسسات الأمم المتحدة بما يتناسب مع حقائِق جديدة بأنَّ موسكو تُسيطر بشكلٍ فعَّال على جزء كبير من أوروبا الشرقية، بينما تسيطر الصين على جزءٍ كبيرٍ من شرق آسيا وغرب المحيط الهادي.
النفط حصانٌ عربيٌ أصيل…
في وقتٍ كان كل الكوكب يتحدَّث عن الطاقة البديلة والمتجددة، جاءت حرب أوكرانيا وروسيا لتضع مصادر الطاقة الأحفورية على عرشها مجددًا، فمن يملك النفط والغاز يملك أوراق النصر، ففي وقتٍ كبَّلَت روسيا أيادي أوروبا بمجرد التلويح بإغلاق صنبور الطاقة عنها، وجدت الدول العربية المنتِجَة للنفط والغاز نفسها في إنتعاشةٍ كبيرة مع تحسن صناعة النفط والخام بالتزامن مع إرتفاعات كبيرة في أسعارها.
إذ صعد سعر برميل النفط إلى أعلى مستوياته في أربعة عشر عامًا، بينما إرتفعت أسعار الغاز الطبيعي إلى أكبر سعرٍ في تاريخ القطاع؛ ما أبرز دور دول الخليج العربية كقوةٍ إقليميةٍ كبرى، خصوصا مع إعلان الولايات المتحدة حظر النفط الروسي من دخول البلاد وإتخاذ بريطانيا القرار ذاته، في وقتٍ يُرجَّح تأخُّر عودة النفط الخام الإيراني إلى الأسواق جرَّاء عدم التقدم بمفاوضات الملف النووي الإيراني وإستمرار العقوبات على طهران؛ ما أمَّن ميزانيات مالية كبيرة لدول الخليج العربية تجعلها قادرةً على إطلاق إستثمارات ٍ كُبرى وتعزيز قواتها العسكرية وتكريس نفسها قوىً إقليمية.
ورغم عدم وجود ترجيحات بقلب دول الخليج تحالفاتها، إلَّا أنها ستُعيد تشكيل العلاقة مع الولايات المتحدة، وتنفتح أكثر على القطبين الجديدين روسيا والصين، خصوصا وأن السعودية والإمارات رفضتا قبلًا طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن من منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك زيادة الإنتاج لسد الفجوة المحتملة في إمدادات الطاقة من روسيا.
خارج عالم الدولار …
تذهب معظم المراكز البحثية إلى أن إنتهاء الحرب الروسية الأوكرانية بأعمالها العسكرية لن يكون إلا البداية الحقيقية لحربٍ إقتصادية ٍ وسياسيةٍ وإعلامية بين أمريكا وأوروبا من جهة، وروسيا والصين من الجانب الآخر، ما سيدفع روسيا والصين لإيجاد عالمٍ إقتصادي خارج عالم الدولار والسويفت، وهو عالم بدأ يتشكل فعلًا أثناء الحرب في أوكرانيا للإنتصار على سلاح العقوبات الغربية؛ حيث بدأت روسيا والصين تقدمان حلولًا إقتصادية لكسر الإحتكار الذي يُمارِسُهُ الدولار على التجارة والتبادل العالمي عبر فرض التبادل التجاري وبيع الطاقة بالروبل الروسي واليوان الصيني.
وبات من المؤكَّد أن العالم الإقتصادي الروسي الصيني الجديد سيجتذب دولًا كثيرة ترزح تحت عقوباتٍ إقتصادية ٍ أمريكية لكسر السيطرة الأمريكية بإحتكار التعامل بالدولار والتحكم بالسويفت العالمي.
إذاَ بدأت الصين وروسيا بالفعل التعامل ببطاقات موازية للفيزا والماستركارد؛ ما يُؤسِّس لنظامٍ عالميٍّ إقتصادي موازٍ، يُقسِّم العالم إلى فسطاطين ويجعله أمام نظامين إقتصاديين يحمي كل منهما قوى عسكرية موازية أيضًا، ما يعني أن موازين القوى الجديدة في عالم ما بعد حرب أوكرانيا وروسيا سيتضمن نشوء سوقٍ عالميةٍ موازية تفرض أمريكا عليها قطيعةً تامةً ، مع بقاء إحتمال نشوء إقتصاد ٍ ثالثٍ بينهما يشق طريقه إلى العالمية؛ وبالتالي دخول مرحلة عالمٍ متعدد القطبية سياسيًّا وعسكريًّا وإقتصاديًّا.
وما أن تضع حرب روسيا وأوكرانيا أوزارها بأي مساراتٍ أو نهاياتٍ كانت؛ فإن قيادة العالم إمَّا أنها ستُصبِح ثلاثية بالفعل، أو ربما يكون عالماً بِلا أقطاب يشبه جُزرًا إقليمية منعزلة من التحالفات والخصومات.
ولا يبقى على دول أمريكا وأوروبا من جهة وروسيا والصين من جهةٍ أخرى إلا أن تقرر أيًّا من العالمين تريد أن يعيش فيه أهل الأرض.
ومهما كانت النتيجة في تحديد الخاسر والرابح فالحقيقة أن الشعوب المكافحة والفقيرة هي الأدات والضحية للصراعات بين ما يُسمى بكبرى الدول لتحقيق أهدافها ومشاريعها بثمن يدفعه أصحاب أراضي الغير وشعوب لا دنب لها إلا أنها ولدت على أرض العدالة المقنعة.
خالد زين الدين.
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية
عضو إتحاد الصحفيين الدوليين في بروكسل
عضو نقابة الصحافة البولندية