ما بين الإنزلاق والمفاوضات كلمة سرٍ غريبة
تحذيراتٍ مِنْ هجوم روسي شامل على أوكرانيا.
متى الموعد ؟
تًصاعدت وتيرة الأحداث سريعًا خلال الأيام الأولى مِنْ العامِ الجديد، إذ حَذَرت تقاريرٌ غربيةٌ مِنْ هجومٍ روسيٍ مفاجئٍ وشامِلٍ على الأراضي الأوكرانية؛ يجري التحضيرُ له حاليًا، وذلك بالتزامن مع تزايُد حِدة المعارك على جبهاتٍ عدة بين قوات موسكو وكييف، كما دَخَلَت بيلاروسيا على خط المواجهة بعد أنْ تعرضت أراضيها لقصفٍ أوكرانيٍ في أولِ حادثةٍ مِنْ هذا النوع؛ تُبلِّغ…. عنها مينسك منذ بدء الحرب قبل أكثر مِنْ عشرة أشهر، كما حفَّزت أميركا كعادتها مِنْ فُرص زيادة التوتراتِ ، فوضعت قواتِها على بُعْد سبعة دقائقَ مِنْ القِرم.
وفي الوقتِ ذاته رفضت طلب أوكرانيا بتزويدها بصواريخَ بعيدة المدى، فَمَا الَّذِي يحدُث؟
وما حقيقة الهجوم الروسي الشاملِ المنتظرِ على أوكرانيا؟
ومتى موعِدُه؟
ومن أين سيَبدأ؟
ولماذا يُثير الأمر خَوفَ كييف إِلَى هذا الحد ؟
وأخيرًا ما سرُ تصرفات الولايات المتحدة الأخيرة ؟
وهل تسعى لإثارةِ إستفزاز روسيا أمْ للتلاعب بأوكرانيا؟
حقيقةُ مخاوف أوكرانيا وعلاقتها بالعام الجديد …..
في تقريرٍ نشرهُ المعهد الأميركي لدراسات الحرب [آي.أس.دبليو] تم تسليط الضوء على مخاوف أوكرانيا المتزايدة مِنْ إحتمالية شن القوات الروسية لهجومٍ بريٍ شاملٍ على الأراضي الأوكرانية، خلال الأشهر الأولى مِنْ عام ألفين وثلاثةٍ وعشرين، أي مع وصول الشتاء إلى ذروته، ووفق ما أوردهُ التقرير، فإنَّ مسؤولين أوكرانيين ينتظرون أن تبدأ روسيا بشنِ هجومٍ بريٍ شاملٍ على جميع الأراضي الأوكرانية وعلى مختلفِ الجبهات خلال الأشهر الأولى مِنْ العام الجديد، وهي التوقعات الَّتِي أوضحَ المعهد أنَّها تتسقُ مع تقييماتها السابقة؛ والَّتِي تَوقَع فيها أن تَزيدَ أشهر الشتاء مِنْ وتيرة العمليات العسكريةِ على الجانبين.
كما أَقرَّ المعهد في تقريره بأنَّهُ مِنْ غير الواضح ما إذا كان بإمكان الجيش الأوكراني طرد الروس مِنْ الأراضي الَّتِي سيطروا عليها أو على الأقل العودة إِلَى خطوط الثالث والعشرين مِنْ شهر فبراير / شباط عام ألفين وإثنين وعشرين، مُضيفًا أن إطالة أمد الحرب لا تَصب في مصلحة الروس؛ لذلك مِنْ المتوقع أن تسعى روسيا لهجوم جديد شامل مستعينةٍ بخططٍ إستراتيجية جديدة تُوحِّد عملياتها في أوكرانيا، وهو ما يَأمَّلهُ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد تعيينه للجنرال سيرغي سوروفيكين قائدًا عسكريًا جديدًا للعمليات في أوكرانيا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي يعد أكثر صرامةً مِنْ سابقيه ، بالنظر إِلَى تجاربه العسكرية السابقة.
وللجنرال الروسي المخضرم سوروفيكين خبرة في قيادة العمليات العسكرية خارج البلاد، فشَغِل في أكتوبر / تشرين الأول من عام ألفين وثلاثة عشر منصب قائد المنطقة العسكرية الشرقية، وتدرج في مراتب الجيش الروسي كما يتمتع بخبراتٍ ميدانيةٍ كبيرة، حيثُ شَارَكَ في العمليات العسكرية الروسية في أفغانستان وطاجكستان والشيشان.
وفي مارس / أذار من عام ألفين وسبعة عشر قَادَ التجمع العسكري الروسي في سوريا وفقًا للموقع الرسمي لوزارة الدفاع الروسية الَّذِي أورد : ” أن سوروفيكين حصل في عام ألفين وستة عشر على لقب بطل روسيا لشجاعتِهِ وبطولاته” وتوافق ما يرمي إليه التقرير مع تصريحاتٍ للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أدلى بها في وقتٍ سابق وأَكَّدَ خلالها أنَّ الأشهر الستة المقبلة ستكون حاسمةً في عُمر الصراعِ مع روسيا، وقال زيلينسكي في كلمةٍ له عبر الإنترنت إِلَى المجلس الأوروبي: “ستكونُ الأشهرُ الستةُ المقبلة حاسمةً في المواجهة الَّتِي بدأتها روسيا؛ لأنَّ الهدف النهائي لموسكو أبعدُ بكثيرٍ مِنْ حدودِ وسيادةِ أوكرانيا، وستتطلب منَّا الأشهرُ الستة المقبلة جهودًا أكبر مِنْ تلك الَّتِي بُذِلَت خلال الفترة الماضية”.
وفي تصريحاتٍ لوسائلِ إعلام، رأى وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف: “أن الأدلة تتزايدُ بشأن تخطيط روسيا لشنِ هجومٍ جديدٍ واسع النطاق، وتَكَهَّن بأن يحدث الهجومُ في فبراير / شباط عام ألفين وثلاثة وعشرين بعد إنتهاء ِ تدريبات عشرات الآلاف مِنْ الأشخاص الَّتِي جندتهم روسيا في أكتوبر / تشرين الأول من العام ألفين وإثنين وعشرين لمساندتها في حرب أوكرانيا”.
وأضاف ريزنيكوف في حديثه لصحيفة الغارديان: الجزء الثاني مِنْ التعبِئَة يشمل مئة وخمسين ألف شخص تقريبا يحتاجون ما لا يقل عن ثلاثة أشهرٍ للتحضير، هذا يعني أنهم يحاولون بدء الموجة التالية مِنْ الهجوم على الأرجح في فبراير / شباط مثل العام الماضي، هذه خطتهم، وفي تصريحات أُخرى نقلتها صحيفة الغارديان، قال وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا: “إن روسيا تدرس شن هجومٍ كبيرٍ ضد أوكرانيا بحلول نهاية يوليو/ تموز أو فبراير / شباط مِنْ عام ألفين وثلاثةٍ وعشرين” ولفت كوليبا في تصريحاته إلى أنه “مِنْ المحتمل بحلولِ نهاية يناير / كانون الثاني أو بداية فبراير / شباط ، سيكونُ لدى الجيش الروسي القدرة على شنِ هجومٍ كبيرٍ وهام، وبطبيعة الحال في أوكرانيا ونحنُ نبذلُ قصارى جهدنا لمنعِ حدوثِ ذلك”.
وبحسب الوزير الأوكراني فإنَّ القوات الروسية لا تزالُ تُراهِنُ على إختراقِ الخطوط الدفاعية الأوكرانية والتَقدُّم أكثر في البلاد، ودَلَّلَ على ذلك بعمليات التجنيد الَّتِي أعلنت القوات الروسية عنها ونَقْل أسلحةٍ ثقيلةٍ إِلَى كييف.
صحيفة ذي إيكونوميست The Economist توقعت في هذا الشأن أن يحدث الهجوم الروسي الجديد في وقتٍ قريب مثل يناير الجاري / كانون الثاني ، لَكِنْ المُرجَّح أن يقع في فصل الربيع، وأشار الجنرال فاليري زالوجني قائد القوات المسلحة الأوكرانية إلى : إن الروس يُحضِّرون نحو مئتي ألف جندي مِنْ القوات الجديدة، ليس لَدَيَ شكٌ بأنَّهُم سيُحاولون مرةً أُخرى نحو كييف”.
وفي الوقت ذاته دَعَا الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إِلَى الإستعداد لصراعٍ طويل الأمد في أوكرانيا، وقال ستولتنبرغ في مقابلة صحفية أجراها مؤخرًا: “إِنَّ روسيا لا تَنوي التخلي عن أهدافها في أوكرانيا، وإنَّ الدلائِل تُشيرُ إِلَى أن موسكو تستعد لشن هجومٍ بريٍ جديدٍ واسِع النطاق” وشَدَّدَ أمين عام الناتو على أنَّ شروط إتفاق تسوية النزاع ستعتمدُ على الوضع في ساحة المعركة، مُؤكِدًا ضرورة مواصلة تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا مِنْ أجل إقناع روسيا بالجلوس على طاولة المفاوضات، والإعتراف بأوكرانيا كدولةٍ أوروبيةٍ مستقلةٍ وذات سيادة. وهنا يبرز السؤال الأهم :
من أين يبدأ الهجوم الروسي الشامل الجديد على أوكرانيا؟
تزامن الحديث عن الهجوم الروسي المتوقَع على الأراضي الأوكرانية مع إعلان بيلاروسيا سقوطِ صاروخٍ أطَلَقَتهُ أنظمةُ الدفاعِ الجوي الأوكرانية على أراضيها في أولِ حادثةٍ مِنْ هذا النوع ِتُبلِّغ عنها مينسك منذُ بدء الحرب قبل أكثر مِنْ عشرةِ أشهر، وَهوَ الأمرُ الَّذِي جعل فريقًا مِنْ الخبراء يُرجِّحون أنْ تَتَخِذَ موسكو مِنْ حليفتها مينسك مركزًا لِشنِ الهجوم المُقبِل على الأراضي الأوكرانية، وَرَجَّحَ الخبراء فكرتهم بعد أنْ أَجرى بوتين ونظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو محادثاتٍ في المتحف الروسي في سان بطرسبرغ في لقاءٍ يُعَدُ الثاني بين الحليفين في أقلِ مِنْ أسبوع، كما إستخدمت موسكو بيلاروسيا كنقطةِ إنطلاق ٍ للحرب في الرابع والعشرين مِنْ فبراير / شباط ألفين وإثنين وعشرين، حيثُ أَرسلت روسيا الآلاف مِنْ قواتِها عبرَ الحدود في الهجومِ على كييف، وأطلقتْ صَواريخ مِنْ القواعِدِ الجويةِ البيلاروسية ضدِ أهدافَ أوكرانية.
ومؤخرًا نشرت طائراتٍ بدونِ طيار في القواعد الجوية البيلاروسية، وِفقًا لما ذكرتهُ الإستخبارات العسكرية الأوكرانية، في غضون ذلك إتهمت بيلاروسيا أوكرانيا بأنَّها تُحاوِل جَرَّ مينسك إِلَى الصراع، حيثُ إتهمت كييف بالتخطيط لهجومٍ مثلَ الإنفجارات الَّتِي ضربتْ جسر مضيقِ كيرتش الَّذِي يربِطُ روسيا بشبهِ جزيرة القرم، والَّتِي أَلقَت روسيا باللومِ فيها على أوكرانيا، كَمَا ألقت بيلاروسيا باللومِ على الغرب في دفعِ أوكرانيا نحو حربٍ مع بيلاروسيا، وفي هذا الصدد يبرز تصريح زيلينسكي بأن : “نظيره البيلاروسي لوكاشينكو يحاول خلق ذريعة لشن هجومٍ على كييف”. وعقب حادث الصاروخ إستدعت بيلاروسيا السفير الأوكراني لتبلغه إحتجاجها بأنها : أسقطت صاروخًا للدفاع الجوي الأوكراني في الأراضي البيلاروسية، وطلبت مينسك مِنْ كييف إجراء تحقيقٍ شامل بعد أن سقط الصاروخ وهو مِنْ طراز أس ثلاثمئة.
أميركا تصطاد في الماء العِكر …… هل تستفز روسيا أم تُورِط أوكرانيا؟
في الوقت الذي وصلت التوترات بين موسكو وكييف إلى ذروتها ، أفادت صحيفة نيو يورك تايمز الأميركية بأن: جنود الفرقةِ مئةٍ وواحد المحمولةَ جوًا بالجيشِ الأمريكي يتدربونُ ويأكلونُ وينامونُ بموقعٍ مترامي الأطراف في جنوب شرق رومانيا الَّتِي تَفصِلها بضعةُ أميالٍ فقط عن الحدود الأوكرانية ،وعلى بُعد سبعةِ دقائق مِنْ القرم.
ووفق الصحيفة الأمريكية فإنَّ الجنود الأمريكيين مِنْ الفرقة مئةٍ وواحد يُطلقون نيران المدفعية ويشنون هجماتٍ بالمروحيات الهليكوبتر، ويحفرون خنادِقَ مشابهةٍ لتلكَ الموجودة على الخطوط الأمامية في المنطقة قرب خيرسون، وتقول نيويورك تايمز: ” هذه المرة الأولى الَّتِي تنشر فيها الفرقة مئة وواحد المحمولة جواً داخل أراضي أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية” مُشيرة إِلَى أنَّهُ مع وجود تلك الفرقة في رومانيا الدولة العضوة في الناتو أصبحَ جنودها الآن أقرب إِلَى الحرب في أوكرانيا عن أي وحدةٍ أُخرى بالجيش الأمريكي، وهو ما يصفه كثيرٌ مِنْ المراقبين بالإستفزاز المتعمد لروسيا لجرها إِلَى تسريع الهجوم المحتملِ على الأراضي الأوكرانية.
في الوقت ذاته كتبت صحيفة بوليتيكو: أنَّ الولايات المتحدة لم تُصغِ إلى دعوة الرئيس الأوكراني لتزويدِ جيشهِ بصواريخٍ تكتيكية بعيدة المدى مِنْ طراز أتاكمس، وأضافت الصحيفة أن البيت الأبيض رفض بشكلٍ قاطعٍ تزويد الجيش الأوكراني بالأنظمة الصاروخية التكتيكية؛ لأنَّهُ يعتبر هذه المعداتَ العسكريةَ خطيرةً للغاية في ضوءِ المواجهة مع روسيا.
ويُثير الموقف الأميركي المتناقض والمتغير حيال أوكرانيا سؤالًا مهما وهو : هل تعتمدُ إدارة بايدن وضع أوكرانيا أمام فَوهَة المدفعية ثم تتركها تُواجِه مصيرها لوحدها؟!
وهل سينشب صراع عالمي ظاهري في أوكرانيا ؟
وهل ستتحول أوكرانيا لساحة صراع عالمية ؟
أم أننا سنشهد مفاوضات سريعة الوتيرة بين الأوروبيين والروس لمنع الإنزلاق نحو حرب عالمية مفتوحة؟
ولكن الأكيد والمؤكد بأن الصراع في أوكرانيا كما الصراعات في باقي الدول التي تشهد حروب ،لا يدفع الثمن إلا صاحب الأرض وساكنها ؟.
خالد زين الدين.
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية.
عضو إتحاد الصحفيين الدوليين في بروكسل.
عضو نقابة الصحافة البولندية.