مأزق الطاقة في الولايات المتحدة الأميركية (الذهب الأسود)

النفط والموت

المهندس بسام غازي حرب

ندرك تماماً جوهر مأزق الطاقة لدى أميركا، فالشرق الأوسط والمناطق الأخرى التي عانت طويلاً من عدم الإستقرار والإضطراب الأهلي هي وحدها التي تمتلك احتياطيات كافية غير مستثمرة لتلبية زيادة طلب الولايات المتحدة وطلب العالم على النفط في السنوات المقبلة. والولايات المتحدة سواء شائت أم أبت فما دامت تواصل اعتمادها على النفط كمصدر رئيسي للطاقة فإن أمنها ورفاهها الاقتصادي سيكونان مرتبطين بالتطورات الاجتماعية والسياسية عند هؤلاء المنتجين. ويقول كلير في هذا الموضوع: (لقد تجلى، مدى إحكام هذا الرباط في ربيع 2004، عندما سبب العنف في ثلاثة بلدان وهي الهجوم على محطة نفط في العراق، و سلسلة تفجيرات قنابل وإطلاق نار في المملكة العربية السعودية، وقتل عمال نفط في نيجيريا، هبوطاً في الإنتاج العالمي للنفط وما نتج عنه من ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة)[1].

ولا شك في أن مشكلة الولايات المتحدة الكبرى تكمن في زيادة تعويلها على ممالك النفط في الخليج. وبصرف النظر عن مدى الجدية التي تحاول فيه الولايات المتحدة  تنويع وارداتها من الطاقة عن طريق التحول إلى منتجين في مناطق أخرى فإنها ستبقى في حاجة إلى كميات أكبر وأكبر من نفط الخليج، وهو المنطقة الوحيدة ذات الاحتياطيات الكبيرة بما يكفي لتلبية زيادة الطلب ‏الأميركي والدولي. والاعتماد المداوم على نفط الخليج يعني استمرار التعرض لخطر الاضطراب السياسي والنزاع، والإرهاب الذي يجتاح المنطقة، فقد قال آيسنشتات، وكيل وزارة الطاقة السابق، أمام الكونغرس: (في النهاية سيعرضنا اعتمادنا على نفط الخليج عامة، ونفط السعودية خاصة، للهجوم في الخارج وفي الوطن، على حد سواء)[2].

والإتجاه الثالث الحاسم ينتج من الإتجاه الثاني، فزيادة الاعتماد الأميركي على مزودين غير مستقرين في أجزاء خطرة من العالم النامي يسبب ضغوطاً اجتماعية واقتصادية وسياسية تفاقم الانشقاقات المحلية، وبالتالي تزيد خطر الاضطراب والنزاع. وتنشأ هذه الحالة من عدة أسباب:

أولاً- الوجود الواضح لشركات النفط الأميركية في هذه البلدان يتجه إلى إثارة العداء من الناس الذين يرفضون القيم الأميركية أو يمتعضون من التركيز الكبير للثروة والقوة في أيدي الأميركيين.

ثانياً- كثيراً ما يعمل إنتاج النفط بالذات في المجتمعات النامية على حرف الاقتصاد المحلي

ثالثاً- يعطي ثروة كبيرة إلى قلة

وهكذا يعمل على تعميق الخصومة الموجودة من قبل بين الذين يملكون والذين لا يملكون.

إن الاستياء الذي يولده وجود شركات نفط أميركية في الشرق الأوسط ليس شيئاً جديداً، ( فـ{القاعدة}[3] كانت أول منظمة معادية للأميركيين أو الغرب  التي تستهدف مرافق وأنابيب النفط الأجنبية. ولكن توسع الوجود الأميركي في المنطقة، خاصة في العراق، أثار عداءً جديداً من قبل هذه الجماعات. والحقيقة أن البنية التحتية للنفط التي تحميها الولايات المتحدة تتعرض باستمرار لهجمات متكررة من قبل معارضي الاحتلال، الذين عطلوا بشدة الجهود الأميركية لاستعادة الإنتاج العراقي، وبالتالي مساعدة تمويل تكاليف إعادة البناء. علاوة على ذلك قام عدد من المسلحين، في أيار/ مايو 2004 ‏بالهجوم على مقر شركة النفط الأميركية في المملكة العربية السعودية، فقتلوا خمسة موظفين وجرحوا عدداً آخر قبل أن يُقتلوا. كما أن وجوداً أميركياً أكثر وضوحاً في بلدان أخرى خليجية، يحتمل أن يثير تعبيراً مماثلاً ‏للحقد المعادي للأميركيين)[4].

وزيادة الاعتماد الأميركي على منتجين بديلين في أفريقيا، وآسيا، وأميركا اللاتينية يمكن أيضاً أن تثير عداءً من هذا النوع. وفي بعض الحالات يمكن أن ينشأ العداء من النوع نفسه للتطرف الديني كما في الشرق الأوسط. فهناك اليوم فروع للقاعدة في آسيا الوسطى و{منطقة القوقاز}[5] وحتى في أجزاء من أفريقيا.

‏    إن خطر الاضطراب والنزاع في هذه البلدان يرتبط بقوة بالتأثير غير المستقر لإنتاج النفط بالذات، فعندما تستثمر هذه البلدان احتياطياتها النفطية وهي ذات موارد أخرى قليلة من الثروة القومية، فإن النخبة الحاكمة في هذه البلدان تحتكر نموذجياً توزيع عائدات النفط، فتنعم وأتباعها في الثراء في حين تترك بقية السكان غارقين في الفقر، حيث يستطيع الحكام في هذه الدول النفطية في حماية انفسهم أن يعتمدوا على قوات الأمن المجهزة جيداً والتي تتمتع بالامتيازات الكبيرة، وعندما يتفاوت توزيع الثروة القومية بين المترفين والمحرومين مع وجود الاختلافات القبلية أو الدينية، كما يحدث غالباً، فإن العنف يمكن أن يكون هو حصيلة الموقف. حيث يعلق كلير على المسألة بقوله: (والصحافة الغربية يمكن أن تصف هذا الصراع بأنه “إثني” من حيث نوعه، ولكنه ينجم، إلى حد بعيد، عن النتائج الفاسدة لإنتاج النفط)[6].

‏    إن الأخطار التي تنشأ من هذه الظاهرة وجدت لها تأكيداً خاصاً من القوة العسكرية للطاقة التي أسسها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عام 2000، فقد لاحظت هذه الجماعة: (أن الكثير من المزودين غير الخليجيين الذين تعتمد عليهم الولايات المتحدة، يتشاطرون صفات “الدول النفطية “، التي يعمل من خلالها الاعتماد المفرط على الدخل من صادرات الطاقة على إفساد مؤسساتها السياسية والاقتصادية، ويركز الثروة في أيدي الدولة، ويجعل كل قادة البلد أقل مرونة في التعامل مع التغيير ولكنه يزودهم بموارد كافية يتوقعون بواسطتها أن يتحاشوا الإصلاحات الضرورية إلى ما لا نهاية، فهناك إذاً خطر مهم في إمكانية نشوب أزمة في واحد أو أكثر من هذه البلدان الرئيسية المنتجة للطاقة خلال السنوات العشرين الأولى من هذا القرن)[7].

إن كل ما سبق من اتجاهات يؤدي إلى الإتجاه الرابع والنهائي وهو أن كل الأمم الأخرى المستهلكة للنفط سوف تعتمد بدرجة متصاعدة في احتياجاتها النفطية على مصادر النفط غير المستقرة في الشرق الاوسط وأفريقيا كما تفعل الولايات المتحدة، مثل أوروبا واليابان، ولكن الصين والبلدان الأخرى التي تسير بسرعة في طريق الصناعة ستنضم إليهما في هذه المنافسة على النفط، ووفقاً لوزارة الطاقة: (فإن استهلاك النفط من قبل الأمم الآسيوية النامية باستثناء أستراليا، واليابان، ونيوزيلند سيتضاعف خلال السنوات الخمس والعشرين التالية، ليقفز من 15 ‏إلى 31 مليون برميل يومياً. واستهلاك الصين وحدها سيرتفع من 6,7 ‏إلى 15,7 مليون برميل، في حين سيرتفع استهلاك الهند من 4 ‏إلى 4,9 ملايين برميل)[8]. وبما أن الاحتياطيات المحلية الخاصة بهذه البلدان محدودة فإنها ستكون مجبرة على التزاحم مع الولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان في البحث عن مأتى لمناطق الإنتاج القليلة التي فيها فائض من النفط، مما يفاقم، إلى حد بعيد، الضغوط التنافسية الحالية في هذه المناطق المتقلبة جداً.

إن هذه الضغوط سوف تؤدي على الأقل، إلى نقص دوري وارتفاع الأسعار، ما يسبب تقلباً اقتصادياً عالمياً. ويمكن أن يزداد هذا الخطر مع نضوب الكثير من الاحتياطيات الأقدم وبدء تضاؤل الإمدادات العالمية. ويختلف الخبراء حول متى ستبلغ حقول النفط في العالم إنتاجها الأقصى وتبدأ بعد ذلك انحدارها اللامعكوس حيث قال البعض إن هذا سيحدث عام 2010، ويقول آخرون إنه سيحدث في العقد الثاني أو الثالث من هذا القرن ولكن الجميع يعترفون بأن الثروة الأصلية من النفط على الكوكب قد استثمرت بصورة أساسية وأن النقص في الناتج حتمي. ومع ذلك، فإن الشلل السياسي القديم نفسه يتعاظم لدى القادة الأميركيين، الذين يقترحون إجراءات ضعيفة لتخفيف اعتماد بلادهم على النفط المستورد حتى عندما يقبلون بتبعيتها التي تتزايد باستمرار.

[1] – المصدر السابق، ص 51

[2] – المصدر السابق، ص50

[3] – منظمة مسلحة تأسست في افغانستان لمناهضة احتلال الاتحاد السوفييتي لهذه الدولة

[4] – كلير؛ مصدر سابق، ص 51-52

[5] – هي منطقة الحد بين اوروبا وآسيا، وتضم دول جورجيا، ارمينيا، اذربيجان، دول بحر قزوين ومنها ايران ودول البحر الاسود ومنهم تركيا

[6] – كلير؛ مصدر سابق، ص52

[7] – إيبل؛ مصدر سابق ، المجلد1، ص 11

[8] – وزارة الطاقة الأميركية؛ إدارة معلومات الطاقة، وكالة الطاقة الدولية، 2008 ‏، الجدول  A5 ‏، ص 100

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *