الإنتهازيّة، الإستغلاليّة، الوصوليّة والأنانيّة…أسلوب الضّعفاء، و سبيل الدّخلاء، ونهج الحقراء، وصفة الأدنياء…

الإنتهازيّة، الإستغلاليّة، الوصوليّة والأنانيّة…
أسلوب الضّعفاء، و سبيل الدّخلاء، ونهج الحقراء، وصفة الأدنياء…
بقلم: المهندس الفنّان البروفّيسّور حسين أحمد سليم الحاجّ يونس
رئيس تحرير القسم الثّقافي بالجريدة الأوروبّيّة العربيّة الدّوليّة
الانتهازيّة… هي السّياسة و الممارسة الواعية للإستفادة الأنانيّة من الظّروف، بالإهتمام الضّئيل بالمبادئ أو العواقب التي ستعود على الآخرين… و أفعال الشّخص الإنتهازي هي أفعال نفعيّة تحرّكها بشكل أساسي دوافع المصلحة الشّخصيّة… و الإنتهازيّة هي مزيج من الإستغلال و الأنانيّة…
الإنتهازيّة، الإستغلاليّة، الوصوليّة والأنانيّة… أسلوب الضّعفاء، و سبيل الدّخلاء، ونهج الحقراء، وما أكثرهم في هذا الزّمن العاهر الدّاعر الفاجر القاهر الباعر…
و الوصولي هو ذئب ضاري كاسر ومُفترس يتشودر بلباس النّعاج… وهو منافق بامتياز مُجرّد من الإنسنة، وهو الذي يسعى لتحقيق أهدافه، و الوصول لغاياته و مصالحه، و لو كانت على حساب الآخرين، فاقد الضّمير والوجدان لا إيمان ولا أمان له، يُمارس استخدام جميع الوسائل القذرة و المنحطّة و الدّنيئة، حتّى لو وضع يده بيد الشّيطان، و شعاره القاعدة اليهوديّة: “الغاية تبرّر الوسيلة”…
و هو ليس بإنسان قويم، عديم الضّمير، متلوّن كالحرباء، تجده في الصّفوف الأولى يصفّق لمن مصلحته معه… و الإنتهازي الوصولي المنافق ليس له شخصيّة ثابتة و لا مبادئ أو قيم، مهزوم من الدّاخل، نشأ على الكذب و الخداع و المراوغة، كاذب اللهجة، متأرجح، مُذبذب، يتمايل على محوره، حسب مصالحه الشّخصيّة، لا يهمّه اذا ذّل نفسه في سبيل أن يصل لهدفه…
و الإنتهازي يمتاز بحلو و عذب الكلام، ليقنعك بأنّه صادق، و قادرعلى القيام بأيّ شيء تطلبه منه، يتملّق أمامك و يسايرك من أجل هدف في رأسه، فيأخذ بأطرابك بالكلام الجميل و المعسول، و حتّى يصل إلى السّمع و الطّاعة حتّى كأنّك لتقول أنّ هذا الانسان هو الإنسان المثالي، و في خضمّ هذا الكلام المعسول الذي من الممكن أن يستمرّ لفترات طويلة، تكون أنت قد إعتقدت أنّ هذا الإنسان هو الإنسان الوفي المخلص المحبّ… و لكن فجـأة و كالمياه المنسابة بهدوء من تحت بيتك يتسلّل لقلبك بطلب ما خطط له من البداية…
قال تعالى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ . فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ .أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)…
فالإنتهازي شخصيّة غير محبّبة، فهي تبدو في ظاهرها كشخصيّة محبّة و ودودة و لكن في باطنها وبداخلها الكثير من المكر و النفاق، و يتم كشف تلك الشّخصيّة بعد أن تكون وصلت إلى أهدافها من أخذ دون عطاء…
و يتّسم أصحاب الشّخصيّة الوصوليّة، بأنّهم يبيحون لأنفسهم استخدام جميع الوسائل من أجل تحقيق مآربهم، و إن كان ذلك على حساب الآخرين، و يتّسم هؤلاء الأشخاص في البداية بالظّهور بمظهر الطّيبة و الإحترام، بقدر كبير حتّى يتمّ الوثوق بهم…
و الشّخص الوصولي هو الذي يضع نفسه في المقدّمة، دون تردّد أو شعور بالذّنب، كما يقوم بالتّملّق الدّائم من أجل الوصول إلى أهدافه…
و يدّعي الوصولي الإنتهازي، أنّه يستطيع القيام بكلّ شيء… و ينتقد زملائه أو المحيطين به دائما، حتّى يظهروا بمظهر المقصّرين، و يظهر هو بمظهر أفضل منهم… و يقاطع الآخرين أثناء الحديث، و يتحدّث كثيرا عن نفسه و عن إنجازاته و قدراته في حلّ كافّة المشكلات، و لا يستمع إلى زملائه، بل دائما يحاول إيجاد نقاط ضعف الآخرين…. و شعاره دائما الغاية تبرّر الوسيلة… و يبيح لنفسه إستخدام جميع الوسائل لمصلحته، و إن كان على حساب الآخرين… و يتقرّب منك ليدخل إلى قلبك و يوهمك بأنّه الأفضل، معتمدا على أسلوبه المنافق، رغبة في إستمالتك إلى جانبه و الأخذ منك و ليس إعطائك، و لو داس على الأخلاق و المبادئ فلا يهمّه الأمر…
و الإنتهازيّة بالمفهوم الإنساني الأخلاقي، هي حركة فعل إغتنام الفرصة و المبادرة إليها و تناولها… و هي بهذا المعنى، خُلُق محمود، وأمر مطلوب، و حثّ لعمل الخير و التّنافس فيه، و المبادرة بالعمل الصّالح… و الإنسان العاقل، هو الذي يغتنم الفرص، و يستثمرها لتحقيق أهداف سامية و مثل عليا، و خدمة النّاس بما فيه نفع للنّاس، أو مصالح ذاتيّة تكتسب بأساليب أخلاقيّة مشروعة…
و الإنتهازيّة بالمفهوم الشّيطاني، هي عندما يكون الفعل، منبثقا من نزعة الطّمع و النّفاق، لتحقيق المصلحة الذّاتيّة الضّيّقة، على حساب القيم الإنسانيّة، و على حسابات مصالح المناقب عليا، أو أهداف رفيعة و سامية، أو يكون بدل قرابين بريئة، أو على حساب تعب و كدح الآخرين، و الإضرار بالنّاس… و الإنتهازيّة هي السّعي، و الوصوليّة للوصول لأعلى المراتب، و ذلك بإستخدام أسباب، و طرق ملتوية دون أخذ مشاعر الأخرين في الإعتبار… فهذا بحدّ ذاته الإنتكاس و الإرتكاس، في حمأة الإنتهازيّة الدّنيئة، التي تحمل صاحبها و تُلقي به في قعر الدّركات…
و الفرق بين المفهومين، يكمن في وجهة سير، حركة فعل إنتهاز الفرص، إيجابا أم سلبا، فإنتهاز الفرص ليس مذموماً لذاته، طالما أنّه لا يفضي للتّفريط بمصالح عامّة، و الإضرار بالآخرين…
الإنتهازي هو شخص يُحبّ أن يسألك عن أيّ شيء ما، يبدأ الأمر بأشياء صغيرة، و يستغلّك للحصول على ما يريد، فالشّخص الإنتهازي لا يرى النّاس، بل يرى الفرص… و لا يهتمّ لمشاعر الأخرين، أو ما يصيبهم من مشكلات نتيجة لوصوله للنّجاح… و يأخذ خططك الهامّة، و أفكارك و يضيف إليها بعض النّقاط و ينفذّها لنفسه… و دائما ما يوفّر لنفسه العديد من الأدلّة، و الحجج التي تثبّت وجهة نظره…
و الإنتهازيّ بالمفهوم السّلبي، هو ذئب مفترس و ضاري، يتربّص بأخيه الإنسان، ليفتك به، إشباعا لشهواته و إرواءً لنزواته، باللجوء إلى أساليب الحيلة و المكر و الدّهاء و الخديعة و سوء الخلق، ما يتلاءم مع الضّلالات و الإنحرافات، و منطق الإستغلال، من منطلق الغاية تُبرّر الوسيلة…
و الإنتهازيّة السّلبيّة، هي داء وخيم عضال، و وباء إجتماعي فتّاك، ينهار بسببها الإنتهازي، عندما تدبّ في أوصاله، و تنتشر في جسده و قلبه و عقله و تفكيره، كالمرض الخبيث، و تسري في كينونته سريان النّار في الهشيم، ليتحوّل الإنتهازي تحت تأثير الإنتهازيّة، لشخص نفعي، يُضحّي بكلّ شيء، من أجل تحقيق مآربه الخاصّة، و منافعه العاجلة… ممّا يُساهم في إضطّرابات المفاهيم الإنسانيّة، و إختلال الموازين الأخلاقيّة للممارسات، لتسود في قاموس الإنتهازي الفعلي التّطبيقي، الوساوس الشّيطانيّة، و تفعيل المعايير المضطّربة، و المفاهيم المقلوبة…
هناك إنتهازي بشري شريف، يسعى لخدمة و نفع النّاس برضا الله تعالى، و عدم إستغلال الآخرين، بأسلوب دنيء حقير، و هو يُجسّد الصّورة الإنسانيّة المثّلى، بمناقبه الرّفيعة السّامية، و مكارم أخلاقه العظيمة…
و هناك إنتهازي بشري ذئبويّ النّفس و المزاج و الطّبع، دنيء حقير، مٌفترس، شيطانيّ التّفكير، يُقيم علاقاته على النّفاق في العلاقات، و يستغلّ الآخرين لمنافعه الخاصّة، و مصالحه الشّخصيّة، لا همّ عنده إلاّ الكسب النّفعي، حتّى من أقرب النّاس له…
الإنتهازيّ هو صورة للمنافق الجبان، الذي يُجيد الطّعن من الخلف، و الغدر من وراء الظّهر، و يُحيك المؤامرات، و يُبرمج الدّسائس، و ينصب الفخاخ، و ينسج الأحابيل، التي هي أوهى من بيت العنكبوت… و المستنير و العارف بإنتهازيّ المنافق، لا تنطلي عليه حيله و أحابيله و دسائسه و مؤامراته…
الإنتهازي هو شخص فاشل في حياته، يبتغي نجاح الآخرين سُلّما له، لقصور همّته و إمكاناته عن نيل المعالي، و قعدت به أطماعه الدّنيئة، و تقزّمت طموحاته، و إقتصرت نظرته لما دون أنفه… ليس لديه ما يُقدّمه، و معيار تفكيره، ما يكسبه ليشبع غرائزه و نزواته البهيميّة، و لا يُقيم وزنا لمثل أو قيم…
الإنتهازي المنافق هو الصّاحب المخلص و المتعاون، عندما تلتقي مصلحته مع شخص ما، و حال تفترق حاجة الشّخص مع حاجة الإنتهازي المنافق، ينقلب في علاقاته، و يتحوّل إلى وحش كاسر في غابة مدلهمّة… و هو الشّخص الأخطر، يلبس جلد الضّأن الليّن، أو جلد الثّعبان النّاعم، و قلبه قلب ذئب، و نفسه نفس أفعى… يستغلّك في طيبة قلبك، و يسرقك في خدماته لك، و يبذل جهده التّفكيري الإبليسي، ليتقاضى منك أقصى ما يمكنه إحتيالا و نفاقا و كذبا و إدّعاءٍ… يوافقك في كلّ ما تريد، و يفيض عليك ما يسرّك من القول، و يمدّك بالتّأييد و التّشجيع، و فجأة يتخلّى عنك بأحوج ما تكون إلى نصرته… يحفر لك الزّبى، و يُحيك المؤامرات، و ينصب الأحابيل ضدّك في الخفاء…
و الإنتهازيّة هي نوع من أنواع النّفاق، و الإنتهازيّ ضمر من وراء تظاهره بالصّلاح أو التّملّق مصلحته الذّاتيّة في النفع المادّي، لإشباع طموحه أو الحفاظ على مكاسبه و امتيازاته، بإتباعه اساليباً تتلوّن بألوانها و تتفصّل على مقاساتها… و يخفي المنافق في نفاقه ألواناً من التآمر و الأفكار المنحرفة في منهجيّة مدروسة…
أهمّ صفة يفتقر إليها الإنتهازي، هو الصّدق بمفهومه الأعمّ، الذي يشمل الصّدق مع النّفس و مع المجتمع، و الصّدق في العلاقة مع الله… فالحياة قامت بالحقّ و الصّدق في الوجود، فهي صادقة في صيفها الحارّ و شتائها البارد و ليلها المظلم و نهارها المضيء، و ما خلق الله شيئاً في هذا الكون الواسع إلا ويشهد على الصّدق في التّعاطي مع سائر جزئيّات الوجود الأخرى، بينما تجد الكذب قد إستشرى في وجود الإنتهازي الإستغلالي المنافق، فاحاطه و تغلغل في كلّ خلاياه…
الصّديق الإنتهازي الوصولي الإستغلالي، لا يهتمّ بالوقوف بجوارك، لشعوره بعدم النّفع، و ليس ثمّة فرصة يمكن إستغلالها حين يقف بجوارك في لحظات تستلزم بذل مجهود، لذلك فهو لا يفعل ذلك… و يرى أنّ الخدمات التي أدّاها لك، شيء يستلزم التّسبيح بحمده، و عند أوّل موقف يعايرك بالخدمات، التي أسداها لك، و يتعامى عن الخدمات التي إنتهزها هو و إستغلّها من أجل تقديمها من قبل صديقه، لأنّه معتاد على الأخذ دون المنح، فيجد هذا غريبا و إستثنائيّا، لذلك يعاير بهذا الشّيء الإستثنائي… و حين تخبره شيئا عنك لا يرى أهمّيّة ذلك لك، بل يرى إنعكاسه عليك… و لا يهتمّ بك أو بحالتك، لا يهتمّ إن كنت مرهقا أو متعب و لا يهتمّ إن كان لديك أشياء أخرى مهمّة في حياتك أم لا… المهمّ أن تكون جاهزا و مستعدّا دائما في خدمته حتى لا تفسد خطّته و لا تضيع ترتيبه أو تصوّراته… و الصّديق الإنتهازي لا يمكن أن يكون صديقا حقيقيّا على الإطلاق لأنّه لا يقدّم عهد الوفاء الحقيقي للصّداقة…
إكتويتُ بنار الإنتهازيّ الإستغلالي الوصولي المنافق، و مسّني خطره بنهج علاقاته بي، و أزكمني ريحه بمساره بالتّواصل معي، فتقزّزت نفسي من أسلوب تعامله، و إشمأززتُ من حركة تواصله… فعرضت عن علاقتي به وأمثاله، لأنّه، ذئب مفترس بلباس نعجة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *