ميلي… مكتبة ومقهى للنّساء حصرًا في بلدة دورس جنوب مدينة الشّمس بعلبك
شرح مها حيدر ومريم شعيب من المشاركات في تأسيس المكتبة / النّصّ نقلا عن الزّميلة الرّقميّة درج
مكتبة ومقهى “ميْلي” للنّساء حصرًا في بلدة دورس جنوب مدينة الشّمس بعلبك، هي مبادرة نسائية واعية وواعدة تؤكد مواصلة النساء في لبنان في العمل بجهد وإصرار على تغيير واقع مجحف بحقهن، وعلى تقليص الفوارق الجندرية التي ترسيها المفاهيم الأبوية والذكورية في المجتمع، وكل ذلك بإمكانيات بسيطة وتضامن كبير عابر للمناطق.
فبمبادرة نسائية لاستعادة المساحات العامة التي غالباً ما يسيطر عليها الرجال، تداعت نساء في منطقة بعلبك اللبنانية لإنشاء مكتبة ومقهى هو الأول من نوعه، كونه للنساء فقط. تحت عنوان “ميلي” محاولة أيضاً لكسر الصورة النمطية عن المنطقة التي لا تزال تعاني من التهميش والحرمان على مختلف الأصعدة.
وبعدما تضافرت جهود نساء من مختلف المناطق اللبنانية في تقديم الدعم لها، تتحضر المكتبة لاستقبال زائراتها خلال الأيام المقبلة، مع اكتمال التجهيزات فيها بمبادرات وإسهامات فردية.
تقول مهاد حيدر، وهي إحدى النساء المشاركات في تأسيس المكتبة: “نلاحظ دائماً أن المساحات والأماكن العامة في لبنان وفي منطقة البقاع تحديداً هي حكر على الرجال، وخصوصاً المقاهي التي نشأت فكرتها بالأصل لتكون ملتقى للرجال لا للنساء اللواتي يتم حصرهن تقليدياً في أدوار رعائية داخل المنزل. من هنا أتت فكرة إنشاء المكتبة لتكون مساحة مريحة للنساء يمكنهن الاجتماع فيها، والقراءة وتبادل الأحاديث وطرح نقاشات حول قضايا شخصية وعامة تستحوذ على اهتمامهن، وأن يتصرفن على سجيتهن من دون أن يتعرضن لمضايقات أو مراقبة مستمرة كما يحصل في الأماكن التي يسيطر عليها الرجال”.
وتشير حيدر إلى أن بعض التعليقات اعتبرت أن حصر المكتبة بالنساء فقط هو نوع من الفصل الجندري، وترد حيدر على تلك التعليقات بالقول: “لسنا نحن من يقوم بالتمييز الجندري، بل هو حقيقة قائمة في المجتمع. وعلى العكس، جاءت مبادرتنا كمحاولة لإيجاد نوع من التوازن الجندري المفقود، واجتراح الحلول لهذا التمييز على طريقتنا وضمن إمكاناتنا، ونأمل أن تكون مقدمة لحلول أكبر وأوسع يمكن أن تنسحب على الفضاءات العامة في بقية المناطق اللبنانية”.
تكمن رمزية المكتبة والمقهى في كونها في بعلبك، المدينة التي تفتقر بشكل كبير إلى مساحات عامة مخصصة للأنشطة الثقافية، حيث لا مسارح ولا مكتبات عامة ولا مراكز ثقافية، وهو ما ساهم بترسيخ الصورة النمطية الملتصقة بها نتيجة عقود من الفلتان الأمني والإهمال الرسمي، برغم كل المقومات والطاقات البشرية والشبابية والنسائية الموجودة فيها.
أما عن تسمية “ميلي”، فتشرح حيدر أنه “مصطلح يستخدم في منطقة البقاع، كدعوة بين النساء للتلاقي والدعوة إلى الزيارة، وهي تسمية أضفت نوعاً من العفوية والحميمية بين المهتمات والمتحمسات للمكتبة، وتم تناقله بينهن بشكل سريع”.
وعن رد الفعل تجاه المبادرة، تقول حيدر: “حصلنا ونحصل على دعم وتضامن واسعين، وتفاعل مع الإعلان عن المكتبة والمنشورات على الصفحة الخاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثنت الكثير من النساء على المبادرة باعتبارها استجابة لحاجاتهن إلى خلق مساحة ثقافية آمنة. وحين طلبنا التبرع بكتب للمكتبة وصلنا الكثير منها، وحرصنا في طلبنا على أن تكون كتباً لنساء أو كتباً نسوية، والهدف من ذلك كان أن نحرص على توفير كتب تطرح القضايا التي تهم النساء بشكل خاص، وألا نستقبل كتباً قد تروج لأفكار ذكورية تعمق التمييز الجندري ضد النساء”.
الهدف من التركيز على الكتب التي كتبتها نساء كان أيضاً للإضاءة على الإنتاج المعرفي والثقافي النسائي، في نموذج مختلف عن المكتبات الخاصة والعامة التي تكثر فيها كتب تعود إلى كتاب من الرجال على حساب الكاتبات النساء.
وبحسب مريم شعيب، وهي من المشاركات في المشروع، “المكتبة والمقهى سعي لإحقاق عدالة مكانية في منطقة عانت طويلاً من التهميش والإهمال الممنهج بسبب سياسات الدولة الاقتصادية والإنمائية التي تستثني محافظة البقاع من مشاريعها، مع كل ما في ذلك من تمييز مناطقي يحرم أهل البقاع من مساحات ثقافية لمشاركة الأفكار وإنتاج المعرفة، وتحديداً النساء، هن يفتقدن إلى أماكن خاصة لهن”.
وتؤكد شعيب أن “زائرات المكتبة سيستفدن منها للعمل والدراسة والقراءة ولتبادل الأحاديث وقضاء وقت الفراغ، وستُقدم لهن القهوة والمشروبات بأسعار رمزية، في جو مريح غالباً ما تفتقده النساء في المساحات العامة المتوفرة”، وهي ستستقبل النساء من مختلف الخلفيات الثقافية والطبقات الاجتماعية.
“وسط سطوة الرجال على المساحات العامة، أردنا للمكتبة أن تكون مساحة تعبر فيها النساء والفتيات عن أنفسهن بكل حرية، آملين أن يعتبرنها مساحة آمنة مستقبلاً حيث يتحررن إلى حد ما من الضوابط التي يفرضها التواجد في الأماكن العامة، خصوصاً تلك المتعلقة بالأمان الشخصي، والأحكام المجتمعية المسبقة التي تقيد حركة النساء”، تقول شعيب.
ونقلت شعيب فرحة العديد من النساء بالمشروع، واستعدادهن للمشاركة فيه: “نساء كثيرات من مختلف المناطق عرضن تقديم المساعدة والتطوع، ولم يقتصر دعمهن على التبرع بالكتب فقط، بل كان معنوياً أيضاً، وتلقينا الكثير من التشجيع للمضي قدماً فيه، وتطويره”.
“ميلي” مبادرة نسائية واعدة تؤكد مواصلة النساء في لبنان في العمل بجهد وإصرار على تغيير واقع مجحف بحقهن، وعلى تقليص الفوارق الجندرية التي ترسيها المفاهيم الأبوية والذكورية في المجتمع، وكل ذلك بإمكانيات بسيطة وتضامن كبير عابر للمناطق.