لنّقطة أساس الرّسم الهندسي وسرّ التّكوين في تشكيل الرّسم وجوهر الإشراقة في الوجود
بقلم: حسين أحمد سليم الحاج يونس رئيس تحرير القسم الثّقافي بالجريدة الأوروبّيّة العربيّة الدّوايّة
النّقطة أساس الرّسم الهندسي
وسرّ التّكوين في تشكيل الرّسم وجوهر الإشراقة في الوجود
بقلم: حسين أحمد سليم الحاج يونس
رئيس تحرير القسم الثّقافي بالجريدة الأوروبّيّة العربيّة الدّوايّة
النّقطة هي المعيار الأساسي في عمليّات الرّسم منذ البدء, وفي جوهرها يكمن سرّ التّكوين الشّامل, ومن رمزيّتها تتشكّل معايير أنواع الخطوط التي تعطي الأشكال وجوديّتها, وهي في فلسفتها البعيدة, تُعتبر جوهر الإشراقة في مكوّنات الوجود, بحيث هي دائرة متناهية في الصّغر المطلق, وهي رمزيّة الأرض والشّمس والقمر والنّجوم والأجرام, كونها تتمثّل الخطّ الدّائري الذي يُحدّد أحجام كتلاتها…
فالنّقطة الهندسيّة, هي شيء رمزي ومُجرّد, وهي جوهر الأساس في حركة تشكيل الرّسم, بشكل عام, وتشكيل الرّسم الهندسي بشكل خاصّ, وهي في تعريفها المحدّد, تختلف عن النّقطة العاديّة المعروفة, المستخدمة في الكتابة وفنون الرّسم الأخرى, وهي بالمفهوم الهندسي التّكويني, نتاج إلتقاء أو تقاطع خط مع خطّ آخر, وهي حركة رمزيّة مجرّدة وغير محسوسة, وتخيّليّة الوجود في المكان والموقع, لا تُدرك ولا تُحدّد إلا بحالتيّ إلتقاء أو تقاطع خطّين معيّنين ومختارين…
والنّقطة في تكوينها الرّمزي المجرّد لا تعني شيئا وليس لها قيمة, فعندما تمارس حركة فعل السيّر من إنطلاقها, ينتج من هذا التّتابع في تكراراها, وعندما تتتابع النّقطة تتكرّر بالتّتالي إمّا متباعدة وإمّا متلاصقة, وفي كلا الحالتين, من التّباعد والتّلاصق, فيما بين بعضها البعض, وحركة فعل الإمتداد,ّ والتّتابع والتّلاصق والتّتالي, يتكوّن من فعل حركة سير هذه النّقطة الخطّ منقوطا أو موصولا أو متقطّعا….
إذن فالخطّ بأنماطه الشّكليّة وبالمفهوم الهندسي المجرّد, هو تكرار وتتابع وتلاصق وإمتداد وتتالي النّقط خلف بعضها البعض… والخطّ يُعرف هندسيّا بطريقة أخرى, تُحدّد بنهاية مسطّح ما عند طرفه المطلق, أو نتاج طرف إلتقاء مُسطّحين… وليس للخطّ من سماكة تكوينيّة, ويُعرف الخطّ ببدايته ونهايته المحدّدتان, وهو شيء ترميزي مجرّد…
الخطوط أنواع كثيرة, منقوطة الشّكل في السّياق المستهدف ومتقطّعة ومتّصلة وفق إستخداماتها, ونذكر منها:
الخطّ الأفقي, وهو الخطّ المستوي مع منسوب المياه… الخطّ الرّأسي وهو الخطّ المنتصب عاموديّا مع مستوى المياه… الخطّ المائل إلى اليمين بنسب زوايا مختلفة, والخطّ المائل إلى اليسار أيضا بنسب زوايا مختلفة… الخطّ المنكسر أو المتعدّد الخطوط كخطّ مستويات الدّرجات في درج ببناء مثلا, أو كالخطوط بين بلاطات أرضيات البيوت والأرصفة مثلا… الخطّ المنحني كخط مستويات كثبان الرّمال مثلا أو الأمواج البحريّة للماء… الخطّ المتموّج كخط مستوى الأمواج المائيّة في البحار والبرك الكبرى شبه السّاكنة… الخطّ الملتوي كخط الطريق الطّويل المتعدّد الإنكسارات والإلتواءات… الخطّ الدّائري كخط محيط دوّار المواصلات عند تقاطع الطّرقات مثلا… الخطّ الحلزوني كخطّ الأدراج الدّاخليّة الدّائريّة مثلا, أو كخط الطرقات التي تحيط بجبل ما وصولا إلى القمّة… الخطّ غير المنتظم وهو الخطّ الكثير الإنكسارات والإنحناءات غير المنتظمة… الخطّ المقفل والذي يتكوّن منه شكل معيّن مستوي يضيق أو يتّسع, أو شكل آخر ذات حجم معيّن كبير أو صغير… والخطّ المفتوح المحدود كالأسوار المنتهية بباب أو مدخل مثلا… والخطّ المفتوح اللامتناهي كخطّ الأفق وخط مستوى موج البحار مثلا… وهناك الخطّ المقعّر, كشكل مجرى اللأودية… والخط القببي, كأشكال القناطر والأنفاق… والخطّ المدبّب, كرؤوس الجبال البعيدة… والخطّ الأبري كرؤوس الدّبابيس والشّعر مثلا…
فإذا كان الخطّ مقفلا مثلا, ينتج عنه تكوين شكل هندسي معيّن في المستوى المسطّح ذات البعدين طولا وعرض, وهناك عدد منها:
كالمثلّث المنتظم, متساوي الضّلعين والزّاويتين عند القاعدة, ومتساوي الأضلاع والزّوايا, وغير المنتظم بأضلاعه وزواياه, والمربّع المنتظم بزواياه وأضلاعه, والمربّع غير المنتظم ويُسمّى مضلّعا رباعيّا. والمضلّعات المنتظمة الأضلاع والزّوايا, وغير المنتظمة في أضلاعها وزواياها, كالخماسي والسّداسي والسّباعي والثّماني وغيره… والدّائرة والبيضاوي الأفقي والبيضاوي الرّأسي والبيضاوي المائل, وكذلك الأشكال المقبّبة والأشكال النّجميّة…
ونعني بكلمة المنتظم, أيّ الذي تتوزّع وتتلامس أطراف زواياه على محيط الدّائرة من الدّاخل, أو تتلامس أضلاعه مع محيط الدّائرة من الخارج مثلا… وغير المنتظم هو ما لا تتلامس أطرافه ولا أضلاعه مع محيط الدّائرة…
وكذلك ينتج عن الخطّ المقفل تكوين أشكال هندسيّة لها البعد الثّالث, بحيث تُسمّى بالحجوم أو المكعّبات, ومنها: المكعّب ومشتقّاته, ومتوازي المستطيلات ومشتقّاته, والهرمي, والهرمي النّاقص, والأسطواني, والأسطواني النّاقص, والكروي, وأجزاء الكروي, والبيضاوي وأجزاء البيضاوي, والحلزوني وأجزاء الحلزوني…
والخطوط إمّا أن تكون متقاطعة مع بعضها بأبعاد معيّنة وإتّجاهات مُحدّدة, لتتشكّل منها زوايا بأقدار معيّنة متطابقة أو غير متطابقة… أو متلاقية مع بعضها فتتشكّل منها زاويا معيّنة, أو متوازية فيما بينها ولا تلتقي, أو متباعدة بمسافات معيّنة, أو متطابقة في السّماكات والمواصفات, أو متساوية في الأطوال أو غير متساوية, أو منفرجة عن بعضها بزوايا…
ومن متتاليات النّقطة وتواصلها ببعضها البعض, يُمكننا أن نُحدّد شكل كلّ حرف من حروفيّات الأبجديّات الهجائيّة العربيّة والأجنبيّة وغيرها… وكذلك يُمكننا تحديد جميع أشكال الأرقام والأعداد العربيّة والهنديّة والرّومانيّة وغيرها, إضافة لمُكوّنات الرّموز والمصطلحات والإشارات على مختلف أشكالها وأنواعها وإستخداماتها…
والخطوط إمّا ظاهرة للعين, كتلك التي تتمّ رؤيتها بالنّظر إليها في أماكن وجودها, فنراها متواصلة, وإمّا أن تكون مستترة عنها فنتخيّلها في رؤيتنا الخياليّة, وتتناهى لوجداننا وكأنّها متقطّعة أو منقوطة أو محوريّة… وإذا تفكّرنا أكثر في تكويناتها وفي مواقعها المفترضة, فيمكننا أن نتخيّلها منقوطة ومشكّلة بين التّنقيط والخطوط القصيرة ومحوريّة… ونستطيع أن نتخيّلها ملوّنة بألوان إفتراضيّة إذا شئنا… وقد تكون خطوط وهميّة كتلك التي نتخيّلها تصل بين مجموعة من النّجوم السّماويّة للتكوّن منها الكوكبات مثلا…
تجتمع الخطوط والأشكال مع بعضها البعض في مكوّنات مختلفة ومتنوّعة, فينتج عن إجتماعها هذا تكوين أشكال جديدة ومستحدثة, تعكس حالات صناعيّة أو إنشائيّة أو تكوينيّة, وحالات أخرى تتّسم بجماليات الزّخرفة… كأشكال الرّسم التّكويني للنّجوم الخماسيّة والسّداسيّة والثمانيّة والعشريّة والإثني عشريّة وغيرها…
وبمراقبة الشّكل التّكويني الإبداعيّ الصّنع لجذوع الأشجار وأغصانها وفروعها وأوراقها وأزهارها وثمارها وألوانها وأشكالها, يتبيّن لنا أنّها, ما هي إلا مثالا نموذجيّا, تجتمع فيها غالبيّة مكوّنات وأشكال وأنواع وأنماط الخطوط, إضافة لأنواع كثيرة ومتنوّعة ومختلفة من الأشكال والحجوم…
وبمراقبتنا للمكوّنات الإنشائيّة لبيوتنا وتفاصيلها البنائيّة ومحتويات منازلنا وغرفنا ومحتوياتها المتنوّعة والمتعدّدة والمختلفة, نستطيع أن نُحدّد كذلك أنواع كثيرة من الخطوط وأشكالها, وحصر أنواع كثيرة من الأشكال المسطّحة والمستوية, وأنواع أخرى من الحجوم ومواصفاتها…
وبمتابعاتنا لمكوّنات قرية أو بلدة أو مدينة ما, بكافّة محتوياتها الملموسة والتي تتشكّل منها وتتألّف وتتكوّن, وتفاصيلها المتنوّعة والمتعدّدة والمختلفة, نستطيع أن نُحدّد كذلك أنواع كثيرة ولا حصر لها من الخطوط وأنواعها وأشكالها, وحصر أنواع كثيرة من الأشكال المسطّحة والمستوية, وأنواع أخرى من الحجوم والمكعّبات ومواصفاتها, والتي تظهر لنا في تفاصيل كثيرة من موادّ ومكوّنات البيوت والعمارات والإنشاءات والطّرقات والحدائق والأشجار والنّباتات والسيّارات والنّاس…
وإذا تواجدنا عند شواطيء البحار, فسوف نرى أشكالا لامتناهية من الخطوط المتموّجة والمتداخلة, التي تصنعها الأمواج تحت تأثير حركة الهواء والرّياح… وهو ما ينتج عنها لوحات فنّيّة طبيعيّة سورياليّة وتجريديّة خاطفة…
وهكذا الأمر إذا ما تواجدنا في صحراء رمليّة مترامية, فسوف نُشاهد أشكالا لا حصر لها من الكثبان الرّمليّة والإمتدادات التي تعكس خطوطا إنسيابيّة ومتموّجة حينا ومتكوّرة أحيانا, ومقبّبة أحيانا أخرى, لتصنع أشكالا من اللوحات الطّبيعيّة التي ترفل لها العين…
وبتواجدنا في إمتدادات السّهول مثلا, فسوف نرى بأعيننا الكثير من أنواع الخطوط التي تُحدّد مساحة أرضيّة معيّنة وكثيرة وبأشكل هندسيّة كثيرة, ناهيك عن الخطوط والأشكال النّاجمة عن أنواع المزروعات والنّباتات والمنشآت… وكذلك الأمر في الأودية وتعرّجاتها, ومجاري المياه وإنسياباتها, والجبال ونتوآتها, والمغاور والدّهاليز والمناجم… وتضاريس الأرض المختلفة, والتي يُمكن لنا أن نتخيّلها على شكل خطوط كبيرة وصغيرة مغلقة ومفتوحة, لتمثيل مستويات وميزانيّة إرتفاعاتها وإنخفاضاتها…
وفي أجسامنا وأجسام الحيوانات والطّيور والزّواحف البرّيّة والبحريّة وما يُمارس التّحليق في الأجواء, تتجلّى معايير أشكال الخطوط ونماذجها, بحيث إذا تفحّصنا كلّ ناحية من نواحي مكوّنات أجسادنا التي أبدع الخالق في صنعها, فسوف تبرز لنا أنواع متنوّعة من الخطوط المختلفة, ومساحات كثيرة ذات مواصفات معيّنة, وكتل كثيرة متناسقة ومنتظمة, تُعتبر متكاملة في أداء في وظائفها لإستمراريّة الجسد التي هي فيه…
إذن, جميع المكوّنات والمخلوقات من حولنا, تنشأ عن النّقطة وتتوالد من رحمها, وما النّقطة إلا دائرة متناهية في الصّغر والدّقّة, تتمثّل في تكوينها أسرار الكون, لتغدو النّقطة المجرّدة من الطّول والعرض والسّماكة أو الإرتفاع, سرّ التّكوين لمكوّنات هذا الوجود الكوني, بمجرّاته ومجموعاته الكوكبيّة والنّجوميّة, وأجرامه وشموسه ونجومه وبدوره وكواكبه وأقماره وأرضه… فإذا هي, أيّ النّقطة: النّقطة أساس الرّسم الهندسي, والنّقطة سرّ التّكوين في الرّسم والوجود, وهي جوهر الإشراقة التّكوينيّة, والتي هي المعجزة الكبرى لبدائع صنع الله تعالى, نور السّماوات والأرض…