قبسات من رواية (حواري وحماري)
بقلم: حسين أحمد سليم / رئيس تحرير القسم الثّقافي
قبسات من رواية (حواري وحماري)
بقلم: حسين أحمد سليم الحاجّ يونس
باحث، مهندس، وفنّان تشكيلي دولي
خلال فترة ممارساتي فنون النّشاطات التّرفيهيّة المُتنوّعة، في إطار منظومة الحركة الكشفيّة، المنتشرة والمعمول بها عالميّا، في غالبيّة الأقطار والدّول… تلك الحركة التي أسّسها الضّابط الإنكليزي بّادن باول، سنة 1907 للميلاد، عندما بدأت الدّعوة لتأسيس كشّافة السّلم، ولقد كان المعسكر الكشفي، الذي أقيم في جزيرة (براون سيتي) في إنجلترا، هو بداية التّعريف بحركة الكشّافة، الذي فكّر بادن باول أثناء حصار عصابات البوير (المهاجرين من أصل هولندي)، لعمل معسكر والإستعانة بالشّباب الكشّافين، الذين تطوّعوا في أعمال الدّفاع المدني، والحراسة للمنشئات، وإطفاء الحرائق، وإسعاف الجرحي والمصابيين، والطّهي، ونقل الرّسائل، وتمكّن من فكّ الحصار بعد 7 شهور… ثمّ بدأ في تكوين وإنشاء فرق كشفيّة، وأقام المخيّم الكشفي التّجريبي سنة 1907 للميلاد، في إنجلترا وشارك فيه عدد 20 من الفتيان.. وبعد نجاح الفكرة قام بتوسيع الفئة العمريّة فضمّ الأشبال، وكتب بادن باول مباديء الكشّافة في لندن سنة 1908 للميلاد، مستندا إلى كتب العسكريّة السّابقة…
وبدعم من فريد ريك روسل برينهام، (رئيس الكشّافيّين في أفريقيا البريطانيّة)، الدّول التي كانت تحت رعاية وسيطرة بريطانيا… وأثناء النّصف الأوّل من القرن العشرين، نشأت الحركة الكشفيّة على ثلاث مجموعات عمريّة رئيسيّة للأولاد: (شبل / كشّاف / روفر سكاوت)… وفي عام 1910 للميلاد، بدأت منظّمة جديدة للفتيات سمّيت “مرشدات”، أنشأتها شقيقة بادن باول، وبعد ذلك تمّ إنشاء فرق للفتيات، لمساعدة زوجة بادن باول وشقيقته… وعقد أوّل مهرجان للكشّافة سنة 1920 للميلاد، وبعد ذلك انتشرت حركة الكشّافة في جميع انحاء العالم، بين الحربين العالميّتين فيما عدا الدّول الشّيوعيّة…
وفكرة الحركة الكشفيّة، لها أهداف روحيّة تربويّة نظاميّة جليلة… وسمّيت الكشّافة بهذا الإسم، من الكشف والبحث، لأنّ الغاية الكشفيّة هي اكتساب القِيم الرّوحيّة والتّربويّة، والقِيم، وتحصيل الأخلاق الحميدة، والتّربويّة الصّالحة، والإعتماد على النّفس، وخدمة الغير… وتعتمد الحركة الكشفيّة، على الأنشطة العلميّة والعمليّة، في الهواء الطّلق، مثل إقامة المخيّمات، وفنّ عمل الأخشاب، والحبال والخيوط والألعاب المختلفة، والسّفر على الأقدام والتّجوال… وتختصّ الحركة الكشفيّة بزيّ مُوحّد سكاوت الرّسمي، بهدف اخفاء كلّ الإختلافات بين الوسط الإجتماعي، وتحقيق المساواة بين الجميع، مع ارتداء المنديل (الفولار)، ويتضمّن أيّضا الزّيّ، الشّارة الموحّدة المتميّزة، شعار الكشّافة، بالإضافة الي شعارات الإستحقاق الأخرى…
ومراحل الكشّافة هي: مرحلة البراعم (من سنّ 3 إلى 7 سنوات). مر حلة الأشبال (من سنّ7 إلى 11 سنة). مرحلة الكشّافة (الفتيان) (من سنّ 11 إلى 14 سنة). مرحلة المتقدّم (مرّشحين جوّالة) (من سنّ 14 إلى 17 سنة). مرحلة الجوّال (من سنّ 17سنة). مرحلة القيادة (عندما ينتهي الفرد من مرحلة الجوّالة إلى أعلى بعد انتهائه من المناهج المقرّرة الواجب دراستها). مرحلة الرّوّاد (من سنّ 40 سنة وليس لهم علاقة مباشرة بالفرق الكشفيّة، وهم يكونوا في مرحلة الإشراف والخبرة والتّشريف)
ومن صفات الكشّافة:
صادق: أن يوثق بشرف الكشّاف ويعتمد عليه. مخلص: الكشّاف مخلص لله ولوطنه ومطيع لأولياء أمره ورؤسائه ومرؤوسيه في الحقّ دون تردد. نافع: واجب الكشّاف أن يكون نافعًا وأن يساعد الآخرين. ودود: الكشّاف صديق للجميع وأخّ لكلّ كشّاف آخر. مؤدّب: الكشّاف مؤدّب ومهذّب في أخلاقه وتصرّفاته. رفيق: الكشّاف رفيق بالحيوان «ويحبّ النّبات ويرى في الطّبيعة آية الله». مطيع: الكشّاف يطيع أوامر والديه وعريف طليعته وقائده. باشّ: الكشّاف باشّ يقابل الصّعوبات بصدر رحب. مقتصد: الكشّاف غير مبذّر ومحافظ.. نظيف: الكشّاف نظيف في الفكر والقول والفعل والمظهر وكلّ ما يقوم به. شجاع: الكشّاف شجاع ومقدام…
هذه هي مُقوّمات منظومة الحركة الكشفيّة العالميّة، التي نسّبني إليها والدي منذ طفولتي، لأخوض تفاعلاً مع مُقوّمات البرامج الكشفيّة، وكلّ ما يقوم به الفتية والشّباب، من أنشطة تلائم احتياجاتهم، باستخدام الطّريقة الكشفيّة، لتحقيق الهدف التّربوي للحركة، والذي يضمّ مختلف الأنشطة، التي يعتمد عليها نشاط المراحل الكشفيّة، التي تعتمد وترتكز على ركائز ومباديء: الواجب نحو الله، وهو الواجب الدّيني، والواجب نحو الآخرين، والواجب نحو الذّات… بتطبيق عناصر الطّريقة الكشفيّة: الوعد والقانون، ونظام المجموعات الصّغيرة، والتّعلّم بالممارسة، والتّقدّم الشّخصي، وحياة الخلاء، ودعم الرّاشدين… فالكشّاف صادق، يُوثق بشرفه ويُعتمد عليه، ومخلص لله ولوطنه ومطيع لأولياء أمره ورؤسائه ومرؤوسيه في الحقّ دون تردّد، ونافع يساعد الآخرين، وودود وصديق للجميع، وأخّ لكلّ كشّاف آخر، ومؤدّب ومهذّب في اخلاقه وتصرّفاته…
في رحاب هذه الحركة الكشفيّة، نشأتُ وترعرعتُ وقضيت جلّ عمري، مع أخوة لي من نفس عمري الزّمنيّ، وتدرّجتُ في مراحلها، من شِبل لكشّاف ثمّ جوّال، وصولاً لقائد فوج، فمنطقة ثمّ محافظة، لأنتقل بعدها لخوض دورات تدريببيّة محلّيّة ودوليّة… أجِزتُ بعدها كمفوّض تدريب دولي، بعدما حُزتُ على طوق الشّارة الخشبيّة الدّوليّة، ومنديل الفولار الكشفي الدّولي وعقدته الجلديّة، لأمنح فيما بعد شهادة وقلادة الجدارة الكشفيّة الدّوليّة… لخوضي وممارساتي ومشاركاتي ومساهماتي التّدريبيّة والتّثقيفيّة والفنّيّة، خلال إقامة التّجمّعات والمُخيّمات والإحتفالات والمناسبات الدّوريّة، الرّبيعيّة والصّيّفيّة وتنظيم الرّحلات والتّجوالات، لعناصر الكشّافة، في الأماكن السّهليّة والجبليّة، المكسوّة بالأشجار والنّباتات، وحيثُ توجد الينابيع والآبار والبرك ومجاري الأنهار… وبعدها تمّ تتويجي كرائد من روّاد الحركة الكشفيّة العالميّة، وساهمت وأخوة لي من روّاد الكشفيّة، بتأسيس روّاد كشّافة الرّسالة الإسلاميّة في لبنان، تحت رعاية دولة الرّئيس نبيه مصطفى برّي، وكان لي شرف قيادتها لفترة زمنيّة محدودة، بعدها تقاعدت لمتابعة دراساتي وأبحاثي الفلسفيّة والفنّيّة والفكريّة…
في منظومة الحركة الكشفيّة، كشّافة الرّسالة الإسلاميّة، وبحكم توالد ميلي وحبّي واهتمامي بعناصر الطّبيعة والأرض ونباتاتها، وبالطّيور وأنواعها، والحيوانات على اختلافها، وبعض الحشرات والزّواحف… مُركّزًا على شؤون وقضايا البيئة، وكيفيّة الحفاظ عليها، مُتابعًا ميدانيّا لحركة حياة العناكب، ومعاشر الهداهد، مُوليًا عناية خاصّة لحياة الحمير، والبغال، والأحصنة، والأبقار، والأغنام، والماعز، وأكباشها واستخداماتها… تفاعلاً مليّا وعلميّا عميقًا، مع بنود القانون الكشفي العالمي، وخاصّة البند القاضي الرّفق بالحيوان، والبند الخاصّ بالمحافظة على الطّبيعة… ما حفّزني بعد أن بلغت وكبرت لاختيار جحش صغير، وإيلاء الإهتمام به، والعمل على تربيته بشكل خاصّ ومميّز، وخوض تجربة مُصاحبته، لبناء صداقة فعليّة بيني وبينه، تمهيدًا لإجراء تجاربي العلميّة عليه…
والفكرة كانت تُراودني وتُشغلُ وجداني، منذُ كنتُ طفلاً، أرافق جدّي، راكبًا وإيّاه على ظهر حماره القُبرصي الأبيض، في تنقّلاته وسياحاته واستخداماته لحماره في نقل متاعه ولوازمه البيتيّة، وبيع محاصيله الزّراعيّة، من الخضار على مُختلف أنواعها، وتسويق مُنتاجات ثمار أشجاره في حواكيره، كالتّين والعنب والإجاص والمشمش والكرز والتّوت والإجاص… ما خلق لي بعض المعرفة، بصفات وطباع ومزاجيّات وذكاء وعناد حمار جدّي… وصولاً إلى حيث كنت أسير وأعمل وأبحث وأنقّب، باستخدام حمار كبير في تنقّلاتي، وأنا أجمع المعلومات الميدانيّة، عن النّباتات والورود والأزهار البرّيّة، وبعض الحشرات وخاصّة العناكب، لإعداد بحوثي ودراساتي حولها… أدركتُ من خلالها باستخدامي الحمار، أنّه هو لاعب أكثر أهمّيّ،ة كحيوان عامل ومُقاوم للجفاف، وندرة الأعلاف والمياه…
يومها، بدأتُ في حركة فعل استكشاف الحمار، وما يتمتّع به من مميّزات، وما يتّصف به من حقائق، وما وهبه الخالق من ذكاء ونباهة، يستطيع بها جميعًا، القيام بما يعجز عن القيام به الإنسان، وهو ما ولّد في أعماق كينونتي، الحُبّ للحمار والعطف عليه، لما كان يعتلج في دواخل تفكّري وتأمّلي وتمعّني، في مُكوّنات عظمة خلق هذا الحمار، التي تدلّ وتُشير لعظمة وحكمة الخالق فيما شاء وخلق…
مارستُ كتابة الإنشاء الصّحفي، في العديد من الجرائد والمجلاّت، منذُ وعيي لنبضات عقلي… فكتبتُ بعض المقالات الفلكلوريّة، توصيفًا لهمروجات وهرطقات وغراميّات، حمار جدّي، المُنتشرة والمعروفة في قريتنا الرّيفيّة ومحيطها، والتي لها شُهرتها أكثر من زعماء وساسة وحكّام ذلك الوقت، ما قبل وما بعد… ونشرتها في بعض الصّحف، التي تقبّلت أسلوبي الكاريكاتوري الهزلي النّاقد في ذلك الزّمن، والتي تمخّض بها تفكّري، من خلال تفاعلي مع أنواع عديدةٍ في مجتمعات مُختلفةٍ، من رُعاة الحمير وأصناف الحمير، والدّور المحوري الحاسم للحمير، في مُساهماتها الفعليّة بخدمة البشريّة، حيثُ لم يتمّ إعطاء هذه المخلوقات الضّعيفة، التي خلقها الله لحكمة ما، سِوى القليل القليل من الإهتمام بها…
وهو ما دفعني مُجدّدًا، للكتابة عن الحمير، ردًّا على بعض حُسّاد الحمار، أبي صابر، واستحقاقًا لصديقي الحمار، في يومه العالميّ، لتذكّره والإحتفاء به، وتعداد مناقبه وفضائله، دحضًا للصّورة النّمطيّة السّيّئة، التي يحملها الكثير عن الحمار، وارتباطها في أذهان الكثير من النّاس، لقرون عديدة، وهي أنّ الحمار رديف للغباء، ومحشور ضمن أقذع الشّتائم، عند نعت شخص بالحمق وقلّة الذّكاء… إنّه الحمار الحيوان الأليف الذي ظلمه التّاريخ والمعتقدات، لوصمه الظّالم بما ليس فيه، ومن حيث لا يُمكنه فعل أيّ شيء، ما لم يتمّ جلده بالسّوط على ظهره… في حين أنّ علماء الحيوان، يُؤكّدون العكس، فالحمار هو من أذكى الحيوانات، وهو دؤوب ومثابر، وله حاسّة سمع كبيرة، وذاكرة قويّة، وتاريخه حافل وزاخر بما يدلّ على ذكائه وحسن تصرّفه… وهو ما لفتني ودفعني، لتأسيس المنظّمة الدّوليّة لحقوق الحمار، وفاءًا منّي لخدمات الحمار، التي سيتم استعراضها على لساني صديقي حمرون، في فصول هذه الرّواية التّاريخيّة…