الشّخصيّة الإرتيابيّة
د. حسين أحمد سليم الحاجّ يونس / رئيس تحرير القسم الثّقافي
الشّخصيّة الإرتيابيّة
د. حسين أحمد سليم الحاجّ يونس
رئيس تحرير القسم الثّقافي
الإنسان وفق مستوى وعي سيّالاته النّفسيّة، يشعر أحيانًا بالرّيبة والتّشكيك في المحيطين به، والمصاب بمرض إضطّراب الشّخصيّة الإرتيابيّة، يسكنه الإرتياب دون أسباب أو أدلّة، ويشعر أنّ من حوله يُكنّون له الحقد والكراهية، ويُفكّر بإلحاق الأذى بهم، ويتهيّأ له إفتراضيّات سلبيّة بالآخرين إستغلالاً وخداعًا، ما يُفقده المصداقيّة في غيره، ويجد صعوبة في بناء العلاقات، واضعًا علاقاته تحت التّهديد والفشل…
والشّخصيّة الإرتيابيّة، تنطوي على طرق غريبة وشاذّة في طريقة التّفكير، والشّكّ والإرتياب في الآخرين دون مبرّرات، وسِماتها التّهديد والإهانة المُتعمّدة، وتعتقد أنّ النّاس يستغلّونها ويُريدون أذيّتها، ليتحوّل للغرق بأوهام الشّكوك والإرتياب، ليصبح قلقًا ينتابه خوف غير مُبرّر من الآخرين…
وهناك العديد من العوامل المُسبّبة لهذا الإضطّراب، منها وراثيّة بيولوجيّة، وعوامل إجتماعيّة وتواصليّة، نتاج علاقاته مع الآخرين، ما يُؤثّر في مزاجه وطبعه بتفاعله مع البيئة المُشكّله لشخصيّته…
طرق تفكير هذه الشّخصيّة خاطئة، وتشوبها التّشويهات في التّفكير المُنحرف، وهي مُزعجة لمن حولها، بحيث ليس لديها الثّقة ولا أصدقاء، لأنّها تُفسّر سلوك من حولها بالسّوء لها وعليها…
وتتعامل الشّخصيّة الإرتيابيّة، مع تصرّفات الآخرين، على أنّها تهديد خفيّ، وإهانة مُبطّنة، وتُبطن السّوء لها، بما يعكس ردود فعل غريبة وعنيفة، وتميل للغموض لإعتقادها الإرتيابي والتّشكيكي بالنّاس من حولها، وتحمل العدوانيّة الهجوميّة، ورفض النّقد لها، ولديها صعوبة في النّسيان، أو التّسامح ولا تنسى الإهانة، وهي مُفرطة في الحساسيّة الشّديدة، ولا ترى إلاّ عيوب الآخرين، ودائمًا تعيش حالة التّوتّر للثّأر من الآخرين، ويُمثّلون دور الضّحيّة، ويستنتجون أمورًا غريبة للأحداث، ويُركّزون على إستقراآت وتهيّؤات وهميّة غير منطقيّة وغير مُبرّرة وغير واقعيّة…
ودائمًا ما يكون الأشخاص المصابون، باضطّراب الشّخصيّة الإرتيابيّة في حذر، معتقدين أن الآخرين يحاولون باستمرار تحقيرهم أو إيذائهم أو تهديدهم ، هذه المعتقدات التي لا أساس لها بشكل عام، وكذلك عادات اللوم وعدم الثّقة، تتداخل مع قدرتهم على تكوين علاقات وثيقة، أو حتّى قابلة للتّطبيق، والأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطّراب، لديهم شكّ في إلتزام الآخرين وولائهم ومصداقيّتهم ، معتقدين أنّ الآخرين يستغلّونهم أو يخدعونهم. وتتردّد في الثّقة بالآخرين أو تكشف عن معلومات شخصيّة، لأنّهم يخشون من استخدام المعلومات ضدّهم. وتكون شديدة الحساسيّة وتتناول النّقد بشكل سيّئ. وإدراك الهجمات على شخصيّاتهم التي لا تظهر للآخرين، ويتفاعلون بشكل عام مع الغضب ويسرعون في الإنتقام. ولديهم شكوك مستمرّة دون سبب، بأن أزواجهم أو عشّاقهم غير مخلصين. وعادة ما تكون باردة وبعيدة في علاقاتها مع الآخرين، وقد تصبح مسيطرة وغيورة لتجنّب التّعرّض للخيانة. ولا يمكنهم رؤية دورهم في المشاكل أو النّزاعات ، معتقدين أنّهم دائمًا على حقّ. ويُعانون صعوبة في الإسترخاء. ومعادية وعنيدة ومثيرة للجدل. وتميل إلى تطوير الصّور النّمطيّة السّلبيّة للآخرين، وخاصّة أولئك من المجموعات الثّقافيّة المختلفة…
و الشّخصيّة الإرتيابيّة تُعرف بإضطّراب الشّخصيّة الزّوراني، وبإسم إضطّراب الشّخصيّة البارانوي أو الشّخصيّة المرتابة، وهو إضطّراب عقلي يتّسم بالزّورانيّة والشّكّ المستمرّ القوي، وكذلك الإرتياب العام تّجاه الآخرين. كما أنّ الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطّراب يكونون شديدي الحساسيّة، ويشعرون بالإهانة بسهولة، ويرتبطون بشكل معتاد بالعالم من خلال المسح البيئي اليقظ، بحثًا عن أدلّة أو إقتراحات تثبّت مخاوفهم وتحيّزاتهم. وهم توّاقون للمراقبة، ويعتقدون أنّهم في خطر ويبحثون عن علامات وتهديدات هذا الخطر…
يميل الأشخاص المصابون باضطّراب الشّخصيّة الزّوراني، إلى أن يكونوا حذرين وشكّاكين، ويعيشون حياة عاطفيّة ضيّقة. كما أنّ إنخفاض قدرتهم على المشاركة العاطفيّة ذات المغزى، والنّمط العام للعزلة الإجتماعيّة يتسبّب في نوع من العزلة شبه الفصاميّة خلال تجربة حياتهم. ولديهم ميول لتحمّل الضّغائن، والشّكّ، والميل إلى تفسير تصرّفات الآخرين على أنّها نزعة عدائيّة، وميل مستمرّ إلى المرجعيّة الذّاتيّة، أو إحساس عنيد بالحقّ الشّخصي. كما أنّ المرضى الذين يعانون من هذا الإضطّراب، لديهم إعتلال مشترك مع إضطّرابات أخرى في الشّخصيّة (مثل الفصامي النّوع، شبة الفصامي، النّرجسي، الإجتنابي والحدّي)…
ويتميّز إضطّراب الشّخصيّة الزّوراني بالأعراض التّالية: الحساسيّة المفرطة للهزيمة والرّفض؛ الميل إلى تحمّل الأحقاد باستمرار (أيّ رفض المغفرة للإهانات والإصابات أو الذّلّ)، والإرتياب وميل واسع لتشويه التّجربة عن طريق إساءة تفسير السّلوكياّت المحايدة، أو الودّيّة للآخرين على أنّها عدائيّة أو احتقاريّة؛ شعوراً قوياً ومتحمّساً للذّات، من خلال الحفاظ على الوضع الفعلي، والشّكوك المتكرّرة دون مبرّر، فيما يتعلّق بالإخلاص الجنسي للزّوج أو الشّريك الجنسي، والميل إلى تجربة الإفراط في التّفرّد الذّاتي، واضح في موقف المرجعيّة الذّاتيّة المستمرّ، والإنشغال بتفسيرات «تآمريّة» غير مثبتة للأحداث، سواء كانت فوريّة للمريض أو في العالم بأسره…
ويتميّز إضطّراب الشّخصيّة الزّوراني بانعدام الثّقة المنتشر والشّكّ في الآخرين، بحيث يتمّ تفسير دوافعهم على أنّها حاقدة، الشّكّ -دون دليل كاف- في أنّ الآخرين يستغلّونه أو يلحقون به الأذى أو يخدعونه…
ومن سِمات الشّخصيّة الإرتيابيّة ما يلي: الإنشغال بالشّكوك غير المبرّرة، حول ولاء أو موثوقيّة الأصدقاء أو الزّملاء. معارضة الثّقة في الآخرين بسبب خوف لا مبرّر له، من أن تستخدم هذه المعلومات بشكل خبيث ضدّه. ترجمة المعاني غير الملحوظة من الإهانة، أو التّهديد إلى ملاحظات أو أحداث حميدة. حمل الضّغائن بإستمرار (أيّ، لا يتسامح تّجاه الإهانات، والإصابات، أو الفضائح). إدراك الهجمات على شخصيّته أو سمعته، والتي لا تبدو ظاهرة للآخرين، وسرعة الرّدّ بغضب أو التّوجه إلى الهجوم المضاد. شكوك متكرّرة دون مبرّر، فيما يتعلّق بإخلاص الزّوج أو الشّريك الجنسي…
وهنالك العديد من الأعراض والسّمات التي يتشارك بها المرضى المصابون باضطّراب الشّخصية الإرتيابيّة منها :الشّكّ الدّائم في ولاء الآخرين والإعتقاد بأنّهم يستغلّونهم ويريدون إيذاءهم. يمتنعون عن التّحدّث عن المعلومات الشّخصيّة، لأنّهم يخشون أن يتمّ استخدامها ضدّهم. الشّكّ في نوايا الآخرين، وعدم تصديق الأقوال والأفعال البريئة كلّيًا. عدم تقبّل النّقد أبدًا. الإفتقار إلى الشّعور بالرّحمة. الشّكّ الدّائم في إخلاص الشّركاء العاطفيّين والأصدقاء. الإعتقاد الدّائم بصواب آرائهم وأفكارهم. العدوانيّة المفرطة تّجاه مختلف الأشخاص والمواقف. الميل لتكوين صورٍ سلبيّةٍ عن الآخرين وخاصّةً المختلفين عنهم ثقافيًا. الشّعور الدّائم بعدم الرّاحة وانعدام الإسترخاء…