لقاء وحوار مع الطّبيب الدّكتور عارف أمين شعيب في دارته ببلدة الشّرقيّة بالجنوب اللبناني.

حاورته: الكاتبة الصّحفيّة وضحة سعيد شعيب و د. حسين أحمد سليم الحاج يونس / رئيس تحرير القسم الثّقافي بالجريدة الأوروبّيّة العربيّة الدّوليّة.

لقاء وحوار مع الطّبيب الدّكتور عارف أمين شعيب في دارته ببلدة الشّرقيّة بالجنوب اللبناني.

حاورته: الكاتبة الصّحفيّة وضحة سعيد شعيب و د. حسين أحمد سليم الحاج يونس / رئيس تحرير القسم الثّقافي بالجريدة الأوروبّيّة العربيّة الدّوليّة.

مهنة الطّبّ… هي من أشرف المهن وأنبلها على الإطلاق. وليس هذا فحسب، بل إنّ الشّرائع السّماويّة اعتبرت علم الطّبّ من أجلّ العلوم وأرفعها شأناً بعد علوم الدّين، فقد قيل لا علم إلاّ علم الأديان والأبدان. وذلك لأنّ الطّبّ يضمن صلاح النّاس وإصلاحهم في أجسادهم وبالنّتيجة صلاح عقولهم وأنفسهم. وهذا ما عبّر عنه نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام أصدق تعبير حينما قال: سلوا الله العفو والعافية والمعافاة، فما أوتي أحد بعد اليقين خيراً من معافاة...

من هذا المُنطلق الإنساني، قصدنا وقرينتي الكاتبة الفنّانة وضحة سعيد شعيب، الأخّ الطّبيب الدّكتور عارف أمين شعيب، والتقيناه بدارته في بلدة الشّرقيّة بمحافظة النّبطيّة في رحاب الجنوب اللبناني، حيث طرحنا عليه بعض الأسئلة المُتعلّقة بمهنة الطّبّ الإنسانيّة، فتكرّم علينا وأتحفنا بأجوبته وفق إختصاصه وخبرته المهنيّة في مجال الطّبّ، للقسم الثّقافي بالجريدة الأوروبّيّة العربيّة الدّوليّة…

 كيف يُصبح أحدهم طبيبًا؟

ليس من الصّعب أن يُصبح أحدهم طبيبًا في الواقع ، الجزء الأصعب هو ما يأتي بعد أن يمارس مهنة الطّبّ… حيث يتوقع منه مرضاه تحديد مشكلتهم وشرح الخطوات العمليّة التي يجب أن يمرّوا بها والعثور على أفضل علاج وما إلى ذلك وبالتّالي ، قبل أن يُصبح طبيباً ، من المهمّ التّعرّف على الصّفات المطلوبة والتي يجب أن يتمتّع بها كلّ طبيب…

 ما هو الإلتزام العلمي للطّبيب؟

التّعلّم المستمرّ يضع الطّبيب النّاجح التزاماً على نفسه بالإستمرار في التّعلّم مدى الحياة؛ فهو يحاول دائماً أن يُحسّن من مهاراته ومعرفته، وتتمثّل أهمّيّة التّعليم المستمرّ في تقليل الوقوع بالأخطاء الطّبّيّة، وتعزيز الثّقة بالنّفس، وتعزيز المصداقيّة المهنيّة، بالإضافة إلى أهمّيّة أن يكون الطّبيب مستعدّاً للتّعلّم من الآخرين بغضّ النّظر عن أعمارهم، أو أدوارهم، أو ظروفهم. ومشاركة المعرفة مع الأقران حيث يُشارك الطّبيب النّاجح المعلومات والخبرات مع أقرانه الأطبّاء؛ فإنّ الأشخاص النّاجحين يبحثون دائماً عن الفرص لمساعدة الآخرين، ويُمكن للطّبيب القيام بمشاركة المعرفة عبر التّكنولوجيا الحديثة وشبكات التّواصل الإجتماعي، والتي تزيد من إمكانيّة الوصول إلى المعلومات والتّحقّق منها، وتساهم في بناء علاقات داخل وخارج مكان العمل…

 ما هي بعض صفات التي تجب على الطّبيب؟

يجب أن يسعى الطّبيب النّاجح مع زملائه للحدّ من الأخطاء الطّبّيّة، وتحسين حالات المرضى؛ إذ إنّ ما يميّز الشّخص الموهوب عن النّاجح هو الإجتهاد بالعمل، فمن أخلاقيّات المهنة  أن يُحافظ الطّبيب على خصوصيّة وسرّيّة المهنة، ممّا يساهم في كسب ثقة، واحترام المرضى، والزّملاء في الرّعاية الصّحّيّة والمجتمع…

ومن صفات الطّبيب النّاجح بالنّسبة للمرضى: أنّه يثق في نفسه، ويتعاطف مع مرضاه، ويتفهّم ما يشعرون به من ألمٍ جسديّ أو نفسيّ، كما أنّه يتّصف بالإنسانيّة والرّحمة، ويُخبر مرضاه بما يحتاجون معرفته بطريقةٍ واضحة ومباشرة، ويستمع إلى مداخلات المريض بجدّيّة، بالإضافة إلى كونه صاحب ضمير…

 ما الذي يُساهم في نجاح الطّبيب؟

ما يُساهم في نجاح الطّبيب هو احترام جميع النّاس سواءً كانوا أصحّاء أم مرضى. وتقديم الدّعم للمرضى وأقربائهم كلّما دعت الحاجة إلى ذلك. والسّماح للمرضى بالتّحدّث، والإستماع إليهم جيّداً. وتقديم النّصائح الدّقيقة دون تحيّز. والتّعاون مع الزّملاء في العمل...

 ما هي السّمات التي يشترك فيها الأطبّاء الجيّدون؟

السّمات الرّئيسيّة التي يمتلكها الطّبيب الجيّد بالكامل. هي غيض من فيض. في الواقع ، بالإضافة إلى وجود مثل هذه المّيزات ، يجب أن يكون الطّبيب الجيّد حاسماً وحيويّاً وأخلاقيّاً وودوداً ويمتلك روح الدّعابة ويجب أن يكون مهتمّاً ومراعياً لمرضاه وملاحظاً وعاطفيّاً ومسئولاً ومطمئنّاً وماهراً وجديراً بالثّقة وحكيماً…

 هل الرّأفة والتّعاطف من أخلاقيّات الطّبيب؟

إنّ التّعاطف هو القدرة على التّماهي مع معاناة شخص آخر أو تخيّل أنفسنا في حالة مماثلة… وإنّ ممارسة التّعاطف هي عنصر لا ينفصل عن الرّعاية الطّبّيّة الجيّدة في العديد من المواقف وتحتاج إلى التّأصيل في المبادئ الأخلاقيّة. يميل بعض الأفراد إلى التّعاطف بالفطرة في حين أنّ البعض الآخر ليس كذلك. على الرّغم من حقيقة أن ميولنا تختلف، فإنّ التّعاطف هي صفة يمكن تطويرها فينا جميعاً…

 هل على الطّبيب أن يتفهّم واقع مرضاه؟

الفهم ليس مجرّد معرفة فقط. والفهم هو القدرة على التّفكير والعمل بما يعرفه المرء. فالتّعلّم من أجل الفهم هو تعلّم الكيفيّة لتكون مرناً في أدائك.

يجب على الأطبّاء أن يفهم مرضاهم منهم توصياتهم ويفهموا متى وكيف يأخذون الدّواء ، بالإضافة إلى الآثار الجانبيّة للدّواء وفوائده ، أو ما الذي تنطوي عليه عمليّة معيّنة ونتائجها المحتملة. لا يريد الأطبّاء أن يمتلك مرضاهم المعرفة فحسب ، بل أن يكونوا قادرين على اتّخاذ القرارات بناءً على تلك المعرفة.

فإذا قام الأطبّاء بتبديل أماكنهم مع مرضاهم ، فإنّهم يدركون أنّ المرضى يريدون منهم أن يقدّروا معرفتهم وبالتّالي أن يكونوا قادرين على التّصرّف بناءً عليها. عندما يُفكّر الأطبّاء في الأمر بهذه الطّريقة ، يدركون  ما مدى فهمهم حقّاً لما يحاول المريض إخبارهم به…

 ما أهمّيّة التّعاطف من الطّبيب نحو مرضاه؟

يُشير التّعاطف إلى القدرة على فهم مشاعر الآخرين ومشاكلهم من النّاحية التّقنيّة. يُعتبر التّعاطف قدرة إجتماعيّة تتكوّن من عنصرين رئيسيّين: القدرة على مشاركة مشاعر الآخرين ، والقدرة على فهم مشاعر الآخرين.

يعتقد بعض المرضى أنّ الأطبّاء الذين يعبّرون عن التّعاطف أقلّ كفاءة من غيرهم ومع ذلك ، فإنّ هذا ليس هو الحال على الإطلاق. في الواقع ، كان يُنظر إلى الأطبّاء الذين أظهروا سلوكاً غير لفظي تعاطفي مثل الإتّصال بالعين أو التّبسّم على أنّهم أكثر دفئاً وأكثر معرفة.

في هذه الأيّام ، لم يعد يتمّ الحكم على الأطبّاء من خلال كفاءاتهم الفنّيّة فقط. على الرّغم من أنّ قدرتهم على إجراء الإجراءات الطّبّيّة ذات أهمّيّة كبيرة ، يجب عدم تجاهل كفاءتهم الشّخصيّة…

 ما أهمّيّة الصّدق والأمانة بمهنة الطّبّ؟

يجب على الأطبّاء أن يكونوا صادقين مع المرضى، فهو عامل حاسم ويجب أن يكون هذا الشّيء واضحاً ومباشراً. فقد يقود الطّبّ الحديث الأطبّاء إلى المناطق الرّماديّة ، حيث قد لا يكون الشّيء الأكثر فائدة للقول هو الشّيء الأكثر صدقاً. في الواقع ، إنّ التّلاعب بالحقيقة ليس بالضّرورة خارجاً عن الحدود ، وإخبار المرضى بشيء غير صحيح.

فقد لا يخبر بعض الأطبّاء المرضى بالحقيقة الكاملة لمنع إزعاجهم أو التّسبّب في فقدانهم للأمل ومع ذلك ، توضّح الدّراسات الاستقصائيّة للتّواصل مع المرضى المصابين بأمراض خطيرة أنّ المرضى يفضّلون المعلومات الدّقيقة والصّادقة التي يقدّمها الأطبّاء بفهم وتعاطف حتّى عندما تكون التّكهنّات رهيبة.

وهنا لا تزال الأمانة هي أفضل سياسة عند التّواصل مع المرضى ، خاصّة إذا كنت تنقلها بعناية واهتمام حقيقيّين.

 هل التّخصّص والكفاءة من مُقوّمات شخصيّة الطّبيب؟

تُشير الكفاءة إلى القدرة على القيام بشيء جيّد. حيثُ يتمتّع الطّبيب المختصّ بمستوى أساسي من المعرفة على الأقلّ. وممّا لا شك فيه أنّ التّعرّف على مثل هذه القدرات صعب للغاية نظراً لوجود اختلافات كبيرة وذات مغزى في القدرة والحكم السّريري.

وعند قياس جودة الطّبيب ، يجب التّركيز على المهارات التي يتمتّع بها والتي يمكن قياسها من خلال استبيانات تجربة المريض. فعلينا التّركيز على المهارات الفكريّة ، مثل القدرة على إجراء التّشخيصات الصّعبة والذّكاء العاطفي ، مثل القدرة على التّعاون وقيادة الفريق الطّبّي بشكل فعّال. من المهم ملاحظة أنّنا لا نقيس هذه الأشياء على الإطلاق ، على افتراض أن جميع الأطبّاء يمتلكونها…

 ما هو مفهوم الإلتزام عند الطّبيب؟

الأطبّاء الملتزمون بمهنتهم تّجاه مرضاهم والتّحسين الذّاتي المستمرّ لهم ، يشعرون أن مهنة الطّبّ ليست مجرّد وظيفة فقط ولكنّها مهمّة ، قد يكونون أقلّ عرضة للإرهاق.

والتزام الأطبّاء تّجاه مرضاهم  يحميهم من الآثار السّلبيّة للتّوتّر لأنّ ذلك يساعدهم على المثابرة في عملهم. بدون مثل هذا الإلتزام ، سيعاني النّاس من الإجهاد وعواقبه، فإنّ الإلتزام يساعد الأفراد على مقاومة آثار الإجهاد والتّوتّر في بيئاتهم التّنظيميّة.

 الإنسانيّة… إنّ الطّبيب الجيّد يعالج المرض، والطّبيب العظيم يعالج المريض المصاب بالمرض. بالتّأكيد لكيّ تكون طبيباً جيّداً ، يجب أن تكون إنساناً صالحاً: زوج جيّد ، عميل جيّد في المتجر، زميل جيّد ، سائق جيّد على الطّريق. بمعنى آخر ، من الأسهل أن تكون طبيباً جيّداً إذا كنت تحبّ النّاس وتريد مساعدتهم بصدق…

 هل يجب على الطّبيب أن يتمتّع بالشّجاعة مع مرضاه؟

الشّجاعة لم تكن غياب الخوف ، بل الانتصار عليها.

المصطلح المستخدم في الطّبّ هو “الشّجاعة الأخلاقيّة” بشكل متكرّر. يمكن تعريف الشّجاعة الأخلاقيّة على أنّها الإستعداد الطّوعي للدّفاع عن معتقدات المرء الأخلاقيّة والتّصرّف وفقاً لها على الرّغم من الحواجز التي قد تمنع القدرة على التّحرّك نحو الإجراء الصّحيح. هذه الشّجاعة ضروريّة لإلتزام الأطبّاء بالعمل لصالح المرضى.

عادةً ما يواجه الأطبّاء مواقف تتطلّب الشّجاعة الأخلاقيّة ، بما في ذلك مقابلة مريض أو أحد أفراد الأسرة الغاضبين وتقديم الرّعاية لمريض مُعدٍ ومخاطبة زميل غير كفء أو ضعيف وإثارة مخاوف بشأن الممارسات غير الأخلاقيّة أو غير الآمنة والكشف عن خطأ طبي.

هذه الشّجاعة ليست دائماً محاولة لفعل ما هو صواب ولكن في بعض الأحيان مجرّد فعل وتجربة المحاولة مرّة أخرى.

 ما تأثير الإحترام عند الطّبيب نحو مرضاه؟

غالباً ما يكون المرضى حسّاسين بشأن مدى احترام الطّبيب لهم. حيثُ يُقدّم الأطبّاء الذين يحترمون مرضاهم مزيداً من المعلومات ولديهم تأثير إيجابي أكثر على أولئك الذين يزورونهم.

فالأطباء عادةً ما يشعرون بمستويات أعلى من الإحترام للمرضى الأكبر سنّاً وللأفراد الذين يعرفونهم جيّداً ومع ذلك ، فإنّ مستوى الإحترام لا يتعلّق في الغالب بجنس المريض وعرقه وتعليمه.

فالأطبّاء يجب أن يكونوا على دراية بتأثير مشاعرهم على مرضاهم. ويفترض بعض الأطبّاء أنّ سلوكيّاتهم وطريقة نظرهم للمرضى ليست مهمّة، فتجاهل هذه المسألة يمكن أن يؤثّر على المرضى بشكل سلبي.

 ما هي مؤثّرات التّفاؤل على المرضى؟

يجب على الأطبّاء التّعبير عن التّفاؤل عندما يتحدّثون إلى مرضاهم. فإنّ المرضى المتفائلين لديهم نتائج صحّيّة أفضل مقارنة بالآخرين. حيث للتّفاؤل العديد من الفوائد الصّحّيّة الجسديّة مثل تقليل مخاطر الإصابة بالسّكتات القلبيّة الوعائيّة والمستويات الصّحّيّة للدّهون ومضادّات الأكسدة. كما أنّها مرتبطة بالسّلوكيّات الصّحّيّة.  يُعتقد أن المتفائلين يميلون إلى تناول الأطعمة المغذّيّة أكثر وإدارة الإجهاد بطريقة أفضل.

ويمكن للنّاس أن يتعلّموا التّفاؤل من خلال التّأثيرات الإجتماعيّة. وأنّه حتّى لو تمّ إبلاغهم بتشخيص سيّء، فإنّهم يفضّلون سماعه ببركة أمل على الأقلّ. فمعظم المرضى الذين يعانون من أمراض مميتة يريدون من أطبّائهم أن يكونوا صادقين معهم حتّى عند مناقشة قضايا نهاية الحياة. ويرغب الآخرون في الحصول على معلومات دقيقة ولكن ليس بالتّفصيل. يبدو أنّ مزيجاً من الصّدق والتّفاؤل هو المفضّل في معظم المواقف التي تسمّى “عطاء الأمل”…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *