العمل السياسي والحياة السياسية بين الواقع والطموح
بقلم : د. جلال عبدالكريم الشيخلي العبيدي
العمل السياسي والحياة السياسية بين الواقع والطموح
بقلم : د. جلال عبدالكريم الشيخلي العبيدي
كاتب وباحث ومحلل في المفكر السياسي والاستراتيجي – العراق
يتطلّب العمل السياسي القيام بدراسة الاحداث والظواهر دراسة موضوعية حيادية تبتعد كل البعد عن التحيّز والتعصّب والأفكار الشخصية والذاتية. والملاحظ للحقل السياسي اليوم يجد ان غالبية من تصدو للعمل السياسي لا يعيرون شأناً واهتماما بالمعرفة السياسية، ما يشكّل معضلة أمام الفاعل السياسي وامام الواقع السياسي.
فالعمل السياسي هو العمل الجماعي داخل المجتمع والتي تدور في فلكها السياسة. فمن الضروري رصد المشاكل واكتساب المعرفة في طرق حلها، وحسن الدراية في ادارتها، وإتقان الوسائل التي تساعد في ممارسة السياسة وتجنب الأسباب المؤدية إلى الأزمات والصراعات، ونشر الوئام بين الناس، والعمل على الاستفادة من خبرات الاخرين، والتخطيط لمستقبل أفضل، والعمل على التغيير الدائم.
والسؤال المطروح هنا هو كيف تم إفراغ الفعل السياسي من مضمونه؟ وكيف فقد المواطن الثقة في العمل السياسي وتملكه اليأس من السياسة؟ وما هي أعطاب الفعل الحزبي وأمراض العمل السياسي؟ وهل لدينا حياة سياسية ام نحن نعيش فقرا سياسيا؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من تفكيك العمل السياسي والحياة السياسية وأشكال الممارسة السياسية، فضلا عن مسلكياتها التنظيمية والحزبية فمن المهم الوقوف على أمراض العمل السياسي التي اتسمت بها البنيات الحزبية في مختلف السياقات داخل مجتمعاتنا فالتركيز هنا يكون على أمراض السياسة، وعلى الطرق التي يعتمدها العمل السياسي في إدارة أزمة العمل السياسي من خلال ترك هذه الأمراض تستفحل، وتعطب البنى الحزبية، وفتح حوار فكري ونقاش سياسي حول المسألة الحزبية لمحاولة تطويق هذه الأزمة والخروج منها، وبناء أرضية صلبة للعمل السياسي وبنية الاحزاب السياسية.
اذن نحن امام مستويات ثلاثة للعمل السياسي وهي، الفكر السياسي، والممارسة السياسية، والتنظيمات السياسية، ودراسة حالة البنى الحزبية، واسباب تراجع الظاهرة الحزبية، ومظاهر الانحطاط الحزبي.
الحياة السياسية تتحكم فيها عدة عوامل ومقاربات تفسر الأزمة السياسية، وتتمثل في: الفقر والأمية، وضعف وغياب الفضاء السياسي، الذي خلق ظاهرة العزوف السياسي؛ أي غياب الثقة بين المواطن والتنظيمات الحزبية، الاحزاب السياسية، والبنية التنظيمية، وإدارة العمل السياسي والحزبي داخل المجتمع وضعف القدرة على إدارة الاختلاف ما بين التيارات السياسية. وغياب فكر سياسي حداثي والبقاء على الافكار القديمة المناقضة للحياة الجديدة داخل الجسم الحزبي، هذه الاسباب هي المسؤلة عن تأزم الوضع الحالي.
إن مثل هذا الامر يضعنا امام لحظة تاريخية لإعادة دراسة الماضي والخروج بحلول عملية لبناء المستقبل.
فأزمة الحياة السياسية والفضاء السياسي والحقل السياسي والعمل السياسي تبدو كأنها الفرصة المناسبة لمراجعة فكرية عميقة للعمل السياسي، يمكن من خلالها دراسة هذه الظواهر والعلاقة بينهما.
ففهم هذه الظواهر لا يتم انطلاقا من مجال معرفي واحد، بقدر ما تتمثل فيها أبعاد مختلفة تستدعي التفكير فيها باعتبارها وحدة كلية معقدة والتفكير فيها يتم بطريقة متعددة التخصصات، وهذا يحتم علينا استدعاء كفاءات ومعارف متنوعة فمعرفة (متى حدثت وكيف حدثت وما هو خط سيرها وكيف يتم مواجهتها) امر مهم فالتحوّل من النظرة السطحية إلى النظرة العميقة للظواهر تحقق المرجو منها.
ان الأمم التي تمر بتجارب قاسية مثل الحروب وغيرها من الامور تكون امام اختبار لما أنجزه المجتمع في أوقات العافية من معارف وبنى تحتية، ومستوى الإنسان من حيث الوعي والانضباط والتحمل والعطاء، والمجتمعات السليمة تنتهز الفرصة للتعلم ومعرفة النواقص للقيام بمراجعات كبرى.
السؤال المهم الذي يطرح نفسه عند دراسة هذه الظاهرة هو هل دولنا ومجتمعاتنا هي امتداد للدولة التقليدية القديمة ام هي امتداد للدولة الحديثة؟
فالدول الحالية هي في العمق تجر معها حمولة الدولة السلطانية دول ما قبل الاستعمار ولكنها برعت في استثمار البنيات الحداثية، فنحن أمام دولة تظهر نوع من الحداثة وتطمر على نوع من الدولة السلطانية القديمة. وبعبارة أخرى فإننا نلاحظ إشكالا نعيشه وهو أن هناك شكل حداثي ولكن هذا الشكل الحداثي يخدم في العمق الدولة السلطانية، حكم ذو طبيعة مركزية ومشروعية هشة تتحكم من الأعلى إلى الأسفل وليست صاعدة من الأسفل إلى الأعلى. وهذا الامر يحتاج منا طرح اسئلة مركزية ونقاشات جادة يقوم بها باحثون داخل مراكز الابحاث للحصول على اجابات عملية وواقعية.
فيمكننا ملاحظة درجة فشل العملية السياسية والحياة السياسية على اعتبار أنه لم يتشكل لدينا مجتمع سياسي بالمعني التاريخي والعلمي خارج مؤسسات الدولة، يكفل وجود حد معقول من التفاعل والجدل المثمر يصب في مصلحة قوة الدولة وهذا يضعنا اما مسؤولية جماعية عن هذا الضعف موالاة ومعارضة.
على العكس من ذلك فقد تم تفريغ المجتمع من الفعل السياسي الحقيقي، فلا مجتمع مدني ملتزم ببرامج ذات مسؤولية مجتمعية واضحة، ولا مبادرات شعبية لكسر الجليد وتخفيف حدة الأزمات، ولا رؤى فكرية تخترق حالة الصمت، ولا مساهمات أكاديمية جادة ومستقلة تقول لنا أين نحن ذاهبون.
اذن علينا إعادة بناء الحقل السياسي والعمل السياسي لاستعادة السياسة دورها الطبيعي فلا يمكن الحديث عن السياسة بمعزل عن الحقل السياسي الحديث او بالاستقلال عنها ومن ثم فالسياسة علاقة متشابكة ونسق متكامل بين الافراد والمجتمع والدولة والسلطة والعمل السياسي هو التنافس الحر والعلني على أسسٍ مدنية مبنية على المواطنة المتساوية للجميع وهي الارضية السليمة والصحيحة والفضاء او الحقل الذي يمكن من خلاله ممارسة السياسية او العمل السياسي دون ترهيب او تخويف والسياسة المدنية تقوم على قاعدة المجتمع المدني الذي أضحى أحد الركائز الأساسية في بناء الدولة الحديثة او الحقل السياسي.
فالفضاء او الحقل السياسي قائم على بنية تحتية عمادها المجتمع المدني ومؤسساته وفاعلياته وأفراده، ومن دونها لا يمكن ممارسة السياسية او العمل السياسي.
فتغير الفضاء السياسي يعتمد على تغير في بنية وأدوار الفاعلين السياسيين وان ما نشهده من تراجع للعملية السياسية يحتاج منا تحولا يقطع مع الممارسات السابقة ويشكل منطلقا نحو تغيير قواعد النظام السياسي ومستوى العلاقة بين الفاعلين؟
فالأمر لا يعدو تغييرات جزئية لا تعني التأسيس للانتقال نحو فضاء سياسي جديد؟ لأننا وصلنا الى مرحلة لم يعد كما كان في السابق، وهذا مؤشر لميلاد فضاء سياسي جديد؟
ويمكننا تفكيك ودراسة ظاهرة تأزم العمل السياسي الى محاور عدة اهمها:
1- اشكالية الفضاء السياسي من خلال استعراض ومقارنة بين عناصر الفضاء السياسي الحديث والقديم.
2- قواعد اللعبة السياسية وقوانينها.
3- من نقد السلطة الى نقد السياسة.
4- نقد الأحزاب السياسية.
5- الحداثة السياسية.
6- الفكر السياسي.
إن حصيلة بناء هذه العناصر من شأنها بناء فضاء سياسي جديد.
وتكمن أهمية هذه المساهمة في توظيفها للمقاربات السياسية والانفتاح على الاقتصاد السياسي والاجتماع السياسي والتاريخ السياسي وعلم النفس السياسي.
كما أنه يمكن الاعتماد في التحليل مقاربة نوع من التداخل بين العوامل الداخلية والخارجية في تفسير العديد من القضايا (عناصر بناء المشروعية، الأحزاب السياسية، تزايد نفوذ المجتمع المدني). وتوظيف الوقائع التاريخية في طرح التصورات لتحليل عناصر المشهد السياسي الحالي.
عسى ان تكون هذه الدراسة لبنة في التأسيس لدراسات رصينة تسعى لتحليل ما تشهده الساحة السياسية من تغيرات واسعة. والدفع بالإجابة على العديد من الأسئلة المطروحة على الباحثين في علم السياسة في ظل واقع يضعنا أمام تحدي خلق تراكم من شأنه أن يؤدي إلى إيجاد أسس نظرية تؤطر لفهم الحقل السياسي.
ان واقعنا السياسي لم يتجذر رغم الممارسة الحزبية مما يبين ان هناك فقر في البنية التحتية للحياة السياسية في مجتمعاتنا حيث لم تستغل الامكانات والطاقات في انجاح الحياة السياسية منذ السماح بتأسيس وانشاء الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني وبدل ان نشهد تقدما في الحياة السياسية نشهد اليوم تراجعا غير مبرر، البعض يضع اللوم على الحكومات والبعض يضعه على احزاب المعارضة واخرون يرون ان انعدام الفضاء السياسي يعود الى ان مجتمعاتنا تقليدية متأثرة بالثقافة القبلية والبدوية فهي مجتمعات عصية وممتنعة للأشكال الحديثة في العمل السياسي.
ان ما نشهده اليوم من المفاهيم الحديثة للسياسة المدنية لم تكن موجودة قبل مطلع القرن العشرين، وقتها كانت مجتمعاتنا ترتهنُ لمفاهيم سياسية لما قبل الدولة الحديثة، وتسير وفق قواعد البنى التقليدية التي حكمت المجتمعات وعلى هذا الاساس بني الحقل والفضاء والعمل السياسي عندنا.
فالحياة السياسية تحتاج لنقلة نوعية من مجتمع تقليدي الى مجتمع يعيش حالة مدنية يكون الناس فيه متساوون امام القانون تحكمهم مؤسسات مبنية على اسس سياسية وقانونية نقوم بالتشجيع على المشاركة السياسية باعتبار انها الشرط الاساسي لإحداث التطور النوعي في فكر المجتمع وسلوكه السياسي بحيث ينتظم هذا عبر مؤسسات مقننة شرعية تصبح كلها أطراف في العملية السياسية.
ونحن في حالتنا هذه يجب ان نوفر الشروط اللازمة لتنمية الحياة السياسية وهذه العملية تكون متكاملة وطويلة المدى وتعالج مختلف جوانب حياة المجتمع.
الملازمة بين الفكر السياسي والفضاء السياسي (متلازمة الفكر والواقع)
تواجه مجتمعاتنا تحدياً غير مسبوق يستهدف وجودها ونظامها، ولهذا كان الاهتمام منصباً لدى كثير من المؤسسات ومراكز البحث، حول متلازمة الفكر والواقع فالقوة المانعة للدول والمجتمعات من التفكك والانهيار تكمن في بناء حياة سياسية وفضاء سياسي وحقل سياسي وعمل سياسي سليم وصحي فالواقعية تفترض المقاربة والاتساق وترفض الفصل والتبعيض بين الفكر والواقع.
ان بناء حياة سياسية سليمة هو المدخل الرئيس للمجتمعات كي تحقق التقدم والازدهار. وهذا يعني في سياقه العام تحقيق النهضة واثبات الذات في مضمار الساحة الوطنية والعالمية والمساهمة في إعمار المعمورة.
وهذا الامر يعتمد على وعي المجتمع لذاته، وموقعه ودرجة حضوره وفاعليته وتأثيره في الواقع المحيط به، وقدرة حوامله الاجتماعية على تحقيق نهضة داخل المجتمع، وتخليصها من معوقات حضورها الفاعل اقتصادياً واجتماعيا وسياسياً وثقافياً، أو بتعبير آخر إقامة الدولة المدنية، دولة المواطنة والمؤسسات والتعددية والتشاركية واحترام الرأي والرأي الآخر والتصدي لكل فكرة لا تخدم المجتمع والتي تحول بين الإنسان وقدرته على تحقيق مصيره بنفسه وليس بالاتكال على قوى أخرى خارج عالمه.
فمن الضروري احداث تنمية سياسية واتخاذ اجراءات لازمة من خلال تفعيل الحياة السياسية بمشاركة الاحزاب والمنظمات الاهلية لدورها الاساسي في احداث هذه التنمية وانعكاسها على المجتمع.
ولعل من أهم اسباب الإخفاق في المشروع التنموي، هو عزلة الدولة عن المجتمع وبالتي عدم فسح المجال للفاعليين الاجتماعيين والقوى الحية التي تعبر عن نبض المجتمع، للمشاركة في تحمل المسؤولية. فلا يمكن بناء نهضة او تنمية من دون بناء الحقل السياسي.
من الصعب الحديث عن السياسة او ممارستها بشكل سليم داخل مجتمعات عصية وممتنعة للأشكال الحديثة التي نراها في الدول المتقدمة.
فالنخب الحاكمة تنظر إلى المشاركة السياسية على أنها انتقاص من حقوق الحاكم وانقلاب على طبيعة الحكم. والصراع يدور حول مفهومين للمواطنة الفهم الأول هو انعكاس للتقاليد الإقطاعية التي كانت تربط الناس بالسيد الإقطاعي. الفهم الثاني فهم حديث ينطلق من أرضية التعاقد الاجتماعي كأساس للشرعية والمواطنة، وتكون وظيفة هذا التعاقد تحقيق العدالة السياسية والعدالة القضائية.
وبسبب سيطرة وغلبة المفهوم الأول بحكم امتلاك القوة والحماية، تتسم الحياة السياسية بعدم الاستقرار السياسي والفساد. فالجماعات التي لا تتمتع بحقوق المواطنة هي في الأغلب مستبعدة من الحياة الاقتصادية.
ووفقا لهذا تتشكل الصورة لنموذج الحكم المطلق تقوم على اعتبار خيرات الدولة غنيمة خاصة بالنخبة الحاكمة وتتمركز السلطة وسيادة الدولة بشكل كبير في العائلة الحاكمة.
فتقاليد الحكم العشائري والقبلي تركز وتحصر القوة السياسية والحقل السياسي بيد الحاكم وعائلته، وذلك عبر احتكار أدوات القسر، واحتكار توزيع الثروات والخيرات والإعفاء من المراقبة والشفافية. وهذا يبدو واضحا في تتبع توزيع المناصب العليا وتوزيع أعضاء العائلة الحاكمة، أو على الأقل الكبار منهم، على أهم المناصب والمؤسسات، خصوصاً تلك التي تسمى بالسيادية، وبناء كادر بيروقراطي من الخبراء والتكنوقراط المحليين الذين يعملون تحت السيطرة العامة للعائلة الحاكمة. وهذا التوزع لأقطاب العائلة الحاكمة على أغلب مفاصل
الدولة الرئيسية ثبت نفوذهم، وربط مبدأ الدولة بهم بشكل عضوي، حتى صار من الصعب التفرقة بين الدولة وبين العائلة الحاكمة؛ وكأنهما؛ شيئاً واحدًا. فنحن مجتمعات ممتنعة وعصية على الحداثة والديمقراطية بسبب البنية التقليدية فهو مجتمع بدوي عشائري.
فالبداوة المقنعة هي التحضر الشكلي، أي السكن والعمل في المدينة، مع بقاء العقلية ريفية والقيم والاعراف والعصبيات بدوية والسلوك حسب العرف العشائري وتحول الولاء والانتماء من الدولة والوطن الى القبيلة والطائفة والمنطقة.
الانتقال من المجتمع الريفي والبدوي بقيمه وتقاليده وأعرافه وعصبياته الى المجتمع الحضري المتمدن دون المرور بفترة انتقالية يتم فيها تفكيك تلك القيم والأعراف، هو عملية معقدة وتحتاج الى ظروف وشروط اجتماعية واقتصادية وثقافية تساعد على التأقلم والانسجام
والتحضر وفي مقدمتها تحويل الولاء والانتماء من العشيرة الى الدولة والوطن ومن ثم الخضوع الى سلطة القانون والمجتمع المدني وليس الى القيم والاعراف القبلية، والذي ينعكس في البنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية وبخاصة في العلاقات العائلية والتعليمية والمهنية، التي تتأثر بدورها بطرائق التفكير والعمل والسلوك الريفي البدوي الى المدن، وحدوث تغير وتبدل وتحول في نمط الحياة والسلوك والعلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
لقد اصبحت القيم والاعراف والعصبيات العشائرية تحاصر المدن اليوم من جميع جوانبها وتتداخل مع قيمها وثقافتها وتضغط بكثافة عصبياتها على البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للمدن عن طريق العشائر والعوائل والطوائف والاحزاب وتهجم بكثافتها وتخترق المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية وتنتهز اية فرصة للتسلق الى قممها وتتحول الى قوة ضاربة تضعف الدولة التي لم تكتمل وتنضج، واخذت هذه الظاهرة تفكك الحياة السياسية، بعد ان عجزت عن تأسيس دولة القانون والمجتمع المدني وتوفير هامش من الحرية واحترام الرأي والرأي الآخر. فالدخول الى الحداثة من الابواب الخلفية سببه انحسار الثقافة الحضرية القائمة على الاستقرار والتسامح والتقدم الاجتماعي.
فالبداوة السياسية والفكرية مشكلة يجب التحرر منها، ونقمة على الحياة يجب الابتعاد عنها، والمدنية حل لكثير من المشكلات الناتجة من البداوة، ولكن هناك مسافة نفسية ما بين البداوة والتحضر، ومسافة زمنية ما بين مرحلة البداوة والتحضر، وعرفت الدول الكبرى بأن الحل هو انتقال المدنية وخدماتها إلى البادية، وليس العكس، فالإنسان البدوي يجب أن يتحضر ويتمدن وهو فى البادية، ولكن لو انتقل الإنسان إلى المدينة بعقلية وثقافة البادية، هنا تكون الطامة الكبرى في الحياة.
والثقافة البدوية تتطلب اربعة أمور.
1- شيوخ كبار يتولون أمور الناس.
2- مجتمع لديه علاقات دموية، وبينهم تضامن حول قضايا الحياة والدفاع عن المشتركات.
3- وأرض يعيشون عليها.
4- ونظام اجتماعي يتحاكمون إليه.
وهكذا تبقى الحياة سنوات كثيرة بل عقود متطاولة لا تتغير وختاما نريد ان نذكر ان اي عملية اصلاح لا تعالج هذه النقاط ستعيدنا الى المربع الاول …
تحياتي وتقديري للكم جميعا ….