الشّخصيّة المنافقة شيطان إجتماعي
إعداد وتنسيق: د. فاطمة عصمت مشيك / إحتصاصية في علم النفس
الشّخصيّة المنافقة شيطان إجتماعي
إعداد وتنسيق: د. فاطمة عصمت مشيك / إحتصاصية في علم النفس
الشّخصيّة، هي مجموعة من السّمات والصّفات، تجتمع معا في بودقة واحدة لتشكّل خليطا من سلوك متجانس أحيانا ومتناقض أحيانا أخرى.…
وبالرغم من تنوع الشّخصيّات وتعدّدها في المجتمع، برزت الشّخصيّة المنافقة كنوع من الآفات الاجتماعيّة...
وهي ما يبطن مفهومها ويجمّله، ما نسميه ( المجاملة )، أو ما يعرف بظاهرة النّفاق الاجتماعي...
الشخصية المنافقة، هي نمط من انماط الشخصيات التي نجدها في المجتمع
ولكن تنال التميز فيه كونها تمتلك التقنع والتمثيل… فهي شخصية تتلون تلون الحرباء في المكان الذي تكون فيه، فهي بلون في الصباح ولو في المساء…
شخصية لها القابلية على التقولب مع محيطها بمفهوم المحبة والوفاء والاخلاص
الذي تنكره في اعماقها ولكن تنهجه من اجل اكساب الاخرين الاعجاب بها
والاهتمام…
فهي تتقن كافة الادوار والانماط حتى يحتار البصير والفطن بها ويصدقها…
شخصيه تبحث عن اشخاص تمثل عليهم دور الاقناع وترتدي لكل دور قناع
ولا تعرف اي لون لونها الحقيقي لكثرة الاقنعة… شخصية تعمل على تحقيق القبول الاجتماعي وتفضيل مصلحتها الخاصة، ومن ميزاتها تتجه الى التجديد في كل زمان ومكان… فتجد قناع المحبة ثم ترتدي قناء الغدر…
فالانسان في داخله انسان ويبقى السؤال، اين ذلك الانسان؟!…
شخصية تجدها منمقة ماهرة الكلمات والاقناع، تبهر الاخرين وتجذبهم اليها
شخصية، تنخر المجتمع من الاعماق…
شخصية تنثر الولاء في كل مكان وليس لها ولاء، تعمل الظروف والصدمات على نمو تلك الشخصية، عندما تمجد الانا في داخلها بمفهوم تميزها، بخداع الاخرين
فتجد ذلك السلوك الانجح مع المحيط، لكونها ماهرة في الخداع والقناع، ولا تستقر سايكولوجية الانا لديها، الا بمفهوم النفاق، وهو نابع من خلل في بناء الشخصية السليمة المستقرة الواضحة… فكم نعاني ونعاني من ذلك النمط في المجتمع…
إنّ لهذه الشّخصيّة عوامل ومسبّبات تسهم في تكوينها ونموّها، تبدأ منذ التّربية الأولى في أحضان الأسرة، إذ أنّ أغلب الوالدين يقومان باعتراض أفكار الطّفل وتصرّفاته نحو الآخرين، فعندما يعبّر الطّفل عن عدم ارتياحه لشخص ما أو لموقف ما، يؤنّبانه وقد يعاقبانه، فيغيّر الطّفل من سلوكه إرضاء ً لوالديه وخوفا من فقدان محبّتهما، فيبدأ الطّفل الصّغير تدريجيّا بتبنّي مواقفا ً غير مواقفه وآراء ً لا تمثّل أفكاره… إرضاءً لحاجات وأشخاص آخرين، وتبدأ هذه الصّفة من التّمكّن من سلوكه وتصبح نمطا متمازجا في أسلوب حياته...
فإذا ما أمتدح شخص ما أمامه، ذمّه من خلفه، وهذا التّناقض في الرّأي هو نفاق، يؤثّر سلبيا على أفكار الشّخص نفسه قبل تأثيره على الآخرين، فتبدأ شخصيّته بالتّحوّل من شخص متّزن مدرك ومسؤول عن أقواله وأفعاله الى شخص يرتاب بالآخرين ويكون الشّكّ دائما نبراسا في تعامله مع الأفراد المختلفين، فينشأ شخصا مريضا مدمنا على هذا النّمط المريض الذي تصعب معالجته في مراحل متقدّمة...
وللشّخص المنافق صفات واضحة منها :
التّأييد الكامل للخطأ والصّواب لنفس الموضوع...
امتلاك رأيين مختلفين لنفس الموضوع، رأي مطابق مع رأي الشّخص الذي يطرحه، ورأي معارض مع الشّخص المعارض لذلك الشّخص...
ويكون الشّخص المنافق متأرجحا في تأييده...
والذي يدفعه الى تبنّي مثل هذا السّلوك عدّة عوامل منها، خوفه من فقدان صداقة هذا الشّخص…
أو خوفه من خسارة عمله إذا ما قدّم رأيه بصراحة، أو قد يتسبّب في مشكلة ما دون دافع مسبق لها، كرأي الطّفل عن محبّته لصالح الأمّ أو الأبّ… فإذا ما رجّح كفّة على الأخرى فَقَدَ محبّة الآخر، كذلك بالنّسبة للكبار، فإنّ الحيرة والشّكّ من معرفة الصّواب والدّقةّ الموضوعيّة قد تدفع الشّخص الى تبنّي حلولا وسطيّة...
وإبراز النّقاط السّيّئة بهدف إثارة المشاكل وليس لغرض النّقد البنّاء...
وقد يتحول النّفاق الى مرض اجتماعي يحمل في طيّاته الحقد والغيرة على الذين من حوله، فنراه لا يمتدح أيّ عمل لزملاء مهنته أمامهم أو خلفهم، ويظهر النّقاط السّيّئة أو الضّعيفة في أدائهم وأقوالهم ويعمل على جعلها محطّة للفتنة والخلاف...
تذبذبه في الرّأي وعدم وضوحه بشكل قاطع وملموس، فهو يتلوّن حسب الموقف الذي يوجد فيه، وبالشّكل الذي يخدم مصالحه الذّاتيّة قبل مصلحة الجماعة… وقد يتحوّل الشّخص المنافق الى مضطّرب سلوكيّا، كونه لا يملك إدراك مستقرّ نحو الأشياء، ويصبح تفكيره مختلاّ ومنحصرا في كيفية ترتيب إجابته قسريّا، ممّا ينعكس سلبا على تصرّفاته وشخصيّته…
إنّ المنافق شخص وجد بيئة صالحة لنموّ سلوكه… فظاهرة النّفاق الاجتماعي، ظاهرة متفشّية في مجتمعاتنا الشّرقيّة لأسباب اجتماعيّة وثقافيّة سائدة فيه، وحين نجمّلها نقول عنها أنّها ( مجاملة اجتماعيّة )...
والخوف من انتشار هذه الشّخصيّة الغير مقبولة إنسانيّا والموجودة اجتماعيّا، تحوّلها الى شخصيّة عنيفة، أو حاقدة ممّا يؤهّلها الى أن تكون شخصيّة مريضة...
والشّخص ذو الشّخصيّة المنافقة يخسر:
احترامه لذاته...
احترام الآخرين وتقديرهم له.
يصاب ببعض الأمراض النّفسيّة وتتحوّل شخصيّته الى شخصيّة صفراويّة ( تحمل
صفات سيّئة غير مؤذية بشكل مباشر ).
تصبح قدرته على تكوين العلاقات الإنسانيّة ضعيفة جدّا.
لا يؤخذ كلّ كلامه على محمل الجدّ والانتباه.
وللنّفاق أسباباً كثيرة ومتعدّدة تدفع صاحبها نحو إظهار النّفاق، وأن يُبديَ للنّاس عكس ما يُخفي، والأسباب التي تدعوه لذلك كثيرة، منها ما يأتي:
أن يكون مُحبًّا للشّهوات، أو واقعًا تحت تأثيرها، ومنها شهوة التّعلّق أو التّمسّك بالحياة.
أن يكون الدّافع هو حبّ المناصب والرّئاسة، والخوف على نفسه من انتزاع جاهه وزعامته وسمعته بين النّاس.
أن يكون الدّافع هو التعلّق بالدّنيا وحظوظها، وما فيها من ملذاّت وغنائم.
أن يكون الدّافع هو الفِتن والشّبهات.
ومن صفات المنافق أنّه يُظهر الودّ والمحبّة للآخرين، ويُخفي العداوة والبغضاء…