البِغاءنولوجيا / قبسات مختارة من رواية حواري وحماري حول البِغاء والنّفاق
بقلم: حسين أحمد سليم الحاجّ يونس / رئيس تحرير القسم الثّقافي بالجريدة الأوروبّيّة العربيّة الدّوليّة
البِغاءنولوجيا
قبسات مختارة من رواية حواري وحماري حول البِغاء
بقلم: حسين أحمد سليم الحاجّ يونس
رئيس تحرير القسم الثّقافي بالجريدة الأوروبّيّة العربيّة الدّوليّة
باحث وفنّان تشكيلي دولي، مهندس مُحلّف لدى محكمة بداية بيروت
سألتُ حماري الفيلسوف:
ما هو البِغاءنولوجيا؟
فأجابني حماري الفيلسوف وقال:
البِغاءنولوجيا هو علم تحوّل الإنسان طوعًا إلى ممارسة البِغاء، ويُطلق عليه لقب بغيّ وباغ، وهو ممارسة جميع أنواع الأخلاق الذّميمة مُجتمعة أو مُتفرّقة، ومنها: الجور، والظّلم، والتّزوير، وإنتحال الصّفات، والكذب، والخلابة، والخديعة، والتّلبيس، والتّغرير، والإيقاع في الباطل، والغشّ، والتّدليس، والتّحريف، والتّصحيف، وإغتصاب الحقوق، والإتيان بالفواحش والمُنكرات والمُحرّمات… وهذه الشّهادة ليست جامعيّة، ولا يتمّ الحصول عليها من مصادر أكّاديميّة، إنّما هي إجتهاد شخصيّ من الإنسان الضّالّ، الذي يُوسوس له الشّيطان، لممارسة ثقافة الجهل، للإنحراف عن الحقّ وسلوك الطّرق غير القويمة، لإصابته بالإضطّرب النّفسي في شحصيّته الموبوءة بكلّ الجوائح الخبيثة…
وممارسة البِغاء، لا يقتصر على فئة مُحدّدة من معاشر البشر، في رِحاب العلاقات والتّواصل الإنساني المُجتمعي، فقد يشترك فيها صنوف مُتنوّعة ومُتعدّدة ومُختلفة من الشّخوص البشريّة، المُنتحلة الألقاب والصّفات، والتي تتخلّق وتتنقّب نفاقًا بالأخلاق الذّميمة، ومِهن الحقارة والدّناءة والرّياء والكذب والدّجل، في مجتمعات مليئة بالزّيف والخداع والغدر والخيانة…
فليست المظاهر هي انعكاس الجواهر، وليست الألقاب والصّفات مرآة الحقائق، فالنّفاق البغائي أصبح ثقافة وأسلوب حياة، وطغى على الحياة البشريّة المعاصرة، في هذا الزّمن العاهر الفاجر الدّاعر الباغي، وينعكس في الوجوه البلاستيكيّة الكالحة، التي تتبدّل كالرّياح، ويتبدّل معها الخطاب التّواصلي، من أجل تحقيق المصالح والمآرب والمكاسب الشّخصيّة، على حساب القِيم والأخلاق الكريمة، والمباديء والأعراف التي لم يعد لها أهمّيّة وقيمة، وأخطر صُور البِغاء، هو البِغاء الفكري والثّقافي والسّياسي والحزبي والإجتماعي، بكلّ أشكاله وأساليبه وألوانه المُختلفة…
ففي زمن عصرنة الثّورة الرّقميّة، وشيوع الشّبكة العنكبوتيّة العالميّة للمعلومات، وانتشار برمجيّات شبكات التّواصل الإجتماعي، والفيسبوك والواتس أب والهواتف الجوّالة، التي انحازت وانحرفت عن الغاية الخدماتيّة التي وُجدت من أجلها، بسبب استخداماتها من أصحاب النّفوس الموبوءة بجوائح الأمراض الخبيثة، والمُتنقّبة بالأخلاق المذمومة… لم تعد تغري الإنسان الواعي العاقل، المظاهر الأنيقة، ولم يعد يرقّ القلب وتتلطّف النّفس للمظاهر الرّثّة، ولم يعد يُفتتن بالشّهادات الرّفيعة المُستوى، والتي أكثرها مُزوّرة ومُنتحلة، لجنون العظمة وجنون الشّهرة، حيثُ غدا أيّ إنسان مُصاب باضطّراب الشّخصيّة، ممارسة البِغاءنولوجيا في مجاله الإجتماعي واختصاصه المهني، وتواصله وعلاقاته البشريّة المُجتمعيّة…
فعندما يُنكر شخص ما، خدمات الآخر له ومساعدته. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يكثر النّفاق في عالم التّواصل الإجتماعي ويغدو الوضع مُقرفًا. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما تُزوّر الحقائق، ويُصبح الإعلام عبداً للسُّلطة. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما جنون الشّهرة يأخذ طابع التّعدّي على حقوق النّاس. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما تُمارس أحاديّة الفكر ولا ينتفي الإيمان بلغة الحوار. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يُمارس الغلوّ في المدح والممدوح لأغراض أنويّة. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يُصنّف أحدهم نفسه على أنّه شاعر مُحلّق، وما هو إلاّ شويعر أو شعرور. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يتلبّس شخص ما، ما ليس له. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما المجتمعات تحكمها أعفن القيادات. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يُصبح الكاتب مأجورًا ويغدو بوقًا مُنافقًا للغير. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما ينتحل شخص ما، لقبًا أوّ صِفة زورًا وبهتانًا بغير حقّ. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يُغيّر البقّال تاريخ المواد الغذائيّة على السّلع. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يُمارس شخص ما، النّفاق الفكري والثّقافي. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يبيعُ المهندسُ ذمّته للمقاول. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يُحارب شخص ما، كلّ مَن حوله من المُثقّفين، خوفًا وحفاظًا على مركزه الذي اغتصبه. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
عندما يكتبُ الدّكتور المشرفُ للطّالب رسالة الماجستير أو أطروحة الدّكتوراة لأجل حفنة دولارات. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يُمارس شخص ما، أفعال الوصوليّة والإستغلاليّة والإنتهازيّة السّلبيّة، لتحقيق نرجسيّته. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما تُحوّلُ المرأةُ من زوجة إلى جارية، ومن رفيقة درب إلى وعاء إنجاب، ومن إنسان إلى أثاث. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يستغلّ شخص ما سياسي حزبي، طيبة قلب ونفس شخص آخر، ويتّهمه بالمُغفّل والغبي. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما تُبادُ الشّعوبُ على الهواء مباشرة، دون أن يرفّ للدّول المتحضّرة جفن. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما لا يحصل شخص ما مؤهّل، على وظيفة في مجال اختصاصه، إلاّ بالوساطة ودفع الرّشاوى والبرطيل، وتقبيل الأيادي والتّملّق. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يبيعُ الأبُ ابنته لمن يدفعُ مهراً أكثر. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يصفُ طبيبٌ ما دواءً مُعيّنًا لمريضٍ، فقط لأنّ شركة الأدوية تعطيه مقابلاً على هذا الدّواء. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يغتصب ويأكل أحدهم حقوق الآخرين ظُلمًا وعدوانًا. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما تُطعنُ فتاةً بريئة طاهرةً في قلبها، بلا ذنبٍ ارتكبته، سوى أنّها توسّمت في شخصٍ ما خيراً ووثقت به. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يُدجّن ويُقَيّد، وتحوّل شخص ما لناطق رسمي، بإسم من يناهضه سِرًّا وعلانيّة، ويتحوّل من النّسر المُحلّق إلى حمامة بما يُلوّح له نفاقًا، من وعود وعهود إغراءً وفتنةً. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما يُهانُ الأبُ، وتُذلُّ الأمُّ. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما البعض يُمارس النّفاق الإرادي والبغاء الثّقافي، ويُبغبغ كما الببّغاء دون وعي لمضمون بغبغته. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما البعض ينتحلون الصّفات نفاقًا وبغاءً فكريّا وثقافيّا، ويُطلقون على أنفسهم كُتّابًا وأدباء وشعراء وشخصيّات إعلاميّة وإبداعيّة، وما شابه… والكثير منهم لا يحملون حتّى شهادات تعليميّة، وآخرون لم يتلقّوا تعليمهم الجامعي، وحتّى البعض من الجامعيّين، لم يُمارسوا قراءة كتاب واحد في حياتهم. فهذا بِغاءنولوجيا؟!…
وعندما تُخلع وتُمنح وتُعطى، الشّهادات الأكّاديميّة الرّفيعة المُستوى، من جهات غير جامعيّة رسميّة، وتُنتحل الألقاب والصّفات، جنون عظمة وجنون شهرة، بغير وجه حقّ، والتي ما أنزل الله بها من سلطان. فهذا بِغتءنولوجيا…