حوار مع الأديب والشاعر حسين أحمد سليم
أجرت المقابلة : الأستاذة عطاف الخشن
حوار مع الأديب والشاعر حسين أحمد سليم
مقابلة مع الباحث في تاريخ الأنساب ، وتاريخ الخطوط العربية
الأديب والشاعر :حسين أحمد سليم
أجرت المقابلة : الأستاذة عطاف الخشن
_____________________________________
– ضيفنا مثقف عربيّ اللسان ، والفكر والوجدان، مزدوج البيان قولا، وما يسطره بالبنان ، متمكّنٌ من لغته، ممسكٌ بناصيتها، ومتمرّس بآلة نثرها وصناعة شعرها.
– قارئ جيد ومتمثل للشعر وللنثر العربي قديمهما وحديثهما، ذو نظر ثاقب في إشاراته إلى مواطن الجمال والقوة في أي نص نثري أو شعري .
_ باحث في تاريخ الأنساب ، قاصّ وموثق ، رسّام ، وباحث في تاريخ الخطوط العربية ، مبتكر الخط الهندسي الإسلامي ، صحفي وسفير سلام نوايا حسنة ، فخري .
من ألقابه : النسر العربي المحلق ، العرّاب ، فيلسوف الحب وحكيم العشق .
هو حسين أحمد سليم من سكان قرية النبي رشادي البقاعية (قضاء بعلبك ) ، يعمل مهندسا مسّاحا ، محلّفا ونقابيا ، منتسب لإتحاد الكتّاب اللبنانيين
بداية ، نرحب بك أستاذ حسين في قناتنا timetv ، حللت أهلا ووطئت سهلا .
١_ حضرتك ناثر ، شاعر ، باحث ، قاص ، موثق ، رسام ، فني ، هندسي ، تخطيطي وتشكيلي ، والكثير من الإختصاصات اللافتة ، كيف استطعت أن تكون شخصا واحدا لمجالات متعددة تحتاج جهدا كبيرا كي ينجح الإنسان بها ويحلق ؟
جواب :
منذ البدء، وعيت ذاتي بتربية أبويّ، فغدوت أنظر برؤى الأمل المرتجى، من جوهر باطنيّ، أتطلّع إلى حركة فعل الحياة العقليّة, أتفكّر في ارتقائها المحرور و المتعب قمم الحقيقة السّاطعة, أتفاعل مع مسيرتها الصّعبة إلى الخلاص اليقيني. و غدوت ألجّ عالم الأفكار, يتبدّى لي في أوان تبصّر و رؤى أخرى, تحرّضني قناعتي أنّ نتاج الرّوح الإنساني لا يتوقّف أبدا, و أنّه في المرء العاقل في تعاليه المتواصل يسلك طريق التّنامي المستدام و التّطوّر المنفتح, و هو تطوّر يتنكّب لمبدأ التّجانس و التّشابه بين الفرد و سائر أفراد المجتمع من الوجهة النّفسيّة, على مبدأ التّنوّع و التّغاير الذي يرجع إليه, وحده , دفع الحياة الرّوحيّة في طريق التّحقق و النّموّ المتواصل… فمنذ البدء كانت حركة فعل دأبي المتواصل لكسب المعرفة في كلّ ما أتوق إليه، فكانت جرأتي الوقوف وجها من أوجه عبادتي لنّفسي التي خلقها المبدع, و الواقع أنّني أردت, منذ طفولتي أن أكون فريد عصري مميّزا بما أخدم به الأنسنة, فأحببت, عن عمد, صورتي الإبداعيّة و الإبتكاريّة في مرآة سعة وعيي المعرفيّ و الثّقافيّ و الفنّي و الهندسي, كما يحبّها من يتراءى في مبدع أفكاره و آثاره. لذلك جاءت محبّتي لنفسي من خلال قدراتي الفكريّة و الفنّيّة و الأدبيّة التي وهبني الله تعالى، عبادة لله خالصة، وخدمة للإنسانيّة…
٢_ أطلق عليك لقب النسر العربي المحلق ، والعرّاب ، فيلسوف الحب وحكيم العشق ، عميد الرواد ، فنان تشكيلي عالمي ، وألقاب أخرى تستحقها ، هل ترى نفسك أنك أهل لكل هذه الألقاب وقدمت إنجازات عظيمة جعلت منك رجلا مختلفا عما سبقك أو سيأتي بعدك ؟ وأي لقب ترى نفسك فيه أكثر من غيره ؟
جواب :
أنا في ظمئي إلى المطلق, و في تطلّعاتي إلى الكمال, لم أجد بدّا من أن أقف في مواجهة مع القدر. و جميع ما حصدت من ألقاب لم تكن سوى حوافز لي للتّرقّي صعدا في الإبحار الآخر لتطوير قدراتي و مواهبي عمليا… لأنّني أعي تماما حالة عدم التّكافؤ بين تطلّعاتي العملاقة و قدراتي المحدودة على تحقيقها. و يتدخّل القدر ليفصل بين القناع و الوجه فصل الأمنية العريضة عن الفعل القاصر… و إنّ لهفتي على سبر جوهر الحقيقة, و غيرتي على انتصار القيم الرّوحيّة التي تتفتّق و تنبثق من جوهر المعرفة و الثّقافة و الفنون, و دفاعي عن كرامة الإنسان سببا في إحساسي العميق بقيمة الحياة و جداء البذل و العطاء و المساهمة في حركة فعل تطويرها و تنميتها المستدامة، دون الوقوف عند الألقاب مهما كانت، و التي حصدتها تتويجا لإبداعاتي و إبتكاراتي و مساهماتي في مجالات إنسانيّة عديدة… و حتّى اللحظة ما زلت في بداياتي، و لم أعطِ الحياة ما أتوق له رغم كلّ إنجازاتي الفكريّة و الأدبيّة و الفلسفيّة و الفنّيّة و الهندسيّة، المنشورة للعموم في غالبيّة الوسائل الإعلاميّة و التّواصليّة… و أحبّ الألقاب لي: إسمي كما هو: حسين أحمد سليم…
٣_ كنت تعطي دروسا في فنون النقطة الإشراقية في متحف في بعلبك ما المقصود بفن النقطة الاشراقية ؟ من أين جئت بهذا الفن وخاصة أن شبابنا قليلا ما يسمعون به ؟ وهل من مهتمين لهذا الفن ؟ أين تكمن مواطن الضعف أو القوة فيه ؟
جواب :
النّقطة الإشراقيّة… نقطة لقاء الحبّ بالحبّ, و العشق بالعشق، ففي البدء، نقطة, النّقطة الإشراقيّة، جاءت من اللقاء, من رحم اللقاء، ساكنة، صامتة, هادئة، تعمّ المدى، أبديّة الصّدى… الأرض في البعد الكونيّ، نقطة إشراقيّة، تتناغم بالصّمت، تترنّم بالسّكينة، صوتها الكارز بالحبّ و العشق، يملأ صدري مودّة، ينعش قلبي رحمة، يملأ راحتيّ إطمئنانًا، يغشى عينيّ كحلاً، أريجا فوّاحا ينتشر في كلّ مكان، ينساب متهاديا, من وراء الزّمن… الورود في وطني و الأزهار، تزهر بالعطر, و شذي الطّيب، على أكمامها, تشرق بالطّلّ مع كلّ صباح، تتألّق فوق وريقاتها حبّات النّدى، تسكر، تثمل من فوح العبير، يتشذّى الرّيحان و الغار و ضوع الطّيب، و العرعر و الشّربين و السّرو و الأرز، وطني الكبير, يتماهى بالحبّ و العشق، من حدود الماء إلى حدود الماء، عند مجمع البحرين يُنشد اللقاء، خضر آخر و موسى آخر و نقطة إشراقيّة أخرى… لغة الضّاد، بوح لساني, منذ البدء، موطن الأرز مولدي و حجر الحبلى، هويّتي عروبتي في فلسفة النّقطة الإشراقيّة… اللقاء الكبير كان هناك، لقاء العشق بالعشق و الحبّ بالحبّ، و الأريج الأطيب في ربى وطني، فما حججت مكّة، قهرا زمنيّا، لم يحالفني الحظّ، أيمنعني قسرا هذا الفناء؟!… في هذه الأرض، لا و ألف لا ، تأتيني مكّة العشق, نقطة إشراقيّة بحكم الحبّ، تحجّ في قلبي, و تطوف بي و تشوط، و يكتب الوجود, اللقاء الكبير، في تاريخ الخلد… لقاء الحبّ, روحيّ اللقاء، عروج آخر بين العشق والعشق، بأحرف من نور, تنسج الشّمس، لوحة اللقاء و مشهديّة أخرى، و نجمة الصّبح, تشكّل الحبّ، نقطة إشراقيّة في لقاءات الطّيب… و طواف الحبّ حول الحبّ، البيت العتيق ببكّة, بيت الحبّ لله، و بين الصّفا و المروة, تطيب في عشق الله.
الأشواط بالعشق و الحبّ… نقطة إشراقيّة لقاءات الحبّ, تتجاوز الآماد، في عمق الآمداء, جسدي الرّميم، يفترّ بالحبّ, يرود عشقا, ردهات الدّهور، يعبر مسافات الغبراء, يتواصل بالنّقطة الإشراقيّة، يولد مجدّدا, نقطة عشق من رحم النّقطة الإشراقيّة… النّقطة الإشراقيّة, تتماهى قدرا في عبادة الله… فلقاء النّقطة الإشرباقيّة بالنّقطة الإشراقيّة، ولادة نقطة أخرى, تحت الشّمس، فطرة الخلق, ولدت ساجدة، تعظّم الله, راكعة, تكبّر الله، منتصبة, تبتهل للحقّ, تطمئنّ في راحتها، حامدة… تلقي السّلام على السّلام، في أذن الحياة, تهمس, تكرز مهلّلة، تراتيل الحبّ و العشق… لقاؤنا الإشراقيّ, زنبقة بيضاء، تتفتق بالنّصع, تشتعل نقاء، على جبين الكون، يغمرنا الحبّ، في قلب الحياة, نغمر الكون بالعشق، نسائم الرّبيع تلفّنا, و أزاهير المروج، في رحاب وطني, يكسونا الضّوء، نقطة إشراقيّة، و نشرق بنور الله في وطننا، في وطن الحبّ و العشق… شمسك ربّي, بالحبّ الشّفيف، في بلاد العشق, تدثّر مشارف القمم، تراب الطّهر في وطني العتيد، يتبارك رحمة و مودّة في أرضي الممتدّة، بذور الحبّ تنثر و تزرع في التّراب، حبوب العشق, تهتز الأرض لطيفة، ينفلق التّراب هادئا، تولد السّواسن, و تنمو الرّياحين، أرض الله, بالطّيب تعبق، و سحر النّشوة, تنشر في الأرجاء، و يطيب اللقاء, بين الحبّ و العشق، نقطة إشراقيّة بأرض وطني، أرض الله… فالنّقطة الإشراقيّة, نفحة الخلق، كينونة الوجود في البدء، عند الله، قوام الكون, و كلّ الأشياء، من النّقطة الإشراقيّة, فقدرة الله تتجلّى، ترسم آيات الله, تشكّل المعجزات…
سبحانك، جاءت منك نقطة إشراقيّة، كلمة شذيّة, إنبثقت فوّاحة العطر، ولدت كلمة حبّ في لقاء الحبّ بالحبّ، في وطن الحبّ, تعيش الحبّ الشّفيف، سكينة صمت, و هدأة هجعة، في ضجعة المدى, أبديّة الصّدى… النّقطة الإشراقيّة…
من وحي النّقطة الإشراقيّة، كان مرسم و متحف النّقطة الإشراقيّة، في بلدة دوريس جنوب مدينة الشّمس بعلبك، نواة لنشاطات أدبيّة ثقافيّة و فنّيّة، خدمة و مساهمة في حركة فعل التّنمية المستدامة لمجتمعنا…
٤_ إلى أي مرحلة يمكن للأديب أو الشاعر ان يؤثر بمجتمعه؟
جواب :
الهدف في كتاباتنا الأدبيّة و الفكريّة و إبداعاتنا الفنّيّة، على تنوّعها إلى ضرورة الإيمان بوجود قيم جماليّة و فنّيّة ثابتة لا يعتريها تغيّر. بحيث يتّصل الفكر الحاضر بالفكر الماضي اتّصالا وثيقا بفعل الإيمان, و يرتفع الفنّ عن الأحكام النّسبيّة بعد الحدّ من تغيّر قيمه و تحوّل مفاهيمه. هادفين في نتاجنا الفكري إلى تدعيم حضارة الرّوح, و تعزيز الأخلاق, و الرّجوع إلى الوحي في محاولة لإعادة بناء اليقين…
فنتاجاتنا المتعدّد أمشاج من الفكر الماورائي, بروح مرنة منفتحة على كلّ أبناء المجتمع، في محاولة للإيفاء بتطلّعات الإنسان إلى حياة أفضل، إن تجاوب و إن لم يتجاوب…
– كتاباتنا تعبّر عن نظريّتنا التي تربط الأرض بالسّماء ربطا متفائلا, فحركة الحياة متعالية إلى الأخلاق, عندما ترتبط بالمعنى الواسع لها, لتعبّر عن فعل التّناغم القائم فيها بين مظهريّ المادّة و الرّوح, بين المعقول و اللامعقول, و بين اللزوم و المصادفة, و تتعاظم الفائدة عندما نتلمّس الانسجام داخل مختلف فئات المجتمع.
أنا مؤمن بالله عن طريق ما يرد منه إلى الفكر الذي يصنع الحضارة من بوارق و اشراقات. و هذه السّوانح الملهمة هي التي تنقّي الرّوح من شوائب الغضب و تسمو بها إلى العطاء المجدي… و هنا يولد المجتمع الحضاري الواعي اللذي يتآلف و يتأقلم مع الإبداعات الأدبيّة و الثّقافيّة و الفنّيّة…
و نحن نكتب لنغلّب فعل الخير على الشّرّ في نيّات البشر و أفعالهم, و نحرّض الإنسان كيّ ينطلق من موقف متفائل إلى التّغنّي بمنجزات الرّوح الأدبيّة و الفكريّة و الفنّيّة, و السّمو بمعاني الحضارة عن مؤثّرات الغرائز و النّزوات… و بهذا نقوم بتعميق إيمان الإنسان بجمال الحياة و سموّها, على الرّغم من المظالم و الفواجع التي يعانيها في مسيرته…
٥_ ما رايُكَ في ظاهرةِ التسيُّب والفوضى الموجودة على الساحةِ الأدبيّة المحليَّة مؤخرا وظاهرة تكريم كلّ من هبّ ودب ، أي تكريم أشخاص ليست لهم أيَّة علاقة وصلة مع الشعر والأدب والثقافة من قبل بعض المنتديات والمراكز الثقافيَّة المحليّة وبعض النويقدين . وفي الوقت نفسه التعتيم على الشعراء والكتاب الكبار والعمالقة المحليين ، وخاصة الوطنيين والشرفاء منهم ؟
جواب :
أحمل للواقع المرير في البعد رؤيا خاصّة, تسبّب لي الوجع الدّائم, ممّا يجري في الواقع المعاش على الصّعيد الثّقافي… رؤيا ليس فيها مجاملة أو ” بروتوكول ” و لا تطيق المحاججة و لا تحمل المماحكة…. و كثيرا ما تفرض عليّ قهرا ذاتيّا, الانفجار غضبا عاصفا, أو بكاء مريرا, محزنا و موجعا, تهرق معه الدّموع مدرارا… حين أحسّ أنّ الآخر لا يرى ما أراه, و لا يتحسّس ما أحسّ, و لا يتفكّر بما يتناهى إلى تفكيري, حول قضيّة ما ذات طابع عام أو خاصّ من تكريمات وتنويهات و تبوّآت رفيعة المستوى في غير مكانها الصّحيح…
فالوجع اليومي قرين دائم لي, و صديق مخلص في تعامله معي, لا يفارقني أبدا و لو لهنيهة, و لا يترك لي مجالا للارتياح… أقام سكنه الأبديّ في عروقي و جوارحي و أعماقي, التي كانت لا تفارق الذّكر أبدا… و انساب في ثنايا حروفي و كلماتي و خواطري و أفكاري و كتاباتي… و التي كانت تتظاهر أن لا همّ لها إلاّ الغوص فيما يجري من تزوير في حركة فعل التّصنيف و منح البعض ما لا يستحقّون و تتويجهم فضاحلة الأدب و جهابذة الشّعر و روّاد الفنّ, من أبواب مختلفة و متعدّدة في الإنتهازيّة و الوصوليّة و تمسيح الأردان التي لا تستحق… فوجدانيّاتي و نصوصي النّثريّة و الشّعريّة و أعمالي الفنّيّة فرضت عليّ سلوكا صارما لا يقبل الجدل, و نظاما قاسيا لا نقاش حوله… و غدوت لا أمنح المكانة المميّزة لمن يتسلّقون بإسم الأدب و الشّعر و الفنّ و هم منه براء…
أتوجّع كثيرا أمام الاتّساخ الأخلاقي الممتدّ في كلّ حدب و ناحية, الذي يملأ الحياة من حولي صخبا و ضوضاء… و أتألّم أكثر أمام الانحطاط المريع, الذي شمل كلّ العناصر الأدبيّة و أصاب كلّ الحركة الثّقافيّة و الفنّيّة, و الذي نجم عنه تلوّث, لا دواء له, في عناصر اللقاح و تكوين النّطفة الفكريّة, و حتّى في الأرحام الثقافيّة ؟! حيث يولد الجنين الثقافي موبوءا… أمام هذه الظّواهر العصريّة الغريبة, الموسومة باسم الحضارة و العولمة و الثقافة, فإنّني أصرّ على نظافة من نوع آخر و غير مألوفة, تحت شعار ” خالف تعرف ” , رفض ثوري تاريخي و جغرافي في كلّ مكان و زمان لمثل هذه الظّواهر، التي تركب موجات الحداثة و العصرنة…
فأنا أملك أن أرفض كلّ الرفض, ما يتراكض من أجله بعض الشّعارير من النّاس و يتكالبون على نيل التّنويهات فعل زور و بهتان , لأنّه لا يساوي عندي ما يتكالبون عليه جناح بعوّضة أو ما دون… و لا أقولها بقوّة الأمس و جرأة اليوم لتعريف الغد, في عصر الخنوع و المذلّة و الانحطاط و الانبطاح و الانسطاح و النّفاق و الدّجل و الاحتيال وتقمّص الوجوه الثّعلبيّة… فأنا لا أطالب الحياة بأكثر من عدالة طاهرة, في حركة فعل التّقييم و التّنويه و التّكريم لحركة الأدب و الشّعر و الفنّ…
٦__ هل النشاط الثقافي تحت ألسنة الحروب سيترك بصمة تاريخية أدبية خاصة, وهل تعتقد أن المثقف العربي أخذ دوره الضروري في ارتقاء المجتمع؟
جواب :
واقع الأمر في زمن الحروب, أنظر في عناصره وجزيئاته المريرة، التي تنعكس سلبا على حركة الأدب و الشّعر و الفنّ… حيث لا تفرّق الحرب في اختلاف الشّكل, وان تتبدّل الأوشحة وفق محصّلة النّتائج الزّمنيّة للحروب, من كور مضى إلى دور أتى, أو قد يأتي مستقبلا قدريّا, يرسم الكينونة بألوان الإبداع الآخر وفق تقمّصات قدريّة، تتوالد منها حركة فكريّة أدبيّة فنّيّة ثوريّة، مواكبة للمحصّلة النّاتجة عن فعل الحرب أو الثّورة الشّعبيّة أو الحراك بمختلف أشكاله…
تولد مع سوء الواقع مرحلة جديدة و أخرى من النّشاط الفكري و الأدبي و الشّعري و الفنّي, كينونة التّجسيد الحالي للمعطيات, في دور مستحدث و آخر حاضر… فالمنحة الذهبية المعطاة في زمن الحرب, فرصة أخرى وهبة العدالة المطلقة… دينونة الماضي في الحاضر, ترسم لوحة الزّمن القادم من خلال رؤى الأدباء و الشّعراء و الفنّانين, وخوض المعظمة الدّنيويّة الكبرى, تكرار لصراع الخير و الشّر, منذ عهد قايين و هابيل… و الصّمود في زمن الحروب وقفة انعطاف على الدّرب الممتدّ, حيث تتشكّل الصّورة الثّقافيّة على أسس المعطيات المستحدثة, ساحرة أو خلافها, و التّصنيف العادل على قاعدة الأعمال و الإبداعات…
ففعل التّجارب اليوميّة القاسية المتلاحقة في زمن الحروب, و انعكاسات العذابات الكثيفة في الامتحان الممعن في الصّعوبة على المبدعين, علامات التّطهّر من الآثام, و ما علق بالنّفس من إمارات السّوء جرّاء الحروب, و تخفيف من ثقل الأوزار تسهيلا في الجواز على الصّراط الإبداعي… حيث الخلاص هداية الزّمن, و عاشق الحقيقة, باحث في غياهب الأسرار, مستكشف في درب ذات الشّوكة, و الارتقاء هدف نهائي, لا ينشده إلاّ الكبار من المثقّفين, أصحاب النّفوس السّامية و الأبيّة، الذين تصنع إبداعاتهم الظّروف القاهرة في زمن السّوء…
٧_هناك من يطرح أن الحداثة تعني لدى كثير من مروجيها إلغاء ذاكرة الأمة ، وتراثها وثقافتها وأدبها ، ما مدى صحة ذلك في رأيك ؟
جواب:
الحداثة هي الشّيء الجديد، الذي يعطي صورة معاكسة عن الشّيء القديم، و هي حركة الانتقال من حالة قديمة إلى حالة جديدة، تشمل وجود تغيير ما، و هي ترتبط بالتطوّرات الفكريّة التي ظهرت في أوروبّا، و التي اتّسمت بظهور تيّارات أدبيّة و فنّيّة لم تكن معروفة سابقاً…
و الحداثة أو ما بعد الحداثة أو ما يسمّى بالعصرنة، هي حركة فعل تحديث أو تجديد أو تطوير أو تنمية و تعديل ما هو قديم… و هذا المصطلح هو عصري يتراءى بأوجهه المختلفة في مجالات عديدة و متنوّعة و منها: المجال الثّقافي و الفنّي و الفكري و التّاريخي و الإجتماعي… ليدلّ على مرحلةّ التّطوّر الزّمنيّة، التي طبعت العالم في حقبة مرحلة العصور الحديثة…
فالحداثة من حيث الشّكل هي واقع الحال الغالب في عالم اليوم، و الذي شهد خلال القرنين الماضيين كمّا كثيفا من الاكتشافات و الاختراعات يفوق بأضعاف مضاعفة ما حقّقته الإنسانيّة على مدى ألوف السّنين السّابقة، و علينا أن نستفيد من هذه الإختراعات و توظيفها بشكل مدروس لخدمة ثقافتنا و حضارتنا…
و هكذا فالحداثة عملت على تغذية الحياة بإكتشافات علمية ممتعدّدة، تتعلّق بالتّكنولوجيا و الفضائيّات و الثّورة الصّناعيّة و الثّورة الرّقميّة و المعرفة بشتّى العلوم، و غيرها… و هذه الحداثة تجعل القديم و الجديد أمام بعضهما البعض، مبيّنة الفروقات فيما أنتج و خلق البشر لخدمة الإنسانيّة ما بين الماضي و الحاضر للمستقبل… ممّا يدفع بحركة الحياة بشكل أسرع، و يبلور الكثير من الأفكار و الاتّجاهات الإجتماعية و السّياسية و حتّى الدّينية، و تخلق حركة الحداثة و ما بعد الحداثة قوى و سلطات جديدة، ممّا يجعل العلاقات بين النّاس معقّدة و بين بعضهم و بين المؤسّسات المختلفة، ممّا يخلق صراعا طبقيا بإتّجاهات مختلفة، و تعمل الحداثة بمفاهيمها الإجتماعيّة السّائدة على عمليّة فصل الملايين من البشر عن تاريخهم و إلتزامهم الرّوحيّ و عاداتهم الموروثة منذ الأزل… و هذا ما لا يتلاءم و ثقافة حضارتنا التي نعمل على المحافظة عليها و على أسسها، مع الإنتباه و الحذر من الإنعكاسات السّلبيّة التي تؤثرّ على حضارتنا…
٨_ كلمة أخيرة تود قولها لجمهورك أولا ، ولقناتنا ثانيا ؟
جواب :
بسم الله الرّحمن الرّحيم و به نستعين “يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير .”(سورة الحجرات 49 الآية 13)
“أدع إلى سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين” صدق الله العظيم (سورة النّحل 16 الآية 125(
(إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و إعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا/الإمام علي بن أبي طالب”ع”)
الكلمة البدء, من الفنون الأدبيّة, لها قدسيّتها, و الكاتب حضاريّا فوق مستوى النّاس… فالكلمة تعكس وجهة نظر قائلها, معبّرة عن موقفه، و هي سلاح قويّ لموقف جريء… إنّها الفرق بين النّور و الظّلام و الحقّ و الباطل، الصّورة الحقيقة, مصداقيّتها تعبيرها, فنّيّتها نجاحها… ترود مكمن ذاكرة الإنسان, موطّنة نفسها بمدى قوّة فعاليّتها… و الكلمة المختصرة, و الصّورة المعبّرة. الرّكيزتان لنجاح الموضوع… الصّلة فيما بيننا في شبكة المدوّنات و الصّفحات و المواقع و الصّحف الرّقميّة للتّعارف و التّآلف و التّعاون و تبادل المعلومات و التّكامل في سبيل خدمة الإنسانيّة, بمقتضى التّطابق و رؤى التّناغم و التّكامل و التّحابب, بين المرسل و الرّسول و الرّسالة و المرسل له لتكملة مكارم الأخلاق…
_نتمنّى لكم النّجاح و التّوفيق بمنظوماتكم الإعلاميّة الهادفة صحيفة و محطّة تلفزيونيّة، لخلق الوعي بين أفراد المجتمع، و كذلك بمنشوراتكم المفيدة و التي قرأنا و تابعنا في موقعكم الرّقمي المبارك, ضارعين لله أن يكون له فيها رضى و لنا
ولكم فيها صلاح… آملين دوام التّواصل و التّشاور و التّنسيق للأفضل و الخير العام… واضعين قدراتنا الأدبيّة و الفكريّة
والفنّيّة و الخبراتيّة الصّحفيّة بخدمتكم و خدمة الأمّة، و لكم الثّواب و الأجر بأعمالكم. و تفضّلوا مشكورين بقبول فائق التّقدير و الحبّ و الاحترام . كما أوجه تحية خالصة الى إدارتكم في قناتكم timetv والشكر الوفير موصول الى الكاتبة عطاف الخشن على الجهد الذي تبذله في نشر القيم الثقافية التي من شأنها أن ترفع بالمستوى الفكري عند شريحة كبيرة من الناس .
الأديب والشاعر :حسين أحمد سليم
أجرت المقابلة : الأستاذة عطاف الخشن
_____________________________________
– ضيفنا مثقف عربيّ اللسان ، والفكر والوجدان، مزدوج البيان قولا، وما يسطره بالبنان ، متمكّنٌ من لغته، ممسكٌ بناصيتها، ومتمرّس بآلة نثرها وصناعة شعرها.
– قارئ جيد ومتمثل للشعر وللنثر العربي قديمهما وحديثهما، ذو نظر ثاقب في إشاراته إلى مواطن الجمال والقوة في أي نص نثري أو شعري .
_ باحث في تاريخ الأنساب ، قاصّ وموثق ، رسّام ، وباحث في تاريخ الخطوط العربية ، مبتكر الخط الهندسي الإسلامي ، صحفي وسفير سلام نوايا حسنة ، فخري .
من ألقابه : النسر العربي المحلق ، العرّاب ، فيلسوف الحب وحكيم العشق .
هو حسين أحمد سليم من سكان قرية النبي رشادي البقاعية (قضاء بعلبك ) ، يعمل مهندسا مسّاحا ، محلّفا ونقابيا ، منتسب لإتحاد الكتّاب اللبنانيين
بداية ، نرحب بك أستاذ حسين في قناتنا timetv ، حللت أهلا ووطئت سهلا .
١_ حضرتك ناثر ، شاعر ، باحث ، قاص ، موثق ، رسام ، فني ، هندسي ، تخطيطي وتشكيلي ، والكثير من الإختصاصات اللافتة ، كيف استطعت أن تكون شخصا واحدا لمجالات متعددة تحتاج جهدا كبيرا كي ينجح الإنسان بها ويحلق ؟
جواب :
منذ البدء، وعيت ذاتي بتربية أبويّ، فغدوت أنظر برؤى الأمل المرتجى، من جوهر باطنيّ، أتطلّع إلى حركة فعل الحياة العقليّة, أتفكّر في ارتقائها المحرور و المتعب قمم الحقيقة السّاطعة, أتفاعل مع مسيرتها الصّعبة إلى الخلاص اليقيني. و غدوت ألجّ عالم الأفكار, يتبدّى لي في أوان تبصّر و رؤى أخرى, تحرّضني قناعتي أنّ نتاج الرّوح الإنساني لا يتوقّف أبدا, و أنّه في المرء العاقل في تعاليه المتواصل يسلك طريق التّنامي المستدام و التّطوّر المنفتح, و هو تطوّر يتنكّب لمبدأ التّجانس و التّشابه بين الفرد و سائر أفراد المجتمع من الوجهة النّفسيّة, على مبدأ التّنوّع و التّغاير الذي يرجع إليه, وحده , دفع الحياة الرّوحيّة في طريق التّحقق و النّموّ المتواصل… فمنذ البدء كانت حركة فعل دأبي المتواصل لكسب المعرفة في كلّ ما أتوق إليه، فكانت جرأتي الوقوف وجها من أوجه عبادتي لنّفسي التي خلقها المبدع, و الواقع أنّني أردت, منذ طفولتي أن أكون فريد عصري مميّزا بما أخدم به الأنسنة, فأحببت, عن عمد, صورتي الإبداعيّة و الإبتكاريّة في مرآة سعة وعيي المعرفيّ و الثّقافيّ و الفنّي و الهندسي, كما يحبّها من يتراءى في مبدع أفكاره و آثاره. لذلك جاءت محبّتي لنفسي من خلال قدراتي الفكريّة و الفنّيّة و الأدبيّة التي وهبني الله تعالى، عبادة لله خالصة، وخدمة للإنسانيّة…
٢_ أطلق عليك لقب النسر العربي المحلق ، والعرّاب ، فيلسوف الحب وحكيم العشق ، عميد الرواد ، فنان تشكيلي عالمي ، وألقاب أخرى تستحقها ، هل ترى نفسك أنك أهل لكل هذه الألقاب وقدمت إنجازات عظيمة جعلت منك رجلا مختلفا عما سبقك أو سيأتي بعدك ؟ وأي لقب ترى نفسك فيه أكثر من غيره ؟
جواب :
أنا في ظمئي إلى المطلق, و في تطلّعاتي إلى الكمال, لم أجد بدّا من أن أقف في مواجهة مع القدر. و جميع ما حصدت من ألقاب لم تكن سوى حوافز لي للتّرقّي صعدا في الإبحار الآخر لتطوير قدراتي و مواهبي عمليا… لأنّني أعي تماما حالة عدم التّكافؤ بين تطلّعاتي العملاقة و قدراتي المحدودة على تحقيقها. و يتدخّل القدر ليفصل بين القناع و الوجه فصل الأمنية العريضة عن الفعل القاصر… و إنّ لهفتي على سبر جوهر الحقيقة, و غيرتي على انتصار القيم الرّوحيّة التي تتفتّق و تنبثق من جوهر المعرفة و الثّقافة و الفنون, و دفاعي عن كرامة الإنسان سببا في إحساسي العميق بقيمة الحياة و جداء البذل و العطاء و المساهمة في حركة فعل تطويرها و تنميتها المستدامة، دون الوقوف عند الألقاب مهما كانت، و التي حصدتها تتويجا لإبداعاتي و إبتكاراتي و مساهماتي في مجالات إنسانيّة عديدة… و حتّى اللحظة ما زلت في بداياتي، و لم أعطِ الحياة ما أتوق له رغم كلّ إنجازاتي الفكريّة و الأدبيّة و الفلسفيّة و الفنّيّة و الهندسيّة، المنشورة للعموم في غالبيّة الوسائل الإعلاميّة و التّواصليّة… و أحبّ الألقاب لي: إسمي كما هو: حسين أحمد سليم…
٣_ كنت تعطي دروسا في فنون النقطة الإشراقية في متحف في بعلبك ما المقصود بفن النقطة الاشراقية ؟ من أين جئت بهذا الفن وخاصة أن شبابنا قليلا ما يسمعون به ؟ وهل من مهتمين لهذا الفن ؟ أين تكمن مواطن الضعف أو القوة فيه ؟
جواب :
النّقطة الإشراقيّة… نقطة لقاء الحبّ بالحبّ, و العشق بالعشق، ففي البدء، نقطة, النّقطة الإشراقيّة، جاءت من اللقاء, من رحم اللقاء، ساكنة، صامتة, هادئة، تعمّ المدى، أبديّة الصّدى… الأرض في البعد الكونيّ، نقطة إشراقيّة، تتناغم بالصّمت، تترنّم بالسّكينة، صوتها الكارز بالحبّ و العشق، يملأ صدري مودّة، ينعش قلبي رحمة، يملأ راحتيّ إطمئنانًا، يغشى عينيّ كحلاً، أريجا فوّاحا ينتشر في كلّ مكان، ينساب متهاديا, من وراء الزّمن… الورود في وطني و الأزهار، تزهر بالعطر, و شذي الطّيب، على أكمامها, تشرق بالطّلّ مع كلّ صباح، تتألّق فوق وريقاتها حبّات النّدى، تسكر، تثمل من فوح العبير، يتشذّى الرّيحان و الغار و ضوع الطّيب، و العرعر و الشّربين و السّرو و الأرز، وطني الكبير, يتماهى بالحبّ و العشق، من حدود الماء إلى حدود الماء، عند مجمع البحرين يُنشد اللقاء، خضر آخر و موسى آخر و نقطة إشراقيّة أخرى… لغة الضّاد، بوح لساني, منذ البدء، موطن الأرز مولدي و حجر الحبلى، هويّتي عروبتي في فلسفة النّقطة الإشراقيّة… اللقاء الكبير كان هناك، لقاء العشق بالعشق و الحبّ بالحبّ، و الأريج الأطيب في ربى وطني، فما حججت مكّة، قهرا زمنيّا، لم يحالفني الحظّ، أيمنعني قسرا هذا الفناء؟!… في هذه الأرض، لا و ألف لا ، تأتيني مكّة العشق, نقطة إشراقيّة بحكم الحبّ، تحجّ في قلبي, و تطوف بي و تشوط، و يكتب الوجود, اللقاء الكبير، في تاريخ الخلد… لقاء الحبّ, روحيّ اللقاء، عروج آخر بين العشق والعشق، بأحرف من نور, تنسج الشّمس، لوحة اللقاء و مشهديّة أخرى، و نجمة الصّبح, تشكّل الحبّ، نقطة إشراقيّة في لقاءات الطّيب… و طواف الحبّ حول الحبّ، البيت العتيق ببكّة, بيت الحبّ لله، و بين الصّفا و المروة, تطيب في عشق الله.
الأشواط بالعشق و الحبّ… نقطة إشراقيّة لقاءات الحبّ, تتجاوز الآماد، في عمق الآمداء, جسدي الرّميم، يفترّ بالحبّ, يرود عشقا, ردهات الدّهور، يعبر مسافات الغبراء, يتواصل بالنّقطة الإشراقيّة، يولد مجدّدا, نقطة عشق من رحم النّقطة الإشراقيّة… النّقطة الإشراقيّة, تتماهى قدرا في عبادة الله… فلقاء النّقطة الإشرباقيّة بالنّقطة الإشراقيّة، ولادة نقطة أخرى, تحت الشّمس، فطرة الخلق, ولدت ساجدة، تعظّم الله, راكعة, تكبّر الله، منتصبة, تبتهل للحقّ, تطمئنّ في راحتها، حامدة… تلقي السّلام على السّلام، في أذن الحياة, تهمس, تكرز مهلّلة، تراتيل الحبّ و العشق… لقاؤنا الإشراقيّ, زنبقة بيضاء، تتفتق بالنّصع, تشتعل نقاء، على جبين الكون، يغمرنا الحبّ، في قلب الحياة, نغمر الكون بالعشق، نسائم الرّبيع تلفّنا, و أزاهير المروج، في رحاب وطني, يكسونا الضّوء، نقطة إشراقيّة، و نشرق بنور الله في وطننا، في وطن الحبّ و العشق… شمسك ربّي, بالحبّ الشّفيف، في بلاد العشق, تدثّر مشارف القمم، تراب الطّهر في وطني العتيد، يتبارك رحمة و مودّة في أرضي الممتدّة، بذور الحبّ تنثر و تزرع في التّراب، حبوب العشق, تهتز الأرض لطيفة، ينفلق التّراب هادئا، تولد السّواسن, و تنمو الرّياحين، أرض الله, بالطّيب تعبق، و سحر النّشوة, تنشر في الأرجاء، و يطيب اللقاء, بين الحبّ و العشق، نقطة إشراقيّة بأرض وطني، أرض الله… فالنّقطة الإشراقيّة, نفحة الخلق، كينونة الوجود في البدء، عند الله، قوام الكون, و كلّ الأشياء، من النّقطة الإشراقيّة, فقدرة الله تتجلّى، ترسم آيات الله, تشكّل المعجزات…
سبحانك، جاءت منك نقطة إشراقيّة، كلمة شذيّة, إنبثقت فوّاحة العطر، ولدت كلمة حبّ في لقاء الحبّ بالحبّ، في وطن الحبّ, تعيش الحبّ الشّفيف، سكينة صمت, و هدأة هجعة، في ضجعة المدى, أبديّة الصّدى… النّقطة الإشراقيّة…
من وحي النّقطة الإشراقيّة، كان مرسم و متحف النّقطة الإشراقيّة، في بلدة دوريس جنوب مدينة الشّمس بعلبك، نواة لنشاطات أدبيّة ثقافيّة و فنّيّة، خدمة و مساهمة في حركة فعل التّنمية المستدامة لمجتمعنا…
٤_ إلى أي مرحلة يمكن للأديب أو الشاعر ان يؤثر بمجتمعه؟
جواب :
الهدف في كتاباتنا الأدبيّة و الفكريّة و إبداعاتنا الفنّيّة، على تنوّعها إلى ضرورة الإيمان بوجود قيم جماليّة و فنّيّة ثابتة لا يعتريها تغيّر. بحيث يتّصل الفكر الحاضر بالفكر الماضي اتّصالا وثيقا بفعل الإيمان, و يرتفع الفنّ عن الأحكام النّسبيّة بعد الحدّ من تغيّر قيمه و تحوّل مفاهيمه. هادفين في نتاجنا الفكري إلى تدعيم حضارة الرّوح, و تعزيز الأخلاق, و الرّجوع إلى الوحي في محاولة لإعادة بناء اليقين…
فنتاجاتنا المتعدّد أمشاج من الفكر الماورائي, بروح مرنة منفتحة على كلّ أبناء المجتمع، في محاولة للإيفاء بتطلّعات الإنسان إلى حياة أفضل، إن تجاوب و إن لم يتجاوب…
– كتاباتنا تعبّر عن نظريّتنا التي تربط الأرض بالسّماء ربطا متفائلا, فحركة الحياة متعالية إلى الأخلاق, عندما ترتبط بالمعنى الواسع لها, لتعبّر عن فعل التّناغم القائم فيها بين مظهريّ المادّة و الرّوح, بين المعقول و اللامعقول, و بين اللزوم و المصادفة, و تتعاظم الفائدة عندما نتلمّس الانسجام داخل مختلف فئات المجتمع.
أنا مؤمن بالله عن طريق ما يرد منه إلى الفكر الذي يصنع الحضارة من بوارق و اشراقات. و هذه السّوانح الملهمة هي التي تنقّي الرّوح من شوائب الغضب و تسمو بها إلى العطاء المجدي… و هنا يولد المجتمع الحضاري الواعي اللذي يتآلف و يتأقلم مع الإبداعات الأدبيّة و الثّقافيّة و الفنّيّة…
و نحن نكتب لنغلّب فعل الخير على الشّرّ في نيّات البشر و أفعالهم, و نحرّض الإنسان كيّ ينطلق من موقف متفائل إلى التّغنّي بمنجزات الرّوح الأدبيّة و الفكريّة و الفنّيّة, و السّمو بمعاني الحضارة عن مؤثّرات الغرائز و النّزوات… و بهذا نقوم بتعميق إيمان الإنسان بجمال الحياة و سموّها, على الرّغم من المظالم و الفواجع التي يعانيها في مسيرته…
٥_ ما رايُكَ في ظاهرةِ التسيُّب والفوضى الموجودة على الساحةِ الأدبيّة المحليَّة مؤخرا وظاهرة تكريم كلّ من هبّ ودب ، أي تكريم أشخاص ليست لهم أيَّة علاقة وصلة مع الشعر والأدب والثقافة من قبل بعض المنتديات والمراكز الثقافيَّة المحليّة وبعض النويقدين . وفي الوقت نفسه التعتيم على الشعراء والكتاب الكبار والعمالقة المحليين ، وخاصة الوطنيين والشرفاء منهم ؟
جواب :
أحمل للواقع المرير في البعد رؤيا خاصّة, تسبّب لي الوجع الدّائم, ممّا يجري في الواقع المعاش على الصّعيد الثّقافي… رؤيا ليس فيها مجاملة أو ” بروتوكول ” و لا تطيق المحاججة و لا تحمل المماحكة…. و كثيرا ما تفرض عليّ قهرا ذاتيّا, الانفجار غضبا عاصفا, أو بكاء مريرا, محزنا و موجعا, تهرق معه الدّموع مدرارا… حين أحسّ أنّ الآخر لا يرى ما أراه, و لا يتحسّس ما أحسّ, و لا يتفكّر بما يتناهى إلى تفكيري, حول قضيّة ما ذات طابع عام أو خاصّ من تكريمات وتنويهات و تبوّآت رفيعة المستوى في غير مكانها الصّحيح…
فالوجع اليومي قرين دائم لي, و صديق مخلص في تعامله معي, لا يفارقني أبدا و لو لهنيهة, و لا يترك لي مجالا للارتياح… أقام سكنه الأبديّ في عروقي و جوارحي و أعماقي, التي كانت لا تفارق الذّكر أبدا… و انساب في ثنايا حروفي و كلماتي و خواطري و أفكاري و كتاباتي… و التي كانت تتظاهر أن لا همّ لها إلاّ الغوص فيما يجري من تزوير في حركة فعل التّصنيف و منح البعض ما لا يستحقّون و تتويجهم فضاحلة الأدب و جهابذة الشّعر و روّاد الفنّ, من أبواب مختلفة و متعدّدة في الإنتهازيّة و الوصوليّة و تمسيح الأردان التي لا تستحق… فوجدانيّاتي و نصوصي النّثريّة و الشّعريّة و أعمالي الفنّيّة فرضت عليّ سلوكا صارما لا يقبل الجدل, و نظاما قاسيا لا نقاش حوله… و غدوت لا أمنح المكانة المميّزة لمن يتسلّقون بإسم الأدب و الشّعر و الفنّ و هم منه براء…
أتوجّع كثيرا أمام الاتّساخ الأخلاقي الممتدّ في كلّ حدب و ناحية, الذي يملأ الحياة من حولي صخبا و ضوضاء… و أتألّم أكثر أمام الانحطاط المريع, الذي شمل كلّ العناصر الأدبيّة و أصاب كلّ الحركة الثّقافيّة و الفنّيّة, و الذي نجم عنه تلوّث, لا دواء له, في عناصر اللقاح و تكوين النّطفة الفكريّة, و حتّى في الأرحام الثقافيّة ؟! حيث يولد الجنين الثقافي موبوءا… أمام هذه الظّواهر العصريّة الغريبة, الموسومة باسم الحضارة و العولمة و الثقافة, فإنّني أصرّ على نظافة من نوع آخر و غير مألوفة, تحت شعار ” خالف تعرف ” , رفض ثوري تاريخي و جغرافي في كلّ مكان و زمان لمثل هذه الظّواهر، التي تركب موجات الحداثة و العصرنة…
فأنا أملك أن أرفض كلّ الرفض, ما يتراكض من أجله بعض الشّعارير من النّاس و يتكالبون على نيل التّنويهات فعل زور و بهتان , لأنّه لا يساوي عندي ما يتكالبون عليه جناح بعوّضة أو ما دون… و لا أقولها بقوّة الأمس و جرأة اليوم لتعريف الغد, في عصر الخنوع و المذلّة و الانحطاط و الانبطاح و الانسطاح و النّفاق و الدّجل و الاحتيال وتقمّص الوجوه الثّعلبيّة… فأنا لا أطالب الحياة بأكثر من عدالة طاهرة, في حركة فعل التّقييم و التّنويه و التّكريم لحركة الأدب و الشّعر و الفنّ…
٦__ هل النشاط الثقافي تحت ألسنة الحروب سيترك بصمة تاريخية أدبية خاصة, وهل تعتقد أن المثقف العربي أخذ دوره الضروري في ارتقاء المجتمع؟
جواب :
واقع الأمر في زمن الحروب, أنظر في عناصره وجزيئاته المريرة، التي تنعكس سلبا على حركة الأدب و الشّعر و الفنّ… حيث لا تفرّق الحرب في اختلاف الشّكل, وان تتبدّل الأوشحة وفق محصّلة النّتائج الزّمنيّة للحروب, من كور مضى إلى دور أتى, أو قد يأتي مستقبلا قدريّا, يرسم الكينونة بألوان الإبداع الآخر وفق تقمّصات قدريّة، تتوالد منها حركة فكريّة أدبيّة فنّيّة ثوريّة، مواكبة للمحصّلة النّاتجة عن فعل الحرب أو الثّورة الشّعبيّة أو الحراك بمختلف أشكاله…
تولد مع سوء الواقع مرحلة جديدة و أخرى من النّشاط الفكري و الأدبي و الشّعري و الفنّي, كينونة التّجسيد الحالي للمعطيات, في دور مستحدث و آخر حاضر… فالمنحة الذهبية المعطاة في زمن الحرب, فرصة أخرى وهبة العدالة المطلقة… دينونة الماضي في الحاضر, ترسم لوحة الزّمن القادم من خلال رؤى الأدباء و الشّعراء و الفنّانين, وخوض المعظمة الدّنيويّة الكبرى, تكرار لصراع الخير و الشّر, منذ عهد قايين و هابيل… و الصّمود في زمن الحروب وقفة انعطاف على الدّرب الممتدّ, حيث تتشكّل الصّورة الثّقافيّة على أسس المعطيات المستحدثة, ساحرة أو خلافها, و التّصنيف العادل على قاعدة الأعمال و الإبداعات…
ففعل التّجارب اليوميّة القاسية المتلاحقة في زمن الحروب, و انعكاسات العذابات الكثيفة في الامتحان الممعن في الصّعوبة على المبدعين, علامات التّطهّر من الآثام, و ما علق بالنّفس من إمارات السّوء جرّاء الحروب, و تخفيف من ثقل الأوزار تسهيلا في الجواز على الصّراط الإبداعي… حيث الخلاص هداية الزّمن, و عاشق الحقيقة, باحث في غياهب الأسرار, مستكشف في درب ذات الشّوكة, و الارتقاء هدف نهائي, لا ينشده إلاّ الكبار من المثقّفين, أصحاب النّفوس السّامية و الأبيّة، الذين تصنع إبداعاتهم الظّروف القاهرة في زمن السّوء…
٧_هناك من يطرح أن الحداثة تعني لدى كثير من مروجيها إلغاء ذاكرة الأمة ، وتراثها وثقافتها وأدبها ، ما مدى صحة ذلك في رأيك ؟
جواب:
الحداثة هي الشّيء الجديد، الذي يعطي صورة معاكسة عن الشّيء القديم، و هي حركة الانتقال من حالة قديمة إلى حالة جديدة، تشمل وجود تغيير ما، و هي ترتبط بالتطوّرات الفكريّة التي ظهرت في أوروبّا، و التي اتّسمت بظهور تيّارات أدبيّة و فنّيّة لم تكن معروفة سابقاً…
و الحداثة أو ما بعد الحداثة أو ما يسمّى بالعصرنة، هي حركة فعل تحديث أو تجديد أو تطوير أو تنمية و تعديل ما هو قديم… و هذا المصطلح هو عصري يتراءى بأوجهه المختلفة في مجالات عديدة و متنوّعة و منها: المجال الثّقافي و الفنّي و الفكري و التّاريخي و الإجتماعي… ليدلّ على مرحلةّ التّطوّر الزّمنيّة، التي طبعت العالم في حقبة مرحلة العصور الحديثة…
فالحداثة من حيث الشّكل هي واقع الحال الغالب في عالم اليوم، و الذي شهد خلال القرنين الماضيين كمّا كثيفا من الاكتشافات و الاختراعات يفوق بأضعاف مضاعفة ما حقّقته الإنسانيّة على مدى ألوف السّنين السّابقة، و علينا أن نستفيد من هذه الإختراعات و توظيفها بشكل مدروس لخدمة ثقافتنا و حضارتنا…
و هكذا فالحداثة عملت على تغذية الحياة بإكتشافات علمية ممتعدّدة، تتعلّق بالتّكنولوجيا و الفضائيّات و الثّورة الصّناعيّة و الثّورة الرّقميّة و المعرفة بشتّى العلوم، و غيرها… و هذه الحداثة تجعل القديم و الجديد أمام بعضهما البعض، مبيّنة الفروقات فيما أنتج و خلق البشر لخدمة الإنسانيّة ما بين الماضي و الحاضر للمستقبل… ممّا يدفع بحركة الحياة بشكل أسرع، و يبلور الكثير من الأفكار و الاتّجاهات الإجتماعية و السّياسية و حتّى الدّينية، و تخلق حركة الحداثة و ما بعد الحداثة قوى و سلطات جديدة، ممّا يجعل العلاقات بين النّاس معقّدة و بين بعضهم و بين المؤسّسات المختلفة، ممّا يخلق صراعا طبقيا بإتّجاهات مختلفة، و تعمل الحداثة بمفاهيمها الإجتماعيّة السّائدة على عمليّة فصل الملايين من البشر عن تاريخهم و إلتزامهم الرّوحيّ و عاداتهم الموروثة منذ الأزل… و هذا ما لا يتلاءم و ثقافة حضارتنا التي نعمل على المحافظة عليها و على أسسها، مع الإنتباه و الحذر من الإنعكاسات السّلبيّة التي تؤثرّ على حضارتنا…
٨_ كلمة أخيرة تود قولها لجمهورك أولا ، ولقناتنا ثانيا ؟
جواب :
بسم الله الرّحمن الرّحيم و به نستعين “يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير .”(سورة الحجرات 49 الآية 13)
“أدع إلى سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين” صدق الله العظيم (سورة النّحل 16 الآية 125(
(إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و إعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا/الإمام علي بن أبي طالب”ع”)
الكلمة البدء, من الفنون الأدبيّة, لها قدسيّتها, و الكاتب حضاريّا فوق مستوى النّاس… فالكلمة تعكس وجهة نظر قائلها, معبّرة عن موقفه، و هي سلاح قويّ لموقف جريء… إنّها الفرق بين النّور و الظّلام و الحقّ و الباطل، الصّورة الحقيقة, مصداقيّتها تعبيرها, فنّيّتها نجاحها… ترود مكمن ذاكرة الإنسان, موطّنة نفسها بمدى قوّة فعاليّتها… و الكلمة المختصرة, و الصّورة المعبّرة. الرّكيزتان لنجاح الموضوع… الصّلة فيما بيننا في شبكة المدوّنات و الصّفحات و المواقع و الصّحف الرّقميّة للتّعارف و التّآلف و التّعاون و تبادل المعلومات و التّكامل في سبيل خدمة الإنسانيّة, بمقتضى التّطابق و رؤى التّناغم و التّكامل و التّحابب, بين المرسل و الرّسول و الرّسالة و المرسل له لتكملة مكارم الأخلاق…
_نتمنّى لكم النّجاح و التّوفيق بمنظوماتكم الإعلاميّة الهادفة صحيفة و محطّة تلفزيونيّة، لخلق الوعي بين أفراد المجتمع، و كذلك بمنشوراتكم المفيدة و التي قرأنا و تابعنا في موقعكم الرّقمي المبارك, ضارعين لله أن يكون له فيها رضى و لنا
ولكم فيها صلاح… آملين دوام التّواصل و التّشاور و التّنسيق للأفضل و الخير العام… واضعين قدراتنا الأدبيّة و الفكريّة
والفنّيّة و الخبراتيّة الصّحفيّة بخدمتكم و خدمة الأمّة، و لكم الثّواب و الأجر بأعمالكم. و تفضّلوا مشكورين بقبول فائق التّقدير و الحبّ و الاحترام . كما أوجه تحية خالصة الى إدارتكم في قناتكم timetv والشكر الوفير موصول الى الكاتبة عطاف الخشن على الجهد الذي تبذله في نشر القيم الثقافية التي من شأنها أن ترفع بالمستوى الفكري عند شريحة كبيرة من الناس .