قطاع التعليم العالي أمانة في أعناقنا ونعوّل على دوره في إنجاز ورشة إعادة الإعمار
التعليم هو تكوين الأفراد وتطوير قُدُراتهم تكويناً شاملاً ومتكاملاً، فرديّاً واجتماعيّاً لتأهيلِ الفرد للمشاركة الفاعلة والإيجابية في خطط التنمية. من هنا تبرُز أهميّة التعليم العالي بكونِه ليسَ مُجرَّد تَكمِلة للمرحلة ما بعد الثانوية، بل هو تَكمِلة للجهود الإنسانية بغرَض الرُّقيِّ بالإنسان وتثقيفه، وتحقيق طموحاته المعرفية، فضلاً عن كونه يسُدُّ حاجات المجتمع من خُبُرات ومهارات مُعيَّنة بغرَض التنمية والتطور.
في الواقع، يخوضُ قطاع التعليم العالي سباقاً مستمراً مع غيره من الميادين من أجل الحصول على التمويل اللازم، وأؤكد لكم أنَّ من بين المشروعات التعليمية الخاصة بهذا الميدان التي سنباشرُ بتطويرها، جامعة بنغازي وجامعة مصراتة وجامعة سيرت، مع ما يتطلبه من تحديث في المباني والتجهيزات والمعدّات، وإضافة أساتذة وكوادر تقنية كفيلة بمجاراة العصر التكنولوجي.
إنَّ ما يُميّز نظام التعليم العالي في معظم بلدان المنطقة، بما فيها بلدنا الحبيب ليبيا، وتيرة النموّ المتصاعدة، موازاةً مع ظاهرة التضخم وارتفاع الأسعار التي تعكس وجوب زيادة رواتب هيئة التدريس من عام إلى آخر، لجعلها تتناسب مع ارتفاع مستوى المعيشة لهم. كذلك سنعمل على توفير المستوى المناسب من الدعم المالي لبحوث هيئة التدريس، بسبب ارتباطها بمحدودية مخصصات البحث العلمي، ما يستدعي من الحكومة ضرورة إضافة مبالغ كبيرة من الأموال إلى ميزانية التعليم العالي لمواجهة جميع أشكال الشُّحّ والنَّقص في التمويل.
أما بالنسبة إلى تزايد عدد الطلبة الذي رصدته بعض الدراسات التي أُجريت حديثاً في ليبيا، فإنه يتبعه بالضرورة زيادة في أعداد المتخرجين، في التخصصات كافة، حيث أنتجت منظومة التعليم العالي عشرات الآلاف من حاملي الشهادات خلال العشرين عاماً الماضية، ما يُعَدّ ثروة علمية وفكرية يجب استثمارها في الاتجاه الصحيح الخاصّ بكل تخصص.
وأوَدّ أن أؤكّد لكم أنَّ اللجان المتخصصة بدراسة ملف التعليم العالي في بلدنا الحبيب ليبيا، انتهت من الخطط الأكاديمية، وستباشر بالخطط العملية الكفيلة بالرُّقيّ بهذا القطاع، وإعادته إلى الترتيب الذي كان عليه قبل اندلاع الأزمات العسكرية والسياسية عندنا، ومن بين الخطوات التي هي حالياً على طاولة الدراسة أمام الحكومة:
– التعليم نصف المجانيّ: حيث تتحمل الدولة نفقات التعليم العالي بنسبة تقارب الـ 50%، والمُتمثلة أساساً بأُجور الأساتذة ورواتبهم، النقل والخدمات من إيواء في الأحياء الجامعية ومِنَح الطلبة.
– ديمقراطية التعليم: إذ ستعملُ الدولة، وخصوصاً وزارة التربية والتعليم، على تمكين كل أفراد الشعب من الالتحاق بسلكِ التعليم مِن دونِ تمييز.
– التركيز على فئة الشباب، وخصوصاً الذين تراوح أعمارهم بين 6-18 عاماً، وهذه الفئة تُشكِّل مدخلات التعليم العالي في السنوات اللاحقة.
– تعزيزُ مفهوم الشهادات الجامعية وقيمتها، والإضاءة على الآفاق المستقبلية لكل متخرِّج، وفي كل تخصص، ما يُحفّز تطلعات الآباء والأبناء على التوجه نحو التعليم الجامعي بِفرعَيه العام والخاص، والحصول على شهادات عُليا لاعتبارات تاريخية وحضارية.
– تأمينُ فرصِ العمل لكلِّ متخرج ضمن تخصصه في الشركات الوطنية أو العربية والأجنبية المشاركة في ورشة إعادة الإعمار الشاملة للقطاعات كافة، نظراً لما لهذه الخطوة من إيجابيات على المتخرجين أنفسهم وعلى وطنهم، خصوصاً لجهة الحدّ من ظاهرة هِجرة الأدمغة والكَفاءات والاستفادة منها في عملية إعادة بناء الوطن ومؤسساته والمواطن على حد سواء.
– إجراء تقييم دوري وسنويّ للوقوف على مستوى الخبرات التي اكتسبها كل متخرج وحامل لشهادتي الماستر والدكتوراه في التخصصات كافة في أثناء عمله (المشار إليه في الفقرة السابقة)، وذلك بإخضاعه لاختبارات عدة أمام لجان كل منها متخصصة في مجال معيَّن، تمهيداً لتشكيل نخبة منهم تكون كفيلة وجاهزة لتنفيذ مهمات تمثيلية أكاديمية وبحثية، منها المشاركة في المؤتمرات والندوات المحلية والعربية والدولية.
وفي الختام، تشكّل مسألة تطوير التعليم العالي وتمويله ضغطاً كبيراً على العديد من البلدان، خصوصاً في بلدان العالم الثالث كليبيا، وعلى الرّغم من أنَّ الجامعات تُعَدّ من المرافق العامة، وتُدار من قبل الدولة، إلا أنّ أيدينا ستكون ممدودة للقطاع الخاص للاستثمار أكثر في هذا القطاع، من طريق تعزيز الشراكة بين القطاعين، العام والخاص.
وأمام الواقع الأليم الذي تتخبّط فيه صروحنا الجامعية حالياً، إلا أنَّ الاستراتيجية التي وضعها فريق العمل لدينا، وبدأنا بتطبيق بنودها، وبالاستماع دورياً إلى آراء المختصين والمهندسين الذين يعملون بكل جِدّ ومسؤولية على إنجاز استراتيجية العمل ومراقبة التطورات مرحلةً مرحلةً، وندعو كل مَعنيّ في الوزارات المعنيّة إلى التمسك بالمراحل الخمس من دورة إدارة مشاريع التعليم العالي وتنفيذها، وهي: البدء والتخطيط والتنفيذ والمراقبة والإنهاء.