استراتيجيةُ حمايةِ البيئةِ ومواجهةِ التصحُّرِ
يُعتَبَرُ التصحُّرُ أحدَ أكبرِ التهديداتِ البيئيةِ إلحاحاً في ليبيا، مع ما يرافقُهُ من مخاطرَ تُنذرُ بفُقدانِ مزيدٍ منَ الأراضي الصالحةِ للزراعةِ، وتهدّدُ الأمنَ الغذائيَّ. وليبيا ليستْ كغيرِها منَ الدولِ، بعيدةً عن مشكلةِ التغيّرِ المُناخيِّ التي باتَتْ تحظى باهتمامٍ عالميٍّ كبيرٍ، إذ بدأَ العالمُ يدقُّ ناقوسَ الخطرِ بسببِ العراقيلِ التي تقفُ دونَ تحقيقِ التنميةِ المستدامةِ وإدارةِ المواردِ الطبيعيةِ في بلادِهِ التي تعاني منَ التغيُّرِ المُناخيِّ وتردّي التربةِ وتلوّثِ الهواءِ والماءِ، ومنَ الإنتاجِ غيرِ المستدامِ للطاقةِ.
ولأنّ الصحراءَ في ليبيا تمثّل 90% من مِساحةِ أراضيها، ومناطقُ البلادِ الساحليةُ والجبليّةُ تعجُّ بالكثافةِ السكانيّةِ، فهي تعاني من خطورةِ انحسارِ المِساحاتِ الطبيعيةِ وضعفِ حمايةِ الأراضي الخضراءِ. فالتغيّرُ المناخيُّ في ليبيا، والزياداتُ المتوقَّعةُ في درجاتِ الحرارةِ، وقلّةُ تساقطِ الأمطارِ، ونَدرةُ المياهِ، وارتفاعُ مستوياتِ سطحِ البحرِ، كلُّها تهدّدُ استدامةَ المياهِ، وهذا يُشكّلُ خطراً على سكانِ المناطقِ الساحليةِ الذين يشغلون 70% من سكانِ البلادِ.
وتحسُّباً منه لخطورةِ التغيُّرِ المُناخيِّ، يسعى الدكتور الصدّيق حفتر إلى “اتخاذِ تدابيرَ استباقيةٍ للحدِّ من هذه العواقبِ، عبرَ تطويرِ وتنفيذِ سياساتٍ واستراتيجياتٍ وطنيةٍ تخفّفُ من آثارِ هذا التغيّرِ، ولا سيّما التصحّرُ، وحمايةِ المراكزِ الحَضَريَّةِ الساحليةِ منَ ارتفاعِ منسوبِ مياهِ البحرِ مع ما يترافقُ ذلكَ من زيادةِ ملوحةِ التربةِ والتأثيرِ في الإنتاجيةِ الزراعيةِ”.
ويحثُّ الدكتور حفتر على “ضرورةِ زيادةِ الوعيِ من مخاطرِ الضغطِ على مواردِ المياهِ ومنَ الجفافِ”. ويرى “أنّه لا بدّ منَ التكيُّفِ مع تغيُّرِ المُناخِ على المستوى الوطنيِّ وتنظيمِ قطاعِ الطاقةِ والحدِّ منَ الانبعاثاتِ الناتجةِ منَ احتراقِ الوقودِ، وتحسينِ الأمنِ المائيِّ من خلالِ المحافظةِ على النهرِ الصناعيِّ الذي يوفّرُ أكثرَ من 60% من احتياجاتِ البلادِ من المياهِ العذبةِ، وصولاً إلى النموِّ المستدامِ وتطويرِ الأُطُرِ القانونيةِ لتحقيقِ ذلك”. ويدعو الجهاتِ المختصّةَ إلى “اعتمادِ الوسائلِ والطرقِ الكفيلةِ بالمحافظةِ على التوازنِ البيئيِّ عند وضعِ المخطَّطاتِ المتعلّقةِ بالتطويرِ العمرانيِّ وإنشاءِ المساكنِ والمصانعِ، وإعدادِ خططٍ مختصّةٍ بالبيئةِ وتطبيقِها بما يضمنُ مواكبةَ التطورِ العلميِّ والتقنيِّ في مجالِ حمايتِها والتعاونِ معَ الجهاتِ الدوليةِ لإزالةِ مسبِّباتِ التلوّثِ”.
بموازاةِ الأهميةِ الاستراتيجيةِ للحفاظِ على البيئةِ والمِساحاتِ الخضراءِ، يشدّد الدكتور الصدّيق حفتر على “مراقبةِ مصادرِ المياهِ وحمايتِها من أيِّ شائبةٍ، ووضعِ شروطٍ صارمةٍ عندَ إعطاءِ أذوناتِ ممارسةِ أيِّ نشاطٍ يحدثُ عنه تلوّثٌ ما، مع ضرورةِ تسجيلِ كلِّ أنواعِ الموادِّ الكيميائيةِ، بما فيها المبيداتُ الزراعيةُ والحيوانيةُ، والحرصِ على منعِ تنفيذِ أيِّ مشروعٍ إلا بعدَ دراسةِ الأثرِ البيئيِّ المتأتي عنه”. أما في ما يتعلقُ بالتربةِ، فلا بدّ من وقايتِها من عواملِ التعريةِ، وفقَ رؤيةِ الدكتور حفتر، و”إقامةِ الأحزمةِ الخضراءِ لمنعِ انجرافِها، واعتمادِ الوسائلِ العلميةِ لعدمِ إجهادِها، والحفاظِ على خصوبتِها وحمايتِها من التوسُّّعِ العمرانيِّ، مع حظرِ استخدامِ الغاباتِ العامةِ كمناطقَ تُرمى فيها المخلّّفاتُ النِّفطيةُ والكيماويةُ والقُمامةُ ومخلَّفاتُ البناءِ وغيرُها”.
وفي خُلاصةِ الرؤيةِ البيئيةِ، يطالبُ الدكتور حفتر بضرورةِ “وضعِ خطةٍ وطنيةٍ شاملةٍ للتعاونِ معَ الكوارثِ البيئيةِ الطارئةِ وتقييمِ الأخطارِ المحتمَلةِ، وتشجيعِ الجمعياتِ الداعمةِ للبيئةِ وتشريعِ القوانينِ التي تحمي البيئةَ والهواءَ من أيِّ مُنشأةٍ صناعيةٍ تنبعثُ منها ملوِّثاتٌ وتُلزمُ أصحابَها بإدخالِ تعديلاتٍ على طريقةِ العملِ في المبنى أو المصنعِ، وحظرِ نقلِ أو إشعالِ أيِّ موادَّ خطرةٍ تنبعثُ منها موادُّ سامةٌ”.