لماذا مرّرت واشنطن القرار الأممي بشأن غزة؟
في ذات اليوم الذي تبنى فيه مجلس الامن الدولي، القرار القاضي بوقف اطلاق النار في غزة، بعد ان إمتنعت امريكا عن التصويت، بادرت الادارة الامريكية، وبشكل لافت، للتأكيد على ان القرار غير ملزم، الامر الذي اثار العديد من علامات الاستفهام، حول الاسباب التي دعت امريكا، الى تمرير القرار، وفي الوقت نفسه اعطت الكيان الاسرائيلي ضوءا اخضر، بمواصلة مجازره في غزة.
بات واضحا ان سماح امريكا بتمرير القرار الذي يحمل الرقم 2728 ، بعد ان عرقلت صدور 3 قرارات منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لا يعني في اي حال من الاحوال ، انتهاء الدعم الأميركي للكيان الإسرائيلي، ولا يمكن وصفه ايضا بانه تحول في السياسة الامريكية، او مؤشر على وجود خلاف بين امريكا والكيان الاسرائيلي، ازاء الابادة التي تجري، امام انظار العالم في غزة، منذ نحو 6 اشهر.
يرى خبراء القانون الدولي، ان اي قرار صادر عن مجلس الامن، ولكي يكون ملزما، يجب أن يصدر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يمنح مجلس الأمن الحق في اتخاذ إجراءات عسكرية وغير عسكرية لمواجهة تهديد السلم والأمن الدوليين. ويجب أن ينص القرار أيضا على أن المجلس “يقرر” مسار العمل، بدلا من مجرد “المطالبة” او “الدعوة” إليه، كباقي القرارات التي صدرت عن مجلس الامن والتي “طالبت” الكيان الاسرائيلي، بوقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، الا ان الكيان تجاهلها بشكل كامل، فالقرار غير الملزم، هو القرار الذي لا تترتب عنه اي عواقب في حال عدم الامتثال به.
هنا قد يسأل سائل، لماذا اذا مررت امريكا القرار، وهي تعلم انه لن يؤثر على ما يجري على الارض، ولن يقيد يد الكيان الاسرائيلي، الذي مازال يرتكب المجاز في غزة، ويهدد باجتياح رفح، رغم مرور يومين على تبني القرار الاممي؟. من الواضح ان امريكا، حاولت من خلال موقفها هذا، ان ترضي عوائل الاسرى الامريكيين، و”الاسرائيليين”، الذين يمارسون ضغطا على ادارة بايدن، وهي ضغوط اظهرت عجز الادارة الامريكية عن تحرير الامريكيين بالقوة العسكرية، حتى بعد التدمير شبه الكامل لقطاع غزة، وقتل اكثر من 32 الف فلسطيني اغلبهم من الاطفال والنساء، والذي جعل الادارة الامريكية، في مرمى الراي العام العالمي، الذي حملها المسؤولية المباشرة في كل ما يجري من فظائع في غزة، على يد قوات الاحتلال الاسرائيلي، المدججة بالسلاح الامريكي.
بالاضافة الى عوائل الاسرى، ظهرت معارضة متزايدة بين قاعدة بايدن الانتخابية، لدعمه الاعمى للحرب الوحشية التي تشنها “اسرائيل” على العُزًل في غزة، بل ان المعارضة امتدت الى قواعد الحزب الديمقراطي نفسه الذي ينتمي اليه بايدن، وهو ما دفع الاخير الى تمرير القرار، الذي يصب في مجملة في صالح الكيان الاسرائيلي، فهو لا ينص على وقف دائم لاطلاق النار بل وقف مؤقت، يستمر حتى نهاية شهر رمضن المبارك، ولا على انسحاب قوات الاحتلال من غزة، ولا على عودة النازحين الى مناطقهم، وكل ما اكد عليه هو الاطلاق الفوري لسراح الاسرى، دون اي شروط ، وهو مطلب اسرائيلي بامتياز، وعندها سيكون بامكان نتنياهو ان يرفع شارة النصر، ويواصل عدوانه على رفح، بعد انتهاء المدة.
نسأل الذين يرون في تمرير امريكا للقرار الاخير، تحولا في السياسة الامريكية ازاء “اسرائيل”، هل وجدوا تغييرا في كمية الاسلحة الامريكية التي تتدفق يوما الى الكيان منذ 6 اشهر والتي بلغت اكثر من اربعين الف طن؟، هل اشترط بايدن على “اسرائيل” اي شروط في مقابل مدها بالاسلحة؟، هل ضغط على الكيان من اجل فتح المعابر وارسال المساعدات الانسانية الى الجياع في غزة؟، هل ضغط على نتنياهو لمنعه من مخطط اجتياح رفح؟، هل مارس ضغوطا على “اسرائيل” لتكف عن ارتكابها المجازر الوحشية ضد الاطفال والنساء والمدنيين، والتي تنقل بالصوت والصورة الى العالم؟، هل عاقبها بقطع تدفق الاموال اليها، ام ضاعف حجم هذه الاموال؟، أم انه مازال يرفض حتى تقارير الامم المتحدة بشان ارتكاب “اسرائيل” الابادة في غزة وتجويع اهلها وتعذيبهم بوسائل فاقت وحشية “داعش”، وينفي كل ذلك، و وقف الى جانب “اسرائيل”، دون دول العالم قاطبة، عندما ادانتها محكمة العدل الدولية، بارتكاب ابادة جماعية في غزة؟.
ان القرار الاخير لا يمكن وصفه الا بفخ بايدن، فهو يساوى بين المحتل الاسرائيلي، وبين وحماس التي تقاوم الاحتلال، وبين قوات الاحتلال المدجج باحدث الاسلحة الامريكية والغربية، وبين مقاومين للمحتل لا يحملون سوى اسلحة خفيفة، بايدن حاول من خلال تمرير هذا القرار ، التعتيم على دوره الرئيسي والمباشر، في الابادة الجماعية التي تُرتكب في غزة، الا انها محاولة يائية بائسة، فبايدن دخل التاريخ من اقذر ابوابه، وسيُطارده العار في حياته ومماته، كمجرم حرب، وقاتل للاطفال والنساء.