نراهنُ على دورِ الثقافةِ السياحيةِ في تحقيقِ أهدافِ الاستراتيجيةِ السياحيةِ الوطنيةِ
تتمتعُ السياحةُ، كنشاطٍ ترفيهيٍّ، بأهميةٍ كبيرةٍ نظراً لتنوُّعِ أدوارِها الثقافيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، وقدِ ارتبطَ مفهومُ السياحةِ بمفهومِ الثقافةِ السياحيةِ إلى حدٍّ كبيرٍ، فمن دونِ امتلاكِ ثقافةٍ سياحيةٍ، لا نجاحَ للسياحةِ، وهي باتَتِ اليومَ حديثَ الساعةِ في أكثرَ من بلدٍ عربيٍّ شقيقٍ.
وتُعَدُّ الثقافةُ السياحيةُ عمليةً متكاملةً، معرفياً ومهاراتياً ووجدانياً، وهي تهتمُّ بالجوانبِ الثقافيةِ والاجتماعيةِ للمجتمعِ، وتقومُ على العديدِ من المبادئِ، أهمُّها: المحافظةُ على البيئةِ والاهتمامُ بها، وتبنّي نظرةٍ مستقبليةٍ من أجلِ ثقافةٍ سياحيةٍ أفضلَ للفردِ، ومشاركةُ الهيئاتِ والمؤسساتِ المعنيةِ بالقطاعِ السياحيِّ في تنفيذِ البرامجِ السياحيةِ، وإشراكُ أفرادِ المجتمعِ والمثقفين في إعدادِ برامجِ تنميةِ الثقافةِ السياحيةِ.
وانطلاقاً من هذهِ الأهميةِ، أطلقْنا الاستراتيجيةَ السياحيةَ الجديدةَ بالتنسيقِ مع وِزارةِ السياحةِ والوزاراتِ المعنيةِ والمديرياتِ ذاتِ الصلةِ، بهدفِ النُّهوضِ بهذا القطاعِ، قائمةً على تبنّي سياساتٍ سياحيةٍ ترمي إلى توفيرِ مقوِّماتِ ممارَستِهِ (مواردُ طبيعيةٌ، آثارٌ، هياكلُ قاعديةٌ…)، باعتبارِها شرطاً ضرورياً لوجودِ قطاعٍ سياحيٍّ جذابٍ. إلا أنَّ تجاربَ العديدِ منَ البُلدانِ أظهرَتْ أنَّ قُدرتَها على استقطابِ عددٍ أكبرَ منَ السُّياحِ لا يتوقفُ فقط على توفيرِ هذه المقوِّماتِ، بل يتعدى الأمرُ إلى توفيرِ مقوِّماتٍ ثقافيةٍ وسلوكاتٍ إيجابيةٍ تُجاهَ السُّياحِ والطبيعةِ.
ومن هنا تتضمَّنُ الاستراتيجيةُ الجديدةُ في أحدِ بنودِها اختبارَ الدولةِ وأجهزتِها أفراداً مُكلَّفين الإشرافَ على شؤونِ السياحةِ في الإداراتِ والمؤسَّساتِ المختصةِ بها، ما يُحتِّمُ اختبارَهم بدقةٍ وبأسلوبٍ علميٍّ، حتى يتصرفوا بسلوكٍ مفيدٍ وايجابيٍّ تُجاه السُّياحِ الوافدين العربِ والأجانبِ، إذ إنّ السُّياحَ يتسارعون في إطلاقِ الأحكامِ العامةِ على ما يرَونهُ وعلى التفاعلِ الذي يجدونهُ مع هؤلاءِ المكلَّفين، لذلك يُعتَبَرُ حُسنُ الاختيارِ عنصراً مهماً في هذه المسألةِ.
ومنَ المؤكَّدِ أنَّ المسؤوليةَ لا تتوقفُ عندَ أدوارِ هؤلاءِ، بل تتعداها لتصلَ إلى دورِ المواطنِ السياحيِّ التكامُليِّ مع أدوارِهِم، والذي يتطلبُ منه وعياً سياحياً ووظيفياً، فيكونُ لديهِ الوعيُ الكاملُ تُجاهَ نفسِهِ وأمتِهِ وبلدِهِ، ودورِهِ المطلوبِ في مجتمعِهِ، ليُحِسَّ بمسؤولياتِهِ الوطنيةِ في الحِرصِ على سُمعَةِ وطنِهِ ورفعِ اسمِهِ، وليس ذلك عندما يتقابلُ مع غريبٍ (السائح) في بلادِهِ فقط، بل حتى عندما يكونُ خارجَها في أيِّ بلدٍ سياحيٍّ في العالمِ، ما يتطلبُ منهُ أن يقدِّمَ صورةً حسنةً عن أبناءِ أمتِهِ ووطنِهِ، سواءٌ بالكلمةِ الطيبةِ، أو المعاملةِ المثاليةِ.
إنَّ الوعيَ السياحيَّ ينبعُ منَ الإنسانِ نفسِهِ، فكلما نالَ قدراً كافياً من هذا الوعيِ وزادَ إدراكُهُ لواجباتِهِ وحقوقِهِ، رفعَ مستواهُ الثقافيَّ والعلميَّ، وزاد من تجاربِهِ وخِبراتِهِ السياحيةِ، أكان مكلَّفاً الإشرافَ على الشؤونِ السياحيةِ، أو مواطناً عادياً. كذلك تقعُ مسؤوليةُ نشرِ هذا الوعيِ بجانبِ الإنسانِ نفسِهِ، على شركاتِ الطيرانِ والمكاتبِ السياحيةِ ووسائلِ الإعلامِ التي أصدرْنا توجيهاتِنا كي تلعبَ دوراً فعالاً في نشرِ مثلِ هذا الوعيِ بين المواطنين.