حمايةُ الحياةِ البريّةِ وزيادةُ المِساحاتِ الخضراءِ
تنصُّ “اتفاقيةُ التنوُّعِ البيولوجيِّ” على دعوةِ كلِّ الأطرافِ إلى إعلانِ مِساحةٍ لا تقلُّ عن 10% من إجماليِّ مِساحةِ أراضي ليبيا كمحمياتٍ طبيعيةٍ. الهدفُ من ذلكَ الحفاظُ على الموائلِ والبيئاتِ الملائمةِ للكائناتِ الحيّةِ النباتيةِ والحيوانيةِ.
لقد لحظَ التقريرُ الوطنيُّ لتنفيذِ الاتفاقيةِ في عامِ 2010، أنَّ نسبةَ المحمياتِ الطبيعيةِ من مجموعِ المِساحةِ الكليةِ لليبيا لم يكنْ يتجاوزُ 0.16%، وهو رقمٌ شديدُ الضآلةِ، ويتطلبُ إعادةَ النظرِ بهذه المُعضِلةِ، وإيجادَ حلٍّ لها على وجهِ السُّرعةِ.
تنتشرُ الحياةُ البرّيةُ في ليبيا على ساحلِ البحرِ الأبيضِ المتوسطِ، وتشمَلُ مناطقَ واسعةً من الصحراءِ الكبرى، ويُعمَلُ على حمايةِ الحياةِ البريةِ من خلالِ التشريعاتِ المناسبةِ التي تحمي الحدائقَ الوطنيةَ والمحمياتِ والأراضيَ الرطبةَ ومناطقَ أخرى.
يعبِّرُ الخبراءُ البيئيون عن قلقِهِم من أنّه لم يبقَ في ليبيا منَ المحمياتِ سوى القليلِ، فلقدْ تعرَّضَتْ “محميةُ الكوف” التي كانتْ أفضلَ المحمياتِ وأكثرَها تنوُّعاً حيويّاً في ليبيا، لأضرارٍ بالغةٍ بسببِ النشاطِ العُمرانيِّ والبشريِّ المتمثِّلِ بإقامةِ المنتجَعاتِ والاستراحاتِ، وعانَتْ محمياتٌ أخرى مثلُ “الهيشة” من أضرارٍ بسببِ الحروبِ والنزاعاتِ، فيما تتعرَّضُ محميّاتٌ أخرى للتلوُّثِ والرَّعيِ الجائرِ وغيرِ ذلكَ منَ الاعتداءاتِ.
وتأخذُ مسألةُ حمايةِ الحياةِ البريّةِ في ليبيا مِساحةً كبرى منَ اهتمامِ الدكتور الصدّيق حفتر، فهو يوليها عنايةً بالغةً، ويرى “ضرورةَ حمايتِها من مختلِفِ أنواعِ التهديداتِ، وخصوصاً الصيدَ الجائرَ والزحفَ العُمرانيَّ والتلوُّثَ ورميَ المخلَّفاتِ وتغييرَ البيئةِ الطبيعيةِ للكائناتِ من خلالِ أنشطةِ الرَّعيِ والزراعةِ والصناعةِ غيرِ المُنظَّمةِ، إضافةً إلى تهريبِ الحيواناتِ النادرةِ واستخدامِ الأسلحةِ والأدواتِ المحظورةِ وغيرِها منَ العواملِ التي تؤثرُ سلباً في التنوُّعِ الحيويِّ”. وهو يرى ضرورةً حتميّةً لـ”اتخاذِ سلسلةٍ منَ القراراتِ لإعلانِ مجموعةٍ منَ المحمياتِ لحمايةِ الحياةِ البريةِ، ومحمياتٍ كأراضٍ رطبةٍ، ومحمياتٍ بحريةٍ وساحليةٍ”، ويؤكدُ الدكتور حفتر أنَّ “التحدِّيَ الحقيقيَّ هو في التطبيقِ العمليِّ لهذهِ القراراتِ وتوفيرِ الحمايةِ للمحمياتِ، القديمةِ والمستحدَثةِ، على حدٍّ سواء”.
سنة 2021 أعلنَتِ اليونسكو محميةَ “الشعافيين” أولَ محميةٍ ليبيةٍ تدخلُ قائمةَ محمياتِ المحيطِ الحيويِّ لليونسكو، وتُعَدُّ تلك المحميةَ التي تبلغُ مِساحتُها 83.060 هكتاراً استثناءً في حالةِ الحِفظِ الجيدةِ التي تميِّزُها، وهي موطنٌ لمجموعةٍ منَ الحيواناتِ المُدرَجةِ في القائمةِ الحمراءِ للأنواعِ المهدَّدَةِ التي يُصدرُها “الاتحادُ الدوليُّ لحفظِ الطبيعةِ”، مثلِ الضِّباعِ المُخَطَّطَةِ والسلاحفِ البريّةِ وطيورِ الحُبارى، إضافةً إلى احتوائها على تنوُّعٍ نباتيٍّ مهمٍّ ونادرٍ.
من وجهةِ نظرِ الدكتور حفتر، أنّه من أجلِ حمايةِ الحياةِ الفطريةِ، لا بدّ “من توافُرِ إدارةٍ متكاملةٍ للمناطقِ المحميَّةِ، وإعادةِ توطينِ الكائناتِ المهدَّدَةِ بالانقراضِ، وتقييمِ البيئاتِ البحريةِ والساحليةِ وإعادةِ تأهيلِ المتضرِّرِ منها وإدارتِها بشكلٍ مستدامٍ، والإسهامِ في نشرِ الوعيِ البيئيِّ وتنظيمِ وتأطيرِ العملِ التطوعيِّ في ما يتعلَّقُ بحمايةِ الحياةِ البريةِ، وتشجيعِ المبادراتِ الهادفةِ إلى تحسينِ البيئةِ وزيادةِ رقعةِ المِساحةِ الخضراءِ”. وهنا يذكّرُ بأهميةِ “التعاونِ مع المؤسساتِ والجمعياتِ الحكوميةِ والأهليةِ في حمايةِ الحياةِ الفطريةِ في ليبيا، والمساهمةِ في إنشاءِ محمياتٍ ومراكزِ تكاثرٍ للأنواعِ المهدَّدةِ بالانقراضِ وإعادةِ توطينِها في بيئتِها الطبيعيةِ”. ويشدّدُ الدكتور حفتر أخيراً على “تحفيزِ التعاونِ معَ المنظماتِ الدوليةِ ذاتِ الاختصاصِ والاستفادةِ من خِبراتِها”.