تطويرُ اليدِ العاملةِ الزراعيّةِ في ليبيا وجذبُ الشبابِ
بحُلولِ عامِ 2050، سيواجهُ العالَمُ، وَفقَ تقديراتِ الخبراءِ، تحدّياً في الأمنِ الغذائيِّ، ما يُحتِّمُ مضاعفةَ إنتاجِهِ منَ الغذاءِ في حدودِ الاستخدامِ المتوازنِ للمواردِ الطبيعيةِ،مع تقليلِ انبعاثاتِهِ.
لعلّ التحديَ الأكبرَ الذي يواجهُ القطاعَ الزراعيَّ في الدولِ العربيةِ، ومنها ليبيا، يكمُنُ في تطويرِ اليدِ العاملةِ في هذا القطاعِ، وكيفيةِ تيسيرِ انتقالِها منَ الأنشطةِ اليدويةِ منخفضةِ المهاراتِ الى مواكَبةِ التكنولوجيا المتطورةِ، بما في ذلك التكنولوجيا الرقميةُ. ويُعتَبَرُ دمجُ التكنولوجيا الحديثةِ والرقمنةِ في عملياتِ الزراعةِ، وممارسةُ التحوّلِ الرقميِّ للانتقالِ بالزراعةِ إلى الفضاءاتِ السيبرانيةِ، والاندماجُ في الحياةِ الرقميةِ الجديدةِ، وفي الوقتِ نفسِهِ التحوّلُ إلى المستوياتِ الخضراءِ في مجالِ الطاقةِ، والإقلاعُ عن هدرِ الغذاءِ، أمراً أساسيّاً للحاقِ بالدولِ التي تأقلَمَتْ مع هذا التحضُّرِ من أجلِ النهوضِ بالقطاعِ الزراعيِّ.
ومواكبةً لهذا التطوّرِ التكنولوجيِّ، يُمكنُ المجالَ الزراعيَّ أن يجذبَ اهتمامَ الشبابِ، الذين هجروا القطاعَ التقليديَّ لعقودٍ طويلةٍ، بحيثُ كانتِ الزراعةُ أكثرَ جاذبيةً لكبارِ السنِّ دونَ غيرِهِم الذين تربطُهُم بالأرضِ علاقةٌ فِطريةٌ. هذا ما يؤكّدُهُ الدكتور الصدّيق حفتر، “فاليومَ ستتغيّرُ المعادلةُ، إذا ما مُنحَ الشبابُ فرصةً للتحوّلِ إلى حلولٍ عاجلةٍ لدعمِ التحدياتِ المحليةِ والعالميةِ في الأمنِ الغذائيِّ والإنتاجِ الزراعيِّ والاستدامةِ في البيئاتِ الهامشيةِ والمساهمةِ في تحقيقِ أهدافِ التنميةِ المستدامةِ”.
تقولُ المنظمةُ الدوليةُ للأغذيةِ والزراعةِ (الفاو) في تقريرٍ لها: “إنَّ الزراعةَ تملِكُ أكبرَ الإمكاناتِ بينَ جميعِ القطاعاتِ للحدِّ من الفَقرِ، إذا أُعيدَ النظرُ بالطُّرُقِ المستَخدَمةِ فيها”. وعليه، تشدِّدُ وجهةُ نظرِ الدكتور حفتر على “بذلِ الجهودِ في تشخيصِ المشكلاتِ والمعوِّقاتِ في القطاعِ الزراعيِّ وتدريبِ اليدِ العاملةِ على تحسينِ ظروفِ الإمدادِ بالمياهِ والاستفادةِ القصوى من مصادرِ المياهِ الطبيعيةِ واستخدامِ أساليبِ التحكُّمِ في تآكلِ التربةِ وطُرُقِ ريٍّ حديثةٍ، إضافةً الى رفعِ المعرفةِ الفنيةِ للمزارعين والمهندسين الزراعيين، وأيضاً للمنتجين وأمناءِ المستودعاتِ ومديري أسواقِ الفواكهِ والخضراواتِ والتجارِ”.
ويشدِّدُ الدكتور حفتر على “استخدامِ برامجِ التوعيةِ والتثقيفِ للمنتجين والمستهلكين، لضبطِ المخلَّفاتِ الغذائيةِ والزراعيةِ وتقليلِها وتحسينِ عمليةِ التنميةِ الريفيةِ، معَ اعتمادِ نهجِ تحسينِ إنتاجيةِ العمالةِ ومنعِ هجرةِ المزارعين”. هنا يمكنُ أن تؤديَ تنميةُ السياحةِ الريفيةِ وإنشاءُ البنيةِ التحتيةِ المناسبةِ وتعزيزُ مناطقِ الجذبِ الريفيةِ إلى زيادةِ الحافزِ على البقاءِ في القريةِ واستخدامِ القُدُراتِ الزراعيةِ وتحسينِ إنتاجيةِ المُدخلاتِ الأخرى”.
ويبدو الاهتمامُ بالتعليمِ الزراعيِّ العالي والدورِ الذي يلعبُهُ في تنميةِ قطاعِ الزراعةِ أمراً أساسيّاً، ويجبُ التعرّفُ إلى الآلياتِ المناسبةِ لتطويرِ التعليمِ الزراعيِّ العالي وتحديثِهِ في ليبيا، وربطِ خرّيجيه بمتطلباتِ التنميةِ وسوقِ العملِ، لأنّ تخريجَ كوادرَ مؤهَّلةٍ من حيثُ كفاءةُ العملِ والمهاراتِ العمليةِ يساعدُ جليّاً في تطويرِ هذا القطاعِ.
هنا يلحظُ الدكتور حفتر “ضرورةَ توفيرِ الأقسامِ الداخليةِ في مؤسَّساتِ التعليمِ الزراعيِّ العالي من أجلِ إتاحةِ الفرصةِ أمامَ أبناءِ الأريافِ للالتحاقِ بهذا النوعِ من التعليمِ، والعملِ على ربطِ مؤسَّساتِ التعليمِ الزراعيِّ العالي بالمحيطِ الخارجيِّ والبيئةِ المحليةِ من أجلِ زيادةِ وعيِ المزارعين والمهتمين بالزراعةِ بأهميةِ هذه المؤسَّساتِ التي ستكونُ مراكزَ إرشادٍ وتجاربَ بحثيةٍ يُستفادُ منها للتدريبِ على العملياتِ الزراعيةِ الحديثةِ وحلِّ المشكلاتِ التي يعاني منها الفلاحون”.