الدكتور الصدّيق يشدّدُ على الدورِ الفاعلِ للقبائلِ في المصالحةِ الوطنيةِ
تُشكِّلُ القبليّةُ موروثاً اجتماعياً يفرضُ نفسَهُ بقوّةٍ في ليبيا، ويؤدي دوراً كبيراً في الحياةِ العامةِ. لذلكَ، إنَّ العديدَ منَ القياداتِ والشخصياتِ التي تتصدَّرُ المشهدَ العامَّ في ليبيا، تُعطي هذا الواقعَ حيِّزاً مهماً، وتضعُ له تصوراً. ومن هذهِ القياداتِ والشخصياتِ الدكتور الصدّيق خليفة حفتر، الذي يرى أنه ليس صعباً عليهِ التوفيقُ بينَ مصالحِ ومتطلباتِ ومفاهيمِ القبائلِ التي يتشكلُ منها المجتمعُ الليبيُّ، وبينَ الدولةِ المدنيةِ والعصريةِ الحديثةِ.
فالدكتور الصدّيق، بصفتِهِ رئيساً للجنةِ المصالحةِ الوطنيةِ الليبيةِ، يرى أنه يُمكنُ أن تؤدي القبائلُ دوراً إيجابياً وبنّاءً في هذه المصالحةِ عبر وسائلَ وسُبُلٍ مختلِفةٍ، وكذلكَ يُمكنُها تعزيزُ الوَحدةِ الوطنيةِ وتمتينُها، من خلالِ الحوارِ والتفاهمِ بينَ القبائلِ، وبينَها وبينَ الآخرين.
والدكتور حفتر هو ابنُ البلدِ، وابنُ إحدى هذه القبائلِ والعشائرِ، ويُجيد فنَّ التعاملِ مع أهلِها في رُبوعِ الباديةِ ومختلِفِ رُبوعِ ليبيا، إن كانَوا القبائلَ العربيةَ أو حتى الأخوةَ في الوطنِ منَ الأمازيغِ وغيرِهم من مختلِفِ الأعراقِ والخلفياتِ.
ويعتبرُ الدكتور الصدّيق أنَّ هناكَ تجارِبَ عدةً في دُولٍ فيها قبائلُ، مبنيةً على النظامِ القبليِّ، وهو أمرٌ جيدٌ ومُحبَّبٌ عندما يكونُ مبنيَّاً على المُحافظةِ على الموروثِ والعاداتِ والتقاليدِ والأعرافِ القبليةِ، ولكنَّ بناءَ الدولةِ يحتاجُ إلى قانونٍ، وهذا القانونُ يحترمُ أولاً حقوقَ الإنسانِ، كما يحترمُ القبيلةَ، وهذا القانونُ هو الأسمى والأقوى انطلاقاً من قوةِ الإنسانِ وقيمتِهِ في المجتمعِ. فنحنُ لا نستطيعُ إغفالَ دورِ القبيلةِ وما قدمَتْهُ من أجلِ الوطنِ من تضحياتٍ، وخصوصاً في محاربةِ الإرهابِ، ونحن قطعْنا مرحلةً من أصعبِ المراحلِ في تاريخِ ليبيا، وأفرادُ القبائلِ حقوقُهُم مصونةٌ بحُكمِ المواطَنةِ، والقبيلةُ منَ النسيجِ الاجتماعيِّ الموجودِ في ليبيا، ولا أعتقدُ أنَّ هناك تعارضاً للتوفيقِ بين البَدوِ والحَضَرِ من خلالِ إرساءِ منطِقِ القانونِ وقواعدِهِ بشكلٍ صحيحٍ، والمحافظةِ على الأصالةِ.
ويقولُ الصدّيق حفتر: “نحن ننتمي إلى إحدى القبائلِ المهمةِ في البلدِ، ونحملُ كلَّ الصفاتِ التي يتمتعُ بها البدويُّ بشكلٍ أصيلٍ، وأُتيحَتْ لنا الفُرصةُ لأن نعيشَ في المدينةِ ونتعلَّمَ، وسافرْتُ خارجَ البلادِ أيضاً لمتابعةِ دراستي، وهذا أعطاني ميزةً للتواصلِ مع مختلِفِ الفئاتِ منَ المجتمعِ الليبيِّ. كذلك فإننا نعرِفُ طبيعةَ كلِّ الفئاتِ في الشرقِ والغربِ، ولدينا مِساحةٌ طيبةٌ لدى الجميعِ، يُمكنُ أن تُساعدَ في الانتقالِ في البلادِ من مرحلةِ الحقدِ والكراهيةِ والقتالِ والعنفِ وانتشارِ السلاحِ خارجَ نطاقِ الدولةِ ومؤسَّساتِها، إلى بناءِ ليبيا السلامِ والدولةِ والقانونِ وحقوقِ الإنسانِ والمساواةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ”.
ويُشدِّدُ الدكتور حفتر على وجوبِ تدخُّلِ القبائلِ ومشاركتِها في عمليةِ المصالحةِ الوطنيةِ، حيثُ يُمكنُها أن تؤديَ دوراً مهمّاً في تحقيقِها، عبرَ إبرازِ الفاعلِ القبَليِّ في رأبِ الصَّدعِ ولَمِّ الشَّتاتِ وجَعلِ العاملِ القبَليِّ ممراً وقناةً مهمةً تدفعُ نحوَ الحوارِ والتفاهمِ باعتبارِهما الوسيلةَ الوحيدةَ لحلِّ النزاعِ.
ويشدّدُ الدكتور الصدّيق على الدورِ البنّاءِ والإيجابيِّ للقبائلِ في العديدِ من المراحلِ الخَطِرةِ التي مرَّتْ بها ليبيا، وكيفَ كانَ لهذا الدورِ فعاليةٌ في مواجهةِ كلِّ الأخطارِ وبشكلٍ سلميٍّ، من خلالِ التفاهمِ بينَ زعماءِ القبائلِ والعشائرِ على تقديمِ مصلحةِ ليبيا على المصالحِ الشخصيةِ والحزبيةِ والخاصةِ.
ويرى الدكتور حفتر أنَّ العاملَ القبليَّ كمُعطىً بنيويٍّ اجتماعيٍّ يُساهمُ في بناءِ السِّلمِ الأهليِّ في ليبيا عبرَ بناءِ منظومةٍ قيَميَّةٍ تعملُ على صَهرِ القبيلةِ وإدماجِها في نسيجِ المجتمعِ الشاملِ.
وللتذكيرِ، فإنَّ الهيئةَ الوطنيةَ لمشايخِ ليبيا وأعيانِها برئاسةِ مفتاح محمد العبيدي، كانَتْ من ضِمنِ المجاميعِ والكياناتِ التي رفعَتْ مُذكِّرةً إلى القائدِ العامِّ للقواتِ المسلحةِ، اللواء خليفة حفتر، طالبَتْ بتكليفِ الدكتور الصدّيق الإشرافَ على الهيئةِ ومتابعةِ عملِها، لكونِهِ مهتماً بالمصالحةِ الوطنيةِ، وهيَ من صميمِ عملِ الهيئةِ.
وتُعتبَرُ هذه الهيئةُ التي شُكِّلَتْ عام 2016 الكيانَ القانونيَّ والشرعيَّ الذي يُمثلُ كُلَّ ما يتعلَّقُ بشؤونِ المشايخِ والأعيانِ في ليبيا، فهي تتكوَّنُ من لجنةٍ تنفيذيةٍ من 120 شيخاً يمثلون أقاليمَ ليبيا الثلاثةَ (برقة وطرابلس وفزان)، ويمثلُ كلَّ إقليمٍ 40 شيخاً.
وكانَ التأكيدُ لدورِ هذهِ الهيئةِ ومهمّاتِها، ولا سيما كلُّ ما يتعلقُ بشؤونِ القبائلِ، من قِبَلِ مجلسِ النوابِ بقرارٍ صدرَ بتاريخِ 11/1/2023، وكذلك من خلالِ الاجتماعاتِ التي مهَّدَتْ للمُلتقى العامِّ الذي عُقِدَ في مدينةِ رأسِ الأنوف في 20/5/2023 والذي حضرَتهُ 5000 شخصيةٍ تُمثِّلُ كلَّ شرائحِ المجتمعِ الليبيِّ، وأصدرَ في نهايتِهِ وثيقةَ الثوابتِ الوطنيةِ التي تضمَّنَتْ تصوُّراً ومُقترَحاً للحلِّ السياسيِّ في ليبيا بإدارةٍ ليبيةٍ تُحقِّقُ الاستقرارَ والتنميةَ والسِّلمَ الاجتماعيَّ.