نراهنُ على دورِ التفاهمِ والاحترامِ بينَ القبائلِ الليبيةِ في إنجاحِ مسارِ التنميةِ المُستدامةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ
تُعَدُّ القبيلةُ مكوِّناً أساسياً وعِرقياً في تركيبةِ المجتمعِ الليبيِّ، نتيجةَ تفاعُلِ القوى الاجتماعيةِ والعواملِ الجغرافيةِ القائمةِ في البلادِ، حيث نجدُها حاضرةً بشدةٍ في الحياةِ السياسيةِ، سواءٌ في المراحلِ الكفاحيةِ ضدّ المُستعمِرِ، أو في عصرِ الملكيةِ، أو حتى في العصرِ الجماهيريِّ. كذلك إنَّ أولَ دُستورٍ للبلادِ، وضعَهُ رؤساءُ القبائلِ في عام 1949، لتؤسَّسَ بمقتضاهُ وعلى أساسِهِ أولُ ملكيةٍ دُستوريةٍ.
وتتميزُ القبائلُ الليبيةُ بتنوُّعِها، وكلٌّ منها تتمتَّعُ بنظامٍ، حيثُ لكلِّ قبيلةٍ شيخٌ له حقوقٌ، وعليهِ واجباتٌ، ولكلِّ قبيلةٍ مجلسٌ تمثلُهُ مجموعةٌ من الرجالِ، بالإضافةِ إلى القوانينِ والأنظمةِ التي تُنظِّمُ الحياةَ داخلَ القبيلةِ، ولكلِّ قبيلةٍ عاداتُها وأعرافُها الخاصةُ.
لقد أثبتَتِ المحطاتُ والتحدياتُ التي مرَّتْ فيها ليبيا أنَّ القبيلةَ أساسُ الاستقرارِ الاجتماعيِّ، حيث إنَّ التنوعَ الموجودَ داخلَ القبيلةِ الواحدةِ هيَّأ القبائلَ الليبيةَ المختلِفةَ بعدَ الاستقلالِ في عام 1951 للقيامِ بدورٍ نوعيٍّ لِحِقَبِ التشييدِ والبناءِ والاستقرارِ، ومشاركتِها في تكوينِ قُرىً ومدنٍ في التجمُّعاتِ الليبيةِ الحديثةِ.
وانطلاقاً من أهميةِ الدورِ القبليِّ والتنوعِ الذي تتميزُ بهِ القبائلُ الليبيةُ، ومحافظتِها على مبدأَي الاحترامِ والتفاهمِ في ما بينها، فإنَّنا نُعوِّلُ على دورِ هذه الميزاتِ في تعزيزِ التنميةِ المُستدامةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ في وطنِنا الحبيبِ ليبيا، مع ما تتضمنُهُ من مبادئِ المواطَنةِ المتساويةِ، بصفتِها أهمَّ مقوِّمٍ من مقوِّماتِ الدولةِ.
إنَّ التفاهمَ والاحترامَ والانفتاحَ القائمَ بينَ القبائلِ الليبيةِ عواملُ من شأنِها المساهِمةُ في تعزيزِ العديدِ من أنواعِ التنميةِ المُستدامةِ، ومن بينِها التنميةُ السياسيةُ، حيثُ يُمكنُها أداءُ دورٍ في بناءِ الدولةِ الديمقراطيةِ وَفقَ منظورِ السياسةِ الشرعيةِ، التي يتسعُ مضمونُها ورحابُها لكلِّ المواطنين، بغضِّ النظرِ عن توجُّهاتِهِم ومُعتقداتِهِم، وتتحقّقُ فيها المُساواةُ والوَحدةُ الوطنيةُ والعدالةُ الاجتماعيةُ والتعدديةُ السياسيةُ والحزبيةُ بهدفِ التداولِ السِّلميِّ للسُّلطةِ.
كذلكَ لا يُمكِنُ الحديثُ عن نجاحِ التنميةِ السياسيةِ المُستدامةِ من دونِ الاعتمادِ على الشفافيةِ والمساءلةِ، وهذا ما يحقِّقُ بالطبعِ العدالةَ الاجتماعيةَ، فوجودُ النزاهةِ والمساءلةِ يفرِضُ على الأغلبيةِ احترامَ الأقليةِ السياسيةِ، من زاويةِ ضمانِ حقِّها في توجيهِ وإظهارِ النقدِ تُجاهَ الأغلبيةِ الحاكمةِ، الأمرُ الذي يضمنُ ويكفلُ مبدأَ التداوُلِ السلميِّ للسُّلطةِ، الذي يُعَدُّ أحدَ المُرتكزاتِ الأساسيةِ للعمليةِ الديمقراطيةِ.
إنَّ الشعبَ الليبيَّ والوطنَ ينتظران من وُجهاءِ القبائلِ وحُكمائِها أن يكونوا مُقرِّبين لوُجهاتِ النَّظَرِ بينَ الأفرِقاءِ السياسيين، ما يعني بصورةٍ أشملَ توافُرَ الإرادةِ السياسيةِ لتحقيقِ التنميةِ المُستدامةِ، حيثُ يُصبحُ نجاحُ الانتقالِ الديمقراطيِّ مرهوناً بعمليةِ التوازُناتِ والتوافُقاتِ، مع ما يتطلَّبُ ذلكَ، وبالضرورةِ، مشاركةَ القبائلِ في وضعِ خُطةٍ عمليةٍ ومتوازنةٍ لإحداثِ تنميةٍ حقيقيةٍ.
وفي الختامِ، لا شكَّ أنَّ الأساسَ في التنميةِ المُستدامةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ هو الإنسانُ، وهنا تبرزُ أهميةُ الدورِ الرابعِ للقبائلِ الليبيةِ، وهو تعزيزُ وعيِ المُواطَنةِ والمُساواةِ والديمقراطيةِ، وتقبُّلُ الرأيِ الآخرِ، مع تكريسِ منهجِ التغييرِ السِّلميِّ، بصفتِهِ الضمانَ لتعايشِها أولاً، ومواكَبتِها مسارَ التنميةِ المستدامةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ ومشاركتِها في إنجاحِهِ ثانياً.