أهميّةُ تطويرِ القطاعِ الصناعيِّ واليدِ العاملةِ في ليبيا

تُعتبَرُ ليبيا واحدةً من أهمِّ الدولِ الواقعةِ في جنوبِ البحرِ المتوسطِ من الناحيةِ الجغرافيةِ، ما يُتيحُ لها فُرصةً جوهريةً للوصولِ إلى تنميةٍ اقتصاديةٍ عصريةٍ ترتكزُ على التصنيعِ. ولكونِ ليبيا غنيّةً بمصادرِ ثرواتٍ طبيعيةٍ تُعتبَرُ منَ المُقوِّماتِ الأساسيةِ لأيِّ تنميةٍ اقتصاديةٍ صناعيةٍ، فإنَّ ذلك يؤهِّلُها لإنتاجِ سلعٍ تنافسيّةٍ تُغطّي السوقَ المحليَّ، وتصديرِ الفائضِ إلى الأسواقِ العالميةِ.

يُعَدُّ تعزيزُ القطاعِ الصِّناعيِّ في ليبيا ضرورةً ملحَّةً للمُساهمةِ في تنويعِ مصادرِ الدخلِ وخَلقِ فُرَصِ عملٍ جديدةٍ وتقليلِ مُعدَّلاتِ البَطالةِ وتحسينِ مستوى المعيشةِ. ويُساهمُ القطاعُ الصِّناعيِّ في تطويرِ المهاراتِ الفنيةِ لدى العمالِ وتحسينِ الكفاءةِ الوطنيةِ، وهو قادرٌ على تعزيزِ الاستقلالِ الاقتصاديِّ وتحقيقِ التنميةِ المُستدامةِ عبرَ تطبيقِ تقنياتِ إنتاجٍ متطورةٍ كتلكَ الصديقةِ للبيئةِ أو الصناعاتِ الخضراءِ.

يتطلبُ تطويرُ القطاعِ الصناعيِّ، وَفقَ رؤيةِ الدكتور الصدّيق حفتر، إجراءَ تقييمٍ جديدٍ لسوقِ العملِ الليبيِّ ومُتطلِّباتِهِ، والاستفادةَ من أصحابِ الخِبراتِ والمؤهِّلاتِ الجامعيةِ، وفهماً عميقاً للمهاراتِ والمعرفةِ التي تحتاجُها الأعمالُ الصناعيةُ لتحقيقِ النجاحِ الصناعيِّ، وهذا يستلزمُ حتماً تحسينَ البِنيةِ التحتيةِ، كشَبَكاتِ المياهِ والكهرُباءِ والإنترنت.

لقد زَخرَتْ ليبيا بالمُنتَجاتِ المحليةِ المتعدِّدةِ منذ مئاتِ السِّنين، كالموادِّ الغذائيةِ والألبسةِ والأحذيةِ والأثاثِ وغيرِها، لكنّ تلكَ الصِّناعاتِ عادَتْ وتراجَعَتْ رغمَ وَفرةِ المواردِ الطبيعيةِ في البلادِ، وعودةُ هذهِ الصِّناعاتِ تحتاجُ إلى سياسةٍ اقتصاديةٍ واضحةٍ مبنيَّةٍ على خُططٍ قويّةٍ واعدةٍ، يكونُ فيها للقِطاعِ الخاصِّ دورٌ مهمٌّ وحيويٌّ، على أن يكونَ للدولةِ وحدَها الحقُّ في توفيرِ مقوِّماتِها، بحيثُ إذا كان هناكَ عجزٌ في تمويلِ المشاريعِ الصغرى والمتوسطةِ، تكونُ الدولةُ الضامنَ لأصحابِ تلكَ المشاريعِ، ولا بدَّ من توفيرِ التمويلِ والدَّعمِ الفنيِّ لهؤلاءِ ومُساعدتِهِم على استيرادِ الموادِّ الخامِ وتوفيرِ الحمايةِ الجمركيةِ لهم، الأمرُ الذي يُساهمُ في عودةِ الصِّناعاتِ المحليةِ ومساعدةِ المُستثمِرِ المحليِّ وخلقِ بيئةٍ جاذبةٍ للاستثمارِ الأجنبيِّ.

ورغمَ توقُّفِ الكثيرِ منَ المصانعِ المحليةِ في ليبيا، لكنْ هناكَ آلافٌ منَ الصِّناعاتِ التي يُمكنُ القيامُ بها. وبحسبِ رؤيةِ الدكتور حفتر “لدى ليبيا ساحلٌ كبيرٌ منَ المُمكِنِ استغلالُهُ في صناعةِ السُّفُنِ، ويُمكِنُ إنشاءُ قطاراتٍ طويلةٍ تُساهمُ في نقلِ البضائعِ من شَمالِ البلادِ إلى جنوبِهِ، مُشجِّعاً على الاستثمارِ في الطاقةِ الشمسيةِ التي تُعتبَرُ من أهمِّ مواردِ البلادِ، وعلى استغلالِ كُلِّ ثرَواتِ البلادِ في القطاعِ الصِّناعيِّ، التي تُعتبَرُ معيارَ تقدُّمِ الدولِ، وهي تُساهمُ في تحقيقِ الاكتفاءِ الذاتيِّ. فهناكَ موادُّ أوليةٌ يُمكنُ استغلالُها في صناعاتٍ محليةٍ، ولا بدَّ من وجودِ تهيئةٍ منَ الحُكومةِ وتخصيصِ مناطقَ صناعيةٍ يُمكنُ أن تُقامَ عليها مدنٌ صناعيةٌ بعيداً عنِ العشوائيةِ. فليبيا تملكُ مِساحاتٍ شاسعةً، والمُناخُ في ليبيا عامِلٌ مُساعدٌ، كذلك إن رخصَ الكهرُباءِ وموادِّ الطاقةِ حافزٌ كبيرٌ على تطويرِ قطاعِ الصِّناعةِ”.

وإذا كانتِ الصناعةُ النِّفطيةُ العمودَ الفِقْريَّ للاقتصادِ الليبيِّ إلى جانبِ صناعةِ الغازِ الطبيعيِّ والصناعاتِ البتروكيمياويةِ وموادِّ البناءِ، إلا أنه إلى جانبِ الاهتمامِ بها معَ الصناعاتِ الأخرى، لا بدّ من تطويرِ اليدِ العاملةِ الصناعيةِ من خلالِ إنشاءِ وتطويرِ برامجَ تعليميةٍ متخصصةٍ في المهاراتِ الصناعيةِ، بالتعاونِ معَ المؤسَّساتِ المحليةِ والدوليةِ ومراكزِ التدريبِ، وتعزيزِ الشَّراكاتِ بينَ القطاعين، العامِّ والخاصِّ، وتحديثِ مناهجِ التعليمِ الفنيِّ والتِّقنيِّ لتتماشى مع مُتطلَّباتِ السوقِ والتطورِ التكنولوجيِّ والرقميِّ الحديثِ. ويرى الدكتور حفتر “أنّ الدعمَ الحكوميَّ ضرورةٌ قصوى لتحفيزِ العمالِ والمستثمرين”، مشدِّداً على “أهميةِ إطلاقِ حمَلاتِ توعيةٍ لحثِّ الشبابِ على الانخراطِ في المجالاتِ الصناعيةِ المناسبةِ لتطلُّعاتهِم ولمتطلَّباتِ السوقِ المحليِّ”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *