الدولةُ والأمةُ توأمان لا ينفصلان وهما الأساسُ المطلوبُ منَ القياداتِ السياسيةِ التي ستُفرزُها الانتخاباتُ
منَ المتعارَفِ عليهِ أنَّ عمليةَ بناءِ الدولةِ تقتصرُ غالباً على بناءِ مؤسَّساتِ الدولةِ وإجراءِ انتخاباتٍ ديمقراطيةٍ تضمنُ التداولَ السلميَّ للسلطةِ، وقد يكونُ هذا ضرورياً، ولكنه يبقى غيرَ كافٍ لنجاحِ عمليةِ بناءِ الدولِ.
إنَّ عمليةَ بناءِ الدولةِ ترتبطُ أساساً بتلكَ العملياتِ السياسيةِ التي يجري من خلالِها تسييرُ العلاقاتِ الاجتماعيةِ/ السياسيةِ، والتفاوضُ على مكامنِ القوةِ والنقاطِ الإيجابيةِ بين أصحابِ السلطةِ في الدولةِ والجماعاتِ المنظمةِ في المجتمعِ (مؤسساتُ المجتمعِ المدنيِّ)، وأودُّ أن أوكدَ للجميعِ في هذا الإطارِ أنَّ الأفرقاءَ المعنيين يعملون على التوصلِ إلى مصالحَ وأهدافٍ مشتركةٍ كفيلةٍ ببناءِ دولةِ القانونِ والمؤسَّساتِ، وهذا من شأنِهِ توفيرُ الأساسِ لتطويرِ قُدُراتِ الدولةِ وشرعيتِها.
ومن بينِ تلك الأسُسِ التي نعملُ عليها مع كلِّ الأفرقاءِ المعنيين، أن تعملَ المؤسَّساتُ الرسميةُ والمديرياتُ المتفرعةُ منها ضمنَ السياقِ الاجتماعيِّ النابعةِ منه، لأن المؤسَّساتِ الرسميةَ تحتاجُ إلى أن تكونَ متجذرةً في المجتمعِ حتى لا تكونَ شكليةً.
ومن هذا المنطلَقِ تصبحُ عمليةُ بناءِ الدولةِ والمؤسَّساتِ مرتكزةً على عقدٍ اجتماعيٍّ بين مختلِفِ القوى الاجتماعيةِ والسياسيةِ الداخليةِ، ومن خلالِ هذا العقدِ يتوقعُ الشعبُ من الدولةِ أن تعملَ على تحقيقِ الأمنِ والعدالةِ وتوفيرِ مجموعةٍ منَ الخِدماتِ العامةِ، وفي مقدّمتِها تحديثُ مناهجِ التعليمِ ومناهجِ الرعايةِ الصحيةِ، وتوفيرُ متطلباتِها العصريةِ كافةً، وتضمَنَ لأبناءِ الشعبِ الليبيِّ الواحدِ الممارسةَ الحرةَ للحقوقِ السياسيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والبيئيةِ… على أن تجريَ هذه العمليةُ في إطارِ دستورٍ تتفقُ عليه مختلِفُ القياداتِ الفاعلةِ، الرسميةِ وغيرِ الرسميةِ، ومن خلالِهِ تُحدَّدُ وظائفُ الدولةِ من جهةٍ، ويعبِّرُ عن طموحاتِ الشعبِ من جهةٍ أخرى.
وتُعَدُّ خطوةُ تنظيمِ انتخاباتٍ رئاسيةٍ وتشريعيةٍ تشاركُ فيها مختلِفُ الاحزابِ والتياراتِ الوطنيةِ من أهمِّ الخطواتِ التي يجري العملُ على تحقيقِها في المستقبلِ القريبِ، فهذه العمليةُ من دونِ شكٍّ هي المخاضُ الفعليِّ لمستقبلِ الديمقراطيةِ والتداولِ السلميِّ للسلطةِ في بلدِنا العزيزِ ليبيا، ومن دونِ نجاحِ هذه العمليةِ لا يمكنُ الوصولُ إلى بناءِ الدولةِ الوطنيةِ.
ونحن نأملُ من النُّخبِ الجديدةِ التي ستصلُ إلى سدة الرئاسةِ (في الرئاساتِ الثلاثِ) وفقاً للانتخاباتِ المتوقَّعِ إجراؤها قريباً أن تعملَ بجِدٍّ وصدقٍ والتزامٍ واضحٍ، على تثبيتِ دعائمِ الديمقراطيةِ والحريةِ وحقوقِ الإنسانِ والحُكمِ الراشدِ، وسنكونُ في مقدمةِ الداعمين لها على تحقيقِ ذلك، ونحن نرى أنَّ بناءَ دولةِ الحقِّ والقانونِ والمؤسَّساتِ، يستوجبُ من كلِّ الأطرافِ الفاعلةِ، سواءٌ كانت محليةً أو دوليةً، أن ترسمَ ملامحَ بارزةً لكيانِ الدولةِ، وتؤسِّسُ للمسارِ الديمقراطيِّ إلى جانبِ نزعِ السلاحِ، ودمجِ المجموعاتِ المسلحةِ في المجتمعِ المدنيِّ والمؤسَّسةِ العسكريةِ.
وعلينا دائماً ألّا ننسى النموذجَ الفريدَ من نوعِهِ من حيثُ التنوعُ الهُويّاتيِّ الذي يتميزُ به المجتمعُ الليبيُّ، وهذا ما يُظهرُ مجدداً أهميةَ بناءِ الأمةِ، أي جعلِ مختلِفِ مكوِّناتِ المجتمعِ تنصهرُ فعلاً في مجتمعٍ واحدٍ، وتصبحُ تدينُ بولائها للدولةِ قبلَ ولائها لهُويَّاتِها الوطنيةِ أو فوق الوطنيةِ، حينها فقط يمكنُ أن نقولَ بأنَّ عمليةَ بناءِ الدولةِ قد نجحَتْ فعلاً.