آفاق واعدة لترسيخ علاقات إستراتيجية بين الجزائر و إيران
سمير باكير – تُبشّر العلاقات المتنامية بين الجزائر وإيران؛ خصوصاً في ضوء المصالح المشتركة في المنطقة وآفاق التعاون الماثلة في الآونة الأخيرة بينهما، وعلى وقع العلاقات الثقافية والدينية والاجتماعية والتاريخية المتجذّرة بينهما، بفتح آفاق واعدة لعلاقات راسخة واستراتيجية بين البلدين.
تأسست أول حكومة مستقلة في تاريخ الجزائر بقيادة شخص من أصل إيراني هو عبد الرحمن بن رستم، وقد استمرت العلاقات بين البلدين دائما بطريقة جيدة، على الرغم من عدة سنوات من الجمود عقب أحداث العقد الأسود، ولم يأل البلدان جهدا لتعزيز هذه العلاقة من خلال الإستثمار في وجهات النظر المشتركة في مختلف القضايا مثل القضية الفلسطينية، وقضية الصحراء الغربية، والقضية السورية، ومكافحة الإرهاب، والعمل على توسيعها لتشمل الجوانب الاقتصادية والثقافية أيضا.
لابد أن نشير الى أن مسار العلاقات بين البلدين، خاصة بعد انتعاشه في بداية القرن الحالي، كان يسير بخُطى بطيئة، ولم يتمكن الجانبان من استخدام قدرة كل منهما على تحسين العلاقات الثنائية.
إن التحديات المحيطة بدول ليبيا ومالي والنيجر وتدخلات القوى الأجنبية، أرغمت الجزائر على انتهاج سياسة نشطة من أجل حماية مصالحها الوطنية في هذه المناطق الساخنة. وأفضى ذلك أيضا عن إقدام هذه الدولة على تطوير تعاون فعال مع العديد من القوى الإقليمية والدولية المتحالفة في هذا المجال. وخير دليل على ذلك التعاون الفعال مع كل من تركيا وإيطاليا في دعم الحكومة الشرعية في ليبيا وتعزيز المصالحة بين الجماعات السياسية في هذا البلد.
وايران باعتبارها إحدى الدول المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، تمتلك إمكانات وقدرات فعلية مهمة للتأثير على الوضع في البيئة المحيطة بالجزائر، خاصة في منطقة الساحل والصحراء، وتعد زيارة وزيري خارجية بوركينا فاسو والنيجر إلى طهران في سبتمبر وأكتوبر 2023 واجتماع وزيري خارجية إيران ومالي في غامبيا في 2 مايو 2024، من المؤشرات على رغبة طهران في التواجد في هذه المنطقة.
فلا يختلف عاقلان أن التعاون السياسي والأمني بين إيران والجزائر في هذه المنطقة سيُفضي إلى تعزيز التآزر بين البلدين، كما يمكنه لهذا التعاون أن يضع المصالح الوطنية للجزائر وخطوطها الحمراء في حسابات إيران.
في المقابل، وضع التطبيع بين المغرب والكيان الصهيوني وما يتركه من تداعيات، بما في ذلك اعتراف امريكا بالسيادة غير الشرعية للمغرب على منطقة “الصحراء الغربية” والتعاون الأمني المتزايد بين الرباط وتل أبيب، الأمن القومي الجزائري أمام تحديات جمّة. كما أن وقوف بعض الدول العربية الى جانب المغرب، ودعم إجراءات هذه الدولة، جعل الجزائر تشهد فعليا سلوكا غير ودي من بعض الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات، وتجلّى ذلك بشكل واضح في قضايا من قبيل قضية الصحراء الغربية وليبيا. ووصلت هذه التدخلات إلى حد دفع العديد من المسؤولين والمؤسسات في البلاد، بما في ذلك الرئيس تبون والمجلس الأعلى للأمن الوطني، الى توجيه تحذيرات مُبطّنة جدية لأبو ظبي.
في الأثناء، يُشير النهوض بمستوى العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذا الوضع الى أن الجزائر تمتلك أوراق لعب عديدة لموازنة الوضع الماثل، والردّ أيضا على منافسيها في الإقليميين. كما أظهر اللقاء بين رئيسي الجزائر والإمارات على هامش قمة مجموعة السبع أن الإمارات تلقت رسائل قوية من الجزائر بعدم التدخل في أمنها القومي. كما أن هذا اللقاء قد يكون محاولة من أبوظبي لوقف عملية التقارب بين طهران والجزائر بعد زيارة رئيس هذه الدولة الراحل للجزائر. وعلى الرغم من موقف إيران المحايد من قضية الصحراء الغربية، إلا أنها طوال تاريخها، وخاصة مع بداية الثورة الإسلامية عام 1979، دعمت المطالب المشروعة لشعب الصحراء في تحديد مصيره؛ ولذلك فمن المتوقع أن يكون موقف طهران في هذه الحالة أقرب إلى موقف الجزائر. ويمكن أن يكون هذا الأمر أرضية خصبة لتعزيز التعاون في مختلف المجالات استنادا إلى قرارات مجلس الأمن في منطقة الصحراء. ويمكن أن يكون هذا التعاون في الأوساط الدولية وحتى في مجال تمكين سكان الصحراء وتحسين الظروف المعيشية لهم.
علاوة على قضية الصحراء، فإن المواقف المتقاربة بين إيران والجزائر في قضايا من قبيل القضية الفلسطينية والمجازر الجماعية التي تُرتكب في غزة، ودعم الحفاظ على وحدة أراضي البلدين، ومكافحة الإرهاب والتطرف، تفتح آفاقاً واعدة لتعزيز العلاقات بينهما بعيدا عن الولوج في سياسة المحاور الإقليمية.
تُعدّ إيران من الدول التي خطت خطوات كبيرة في مجال الاكتفاء الذاتي في مجال المنتجات الدفاعية، وبحسب الأخبار المنشورة في وسائل الإعلام الغربية فإن الأسلحة الإيرانية لعبت دوراً مهماً جداً في المعارك الكبرى في المنطقة والعالم، لا سيما في الحرب الأوكرانية.
عطفاً على ماسلف، قد يشكّل تعزيز التعاون العسكري بين إيران والجزائر، خاصة في مجا