“امريكا واستراتيجيتها في دعم أوكرانيا: بين التسديد على روسيا والحفاظ على النفوذ العالمي”
سمير السعد- منذ بداية النزاع بين أوكرانيا وروسيا، اتخذت الولايات المتحدة موقفًا حازمًا في دعم كييف ضد ما تعتبره عدوانًا روسيًا غير مبرر. لكن هذا الدعم يتجاوز البعد الإنساني أو السياسي المعتاد، ليدخل في إطار استراتيجي أوسع تسعى واشنطن من خلاله إلى تحقيق أهداف أعمق على الساحة الدولية.
في العقود الماضية، حاولت الولايات المتحدة الحفاظ على نفوذها العالمي في وجه التحديات المتزايدة من قوى أخرى مثل الصين وروسيا. التدخل في الصراع الأوكراني يعد فرصة لتعزيز هذا النفوذ عبر إظهار قدرتها على التصدي لأي تحرك قد يؤدي إلى تقويض النظام الدولي الذي ترعاه واشنطن منذ نهاية الحرب الباردة.
من خلال تسليح أوكرانيا وتقديم الدعم العسكري والاقتصادي لها، تسعى الولايات المتحدة إلى إرسال رسالة واضحة إلى موسكو: أن أي محاولات لتغيير الحدود بالقوة ستواجه بعقوبات اقتصادية وعسكرية قاسية. هذا الموقف يعتبر جزءًا من سياسة الردع الأوسع التي تهدف إلى منع روسيا من التمدد في أوروبا الشرقية.
إن التزام الأمريكي بأمن أوكرانيا يعكس أيضًا التزامه بأمن حلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو). دعم أوكرانيا يمثل رسالة طمأنة لحلفاء الناتو الشرقيين بأن واشنطن مستعدة للدفاع عنهم ضد أي تهديد روسي محتمل.
الدور الأمريكي في أوكرانيا ليس فقط لحماية المصالح الخارجية، بل له أبعاد داخلية أيضًا. الحكومة الأمريكية تسعى لإظهار قوتها على الساحة الدولية كوسيلة لتعزيز صورتها أمام الرأي العام الأمريكي، خصوصًا في ظل الاستقطاب السياسي الحاد داخل البلاد.
رغم الدعم الكبير الذي تقدمه امريكا لأوكرانيا، إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجه واشنطن. التصعيد المستمر قد يؤدي إلى استنزاف الموارد المالية والبشرية، مما يثير تساؤلات حول مدى استدامة هذا الدعم على المدى الطويل، خاصة في ظل التوترات المتزايدة مع الصين وقضايا أخرى تتعلق بالاقتصاد العالمي.
إن متابعة الخطوات التي تتخذها امريكا في الصراع الأوكراني تكشف عن عدة استراتيجيات مترابطة تُنفذ بدقة، مما يعكس استغلالًا ممنهجًا للموقف لتحقيق أهداف بعيدة المدى:
يمكن اعتبار الدعم الأمريكي لأوكرانيا جزءًا من “حرب بالوكالة” ضد روسيا. بتسليح وتدريب القوات الأوكرانية، تساهم واشنطن في استنزاف القدرات الروسية دون التورط المباشر في الصراع. هذا النهج يُقلل من مخاطر المواجهة المباشرة بين القوى النووية الكبرى، بينما يُضعف موسكو تدريجيًا.
إلى جانب الدعم العسكري، استخدمت امريكا عقوبات اقتصادية صارمة ضد روسيا. هذه العقوبات ليست مجرد إجراءات عقابية، بل تُعد وسيلة للضغط على الاقتصاد الروسي لتقييد قدرته على تمويل الحرب. كما أن هذه العقوبات لها تأثيرات على الاقتصاد العالمي، لكنها تُستخدم كأداة استراتيجية لتحقيق مكاسب سياسية
كذلك الصراع في أوكرانيا دفع امريكا إلى تعزيز تحالفاتها التقليدية وإقامة شراكات جديدة. بالإضافة إلى الناتو، تسعى واشنطن إلى توسيع دائرة تحالفاتها لتشمل دولًا في آسيا وأفريقيا، وهو جزء من استراتيجيتها لمواجهة التمدد الروسي والصيني على حد سواء.
التحديات التي تفرضها الحرب في أوكرانيا دفعت امريكا إلى الابتكار في مجال الأسلحة والتكتيكات العسكرية. من الطائرات المُسيَّرة إلى الأسلحة الفائقة السرعة، تُعد الحرب في أوكرانيا بمثابة ميدان اختبار للتكنولوجيا العسكرية الجديدة، مما يُمكّن واشنطن من المحافظة على تفوقها العسكري في المستقبل.
مع حرص امريكا على إبقاء الرأي العام العالمي في صفها من خلال تسويق الصراع الأوكراني كمعركة بين الديمقراطية والاستبداد. هذا السرد يُساعد في كسب دعم الدول الغربية والرأي العام الدولي ضد روسيا، ويعزز من شرعية التحركات الأمريكية في الساحة الدولية.
الدور الأمريكي في أوكرانيا ليس مجرد دعم لدولة تتعرض لهجوم، بل هو جزء من استراتيجية واسعة تهدف إلى الحفاظ على التفوق الأمريكي عالمياً وإضعاف المنافسين. ومع استمرار الصراع، يبقى السؤال: هل ستتمكن واشنطن من تحقيق أهدافها دون التورط في صراع أكبر قد يهدد استقرار النظام الدولي بأسره؟